
في الوقت الذي يعاني فيه القطاع السياحي المصري من تحديات غير مسبوقة، سواء على مستوى البنية التحتية أو التشريعات أو المنافسة الإقليمية، كان المنتظر من جمعيات رجال الأعمال السياحيين أن تتقدم الصفوف، وأن تقوم بدورها كحلقة وصل بين المستثمرين وصناع القرار، وأن تكون درعًا واقيًا لأعضائها في مواجهة التعقيدات البيروقراطية والضغوط الاقتصادية.
لكن الحقيقة المؤلمة أن هذه الجمعيات، التي كان يُفترض أن تكون قلاعًا للدفاع عن حقوق العاملين في القطاع، تحوّلت إلى كيانات صورية، شغوفة بالظهور في المناسبات الرسمية، غائبة عن هموم الناس، لا تسمع، لا تتكلم، ولا ترى.. كحال “القرود الثلاثة“.
أين أنتم من المعاناة اليومية للمستثمرين؟
أين هذه الجمعيات من الفنادق التي تواجه خطر الإغلاق؟ من القرى السياحية التي لم تكتمل؟ من المستثمرين العالقين في دوامة التصاريح والتراخيص؟
أين هي من مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة، أو نقص العمالة المدربة، أو العراقيل الجمركية التي تواجه استيراد المعدات؟
هل سمعنا عن لجنة أزمة فاعلة شكّلتها إحدى هذه الجمعيات؟ هل رأينا تحركًا جادًا للقاء المسؤولين وعرض مطالب واضحة ومدروسة؟
انعزال عن القواعد.. ومكاتب بلا روح
للأسف، تحوّلت مقرات هذه الجمعيات إلى مجرد مكاتب مغلقة على نفسها، لا يشعر بها الأعضاء، ولا يسمعون عنها إلا في البيانات الإنشائية أو الصور البروتوكولية.
لم تعد ساحات حوار مفتوح، ولا منصات تفكير جماعي، بل باتت – في أحيان كثيرة – حكرًا على عدد محدود من الوجوه التي تتبادل المواقع والمناصب، دون رؤية، ودون آلية ديمقراطية حقيقية.
نماذج قائمة.. بين أدوار مضيئة وأخرى غائبة
من بين الجمعيات البارزة في القطاع السياحي نجد جمعية مستثمري جنوب سيناء، وهي من الكيانات التي كان لها دور حقيقي وملموس في دعم النمو السياحي في مدينة شرم الشيخ، حتى أصبحت “مدينة السلام” بحق، وقبلة للسياحة العالمية وللمؤتمرات الدولية.
وقد ساهمت الجمعية في الدفع بعدد من المبادرات والاستثمارات التي عززت من مكانة المدينة إقليميًا وعالميًا.
لكن هذا لا يعفيها – ولا يعفي الدولة – من مسئولية إغفال باقي مناطق جنوب سيناء، وعلى رأسها قطاع طابا – نويبع، الذي يعاني من شلل شبه كامل.
عشرات المنشآت السياحية غير مكتملة، ومشروعات متوقفة بسبب غياب التمويل وغياب الرؤية.
لم نرَ تحركًا جادًا من الجمعية أو الجهات المعنية لتفعيل خطة إنقاذ لهذا القطاع الذي يمتلك مقومات سياحية واستشفائية وأثرية قلّما تجتمع في مكان واحد.
أما جمعية مستثمري مرسى علم، فقد انكفأت على المدينة نفسها، وركزت جهودها على مناطق محدودة، بينما تجاهلت المثلث الجنوبي الثمين الممتد في حلايب وشلاتين وأبو رماد. هذه المناطق التي تحتوي على أنماط سياحية فريدة، وعلى رأسها السياحة البيئية والثقافية والقبلية، لم تجد من يهتم بها أو يطرح مشروعات لتنميتها، رغم وجود محمية جبل علبة، إحدى أكبر المحميات الطبيعية في مصر (35,600 كم²)، والتي يمكن أن تكون مركز جذب سياحي ضخم، لا سيما للسياحة الداخلية والمغامرات.
ولم تكن جمعية مستثمري البحر الأحمر بأفضل حالًا، إذ غاب دورها أيضًا عن هذه الرقعة الغنية من الأرض، ولم تبادر بطرح أفكار أو المطالبة بحق هذه المناطق في التنمية والاستثمار، وكأنها خارج حدود الجغرافيا السياحية.
لكن للأسف، غابت هذه الجمعيات عن طاولة التفاوض، وابتعدت عن العمل الميداني، ولم تعد تمثل المستثمر الحقيقي الذي يئن من تعقيدات الواقع.
ما الذي يجب أن يحدث؟
إذا أردنا لهذه الجمعيات أن تستعيد قيمتها، فلا بد من ثورة تنظيمية داخلية. نحتاج إلى:
- خطة عمل حقيقية وليست شعارات.
- لجان متخصصة تتفاعل مع الوزارات ومجلس النواب والهيئات الدولية.
- تقديم دراسات دورية مدعومة بالأرقام لحل الأزمات.
- تدريب كوادر مهنية للدفاع عن مصالح القطاع.
- آليات انتخاب شفافة تعيد الثقة والمصداقية لهذه الكيانات.
خلاصة القول إن السياحة المصرية لا تحتمل أن تدار بهذه العقلية الجامدة.. ولا يليق أيضاً أن تبقى الجمعيات حبيسة الصور الرسمية والبروتوكولات!!!.
لقد آن الأوان أن نرى جمعيات “تشتغل” بحق، لا “تتجمّل” فقط!!.
نحتاج لمن يسمع أنين المستثمرين، ويتكلم بلسانهم، ويرى معاناتهم.. لا من يواصل الاختباء خلف صمت مريح!!.
إن أريد الإصلاح ما أستطعت.. وماتوفيقى إلا بالله ..عليه توكلت وإليه أنيب..وعلى الله العلى القدير قصد السبيل