أخباربأقلامهممقالات الخبير الدولى علاء خليفة

الخبير الدولى ” علاء خليفة ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” ويطرح : فكره إنشاء مرصد البيانات السياحية في مصر لتحقيق نهضة حقيقية في التسويق السياحي المصري

في يوم 24 أبريل، 2025 | بتوقيت 2:00 مساءً

في عصر تقوده البيانات، لم يعد من المنطقي أن يُدار قطاع بحجم السياحة، يُعد أحد أكبر مصادر الدخل القومي في مصر، بأدوات تقليدية تعتمد على الحدس أو البيانات المتأخرة. اليوم، ومع المنافسة الشرسة على السائح العالمي، أصبح من الضروري أن تتحول مصر إلى دولة سياحية ذكية، تتخذ قراراتها وتخطط حملاتها وتطور وجهاتها بناءً على بيانات آنية وتحليلات دقيقة.

ولهذا السبب، يُعد إنشاء مرصد وطني للبيانات السياحية (Tourism Data Observatory) خطوة استراتيجية مفصلية، لكنها تحتاج إلى بنية واضحة وشراكات حقيقية قائمة على البيانات لضمان نجاحها واستدامتها.

ما هو مرصد البيانات السياحية؟

تعريف شامل:

مرصد البيانات السياحية هو كيان رقمي تنظيمي متخصص، يعمل كبنية تحتية معلوماتية متقدمة تهدف إلى جمع، دمج، تحليل، وتفسير البيانات السياحية من مصادر متعددة حكومية، خاصة، محلية، ودولية – ثم تقديم هذه البيانات في صورة معلومات واضحة وقابلة للتنفيذ عبر لوحات تحكم ذكية وتفاعلية، تدعم صناع القرار في مختلف مستويات صناعة السياحة.

المرصد بوصفه البوصلة الذكية لصناعة السياحة:

هو أشبه بالعين التي ترى المستقبل، والمرآة التي تعكس الواقع، والعقل الذي يربط التفاصيل الصغيرة بالصورة الكبرى، ويمنح صنّاع القرار القدرة على قيادة التحول من الترويج العشوائي إلى التوجيه الذكي، ومن الإدارة الانطباعية إلى التخطيط المبني على الأدلة.

لماذا نحتاج إلى مرصد للبيانات السياحية في مصر؟

  1. لأن السياحة قطاع حساس للتغيرات اللحظية (أزمات، مواسم، ترويج خارجي، صورة ذهنية… إلخ

السياحة واحدة من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرًا بالتغيرات العالمية والإقليمية، سواء كانت أزمات صحية مثل جائحة كورونا، أو أحداث سياسية، أو حتى تغيرات موسمية في الطقس، أو صورة ذهنية تنتشر عبر وسائل الإعلام.
بدون بيانات آنية ورصد لحظي، تصبح مصر عُرضة لردود فعل متأخرة أو قرارات غير دقيقة، مما يؤدي إلى:

  • فوات فرص موسمية مهمة(
  • استهداف غير دقيق لأسواق مصدر تتأثر سلوكياتها بعوامل خارجية.
  • ضعف الاستجابة السريعة للأزمات أو الفرص (مثل فتح وجهات منافسة أو إغلاق أخرى).

أما وجود مرصد ذكي للبيانات السياحية، فهو يوفر قدرة على اتخاذ قرارات مرنة وسريعة مبنية على بيانات لحظية، وبالتالي التحرك بذكاء واستباقية بدلًا من ردود الفعل المتأخرة.

  1. لأن أصحاب المصلحة يتخذون قراراتهم يوميًا دون خريطة بيانات موحدة

الفنادق، شركات السياحة، منظمو الرحلات، وكل من يعمل في سلسلة القيمة السياحية يتخذون قرارات حاسمة بشكل يومي مثل:

  • تسعير الغرف أو الباقات.
  • توقيت إطلاق الحملات والعروض.
  • تحديد الأسواق المستهدفة.
  • جدولة الموارد البشرية واللوجستية.

غياب مرجع مركزي للبيانات يجعل كل جهة تعمل وفق بياناتها المحدودة أو انطباعاتها الذاتية، مما يؤدي إلى:

  • ازدواجية أو تضارب في الحملات.
  • هدر ميزانيات تسويقية.
  • انخفاض تنافسية مصر أمام وجهات تستخدم لوحات معلومات لحظية (Live Dashboards).
  • صعوبة التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص.

لكن بوجود مرصد وطني موحد ومفتوح للشركاء، سيتاح أمام الجميع مصدر موثوق لاتخاذ قرارات متناسقة ومدروسة.

  1. لأننا نُهدر فرصًا ترويجية ضخمة بسبب ضعف فهمنا لتوجهات السائحين في كل سوق مصدر

كل سوق سياحي (ألمانيا، الخليج، فرنسا، أمريكا اللاتينية…) له سلوك مختلف:

  • متى يبحثون عن وجهات السفر؟
  • هل يفضلون الثقافي أم الشاطئي؟
  • ما متوسط إنفاقهم؟
  • ما القنوات الرقمية التي يستخدمونها؟

عدم وجود تحليل ديناميكي لهذه السلوكيات يعني أننا نخاطر بضياع حملاتنا الترويجية في الوقت الخاطئ، أو بالسوق الخاطئ، أو بالرسالة غير المؤثرة.

المرصد يتيح لنا:

  • معرفة أي أسواق نشطة حاليًا في البحث عن وجهات مشابهة لمصر.
  • تحديد أنماط الحجوزات وتوقيتات الذروة الحقيقية.
  • تخصيص الحملات والرسائل بما يتماشى مع كل فئة سوقية.
  • الاستثمار بكفاءة أكبر في الحملات الدولية.

الوظائف الأساسية للمرصد:

  1. رسم السياسات العامة المبنية على الواقع لا التوقعات

من خلال تتبع الأداء الفعلي للوجهات السياحية، وحجم الطلب، ومستوى الرضا، يمكن للحكومات أن تُقر قوانين، وخطط تطوير، وحوافز استثمارية متوافقة تمامًا مع الواقع.

  1. تصميم حملات ترويجية أكثر فاعلية ودقة

كل ذلك عبر معرفة الاتي:

  • من هو السائح الأنسب لكل وجهة؟
  • ما هي تفضيلاته السلوكية والإنفاقية؟
  • ما القنوات والمنصات التي يستخدمها؟

يمكن تحديد الرسائل التسويقية، والأسواق المستهدفة، وتوقيت الحملة بدقة شديدة.

  1. تطوير المنتجات والخدمات السياحية استنادًا إلى الفجوات الحقيقية

مثلًا: إذا أظهرت البيانات أن نسبة كبيرة من السياح يشتكون من غياب خدمات نقل داخلي في بعض المدن، فذلك يدفع لتطوير خدمات الربط.
أو إذا لاحظ المرصد ارتفاع الطلب على السياحة البيئية، فيمكن تطوير برامج ومنتجات خاصة بهذه الفئة.

  1. دعم المستثمرين المحليين والدوليين بالمعلومات الدقيقة

البيانات المنظمة تعني فرصًا أوضح للمستثمر:

  • أين يفتتح فندقًا جديدًا؟
  • ما نوع السائح الأكثر تكرارًا؟
  • ما متوسط الإنفاق؟
  • ما مدى استقرار السوق؟

المرصد يصبح مرجعًا استثماريًا شفافًا ومعتمدًا.

  1. الاستجابة السريعة للأزمات والتغيرات العالمية

خلال الأزمات (مثل كوفيد-19 أو النزاعات الإقليمية أو الكوارث الجوية)، يوفر المرصد:

  • إنذارات مبكرة.
  • مؤشرات الأداء اليومية.
  • أدوات لتعديل السياسات بسرعة.
  • خريطة لحركة الأسواق المتغيرة.

المرصد ليس فقط قاعدة بيانات، بل منظومة متكاملة:

الكثير من المؤسسات تعتقد أن جمع البيانات وحده كافٍ، لكن الحقيقة أن قيمة البيانات لا تظهر إلا إذا تم تحليلها، تفسيرها، وتقديمها بشكل قابل للتنفيذ. ولهذا يجب أن يكون المرصد منظومة متكاملة تحتوي على العناصر التالية:

  1. منصة إلكترونية تفاعلية (Dashboard Interface)

ليست مجرد موقع إلكتروني، بل هي لوحة تحكم ذكية ومرئية تعرض البيانات في شكل:

  • رسوم بيانية محدثة لحظيًا.
  • خريطة ديناميكية توضح كثافة السياح حسب الوجهات.
  • مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) مثل: الإنفاق، معدلات الإشغال، تقييمات الزوار.
  • واجهة مخصصة لكل فئة: صانع قرار حكومي، شركة سياحة، مستثمر.

الفائدة: تمكين الجميع من “قراءة السوق” في لحظة، تمامًا كما يقرأ مدير مصنع لوحة مؤشرات الأداء الخاصة بالماكينات.

  1. فرق تحليل البيانات والإحصاء السياحي

البيانات وحدها لا تكفي، بل نحتاج:

  • خبراء في علم البيانات لتحليل الأنماط والتنبؤ بالاتجاهات.
  • مختصين في الاقتصاد السياحي لترجمة الأرقام إلى توصيات.
  • محللي سلوك لفهم نفسية السائح بناءً على تحركاته وتفضيلاته.

الفائدة: تقديم رؤى حقيقية تساعد في اتخاذ قرارات تسويقية أو تخطيطية دقيقة.

      3. شراكات مع شركات التقنية ومزودي البيانات العالميين

المرصد لا يعمل في فراغ، بل يتكامل م كل من :

  • Google Travel، Expedia، Booking.com للحصول على بيانات بحث وحجز.
  • TripAdvisor، TikTok، YouTube لرصد المحتوى والتفاعل.

الفائدة: الاستفادة من بيانات ضخمة (Big Data) لا تستطيع الدولة جمعها بنفسه

        4 . تشريعات لضبط جودة البيانات وتكاملها

يجب أن يكون هناك إطار قانوني وتشريعي ينظم:

  • إلزام الجهات السياحية بتقديم البيانات بشكل دوري.
  • حماية خصوصية السائحين وبياناتهم الشخصية.
  • معايير جودة وتنسيق موحد للبيانات.
  • مسؤولية كل جهة عن دقة بياناتها.

الفائدة: ضمان أن ما يتم تحليله ليس “ضوضاء رقمية”، بل بيانات موثوقة.

       5. تقارير شهرية وربع سنوية وخرائط تفاعلية للسوق السياحي

بدلاً من انتظار تقارير نهاية العام، يصدر المرصد:

  • تقارير شهرية عن أداء الوجهات والأسواق.
  • تقارير تحليلية فصلية لرصد التحولات والمواسم.
  • تقارير مقارنة بين الوجهات المصرية والوجهات المنافسة.
  • خرائط تفاعلية توضح حركة الزوار، سلوكهم، نقاط الضعف والقوة.

الفائدة: توفر مصدرًا غنيًا وسريعًا لصناع القرار، والمستثمرين، ووكالات الترويج.

كيف نبني هذا المرصد؟

. إصدار قانون أو لائحة تنظيمية تُلزم بتجميع ومشاركة البيانات السياحية:

  • تلزم الفنادق، شركات السياحة، المنصات الرقمية، والمطارات، برفع تقارير دورية حول معدلات الإشغال، الجنسيات، الإنفاق، التقييمات، إلخ.
  • تضمن سرية البيانات الفردية، وتحويلها إلى مؤشرات عامة تحفظ الخصوصية.
  1. تأسيس هيئة مستقلة أو إدارة خاصة داخل وزارة السياحة تُشرف على المرصد:
  • تتولى إدارة البيانات، التنسيق بين الشركاء، صياغة المؤشرات، وتوفير الأدوات التفاعلية للجهات المختلفة.
  • تضم خبراء في التحليل الاقتصادي، الإحصاء، التسويق، والتكنولوجيا.
  1. بناء شراكات استراتيجية (Data-Driven Partnerships) مع القطاع الخاص:
  • توقيع اتفاقيات مع شركات مثل Booking.com، Google Travel، TripAdvisor، Expedia، Airbnb لتوفير رؤى وتحليلات من منصاتهم.
  • التعاون مع شركات الاتصالات المحلية للحصول على مؤشرات الحركة والتنقل الجغرافي للسياح داخل مصر.
  • الشراكة مع شركات تكنولوجيا تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي.
  1. . إطلاق منصة إلكترونية تفاعلية للمرصد (Dashboard):
  • تُظهر البيانات في شكل رسومات تفاعلية محدثة يوميًا.
  • تُقسم حسب الوجهات (الأقصر، أسوان، شرم الشيخ،…) وحسب الأسواق (أوروبا – الخليج – أمريكا اللاتينية – آسيا).
  • يُتاح الوصول إليها من قبل مسؤولي الدولة، المستثمرين، وكالات التسويق، وشركاء القطاع الخاص.
  1. تبني سياسة الشفافية والحوكمة في التعامل مع البيانات:
  • نشر تقارير شهرية وسنوية مفتوحة للجمهور.
  • عرض التوصيات بناءً على التحليل، مع إمكانية تعقيب الأطراف المعنية.

نماذج مؤشرات يمكن للمرصد تتبعها:

المؤشر الوصف
متوسط الإنفاق اليومي للسائح يساعد على توجيه الخطط التسويقية للفئات الأعلى قيمة
مدة الإقامة مؤشر حيوي لتقييم تجربة الزائر
معدل تكرار الزيارة يعكس ولاء السائح للمقصد
أبرز الأسواق المصدرة يساعد في توجيه الحملات الدولية
أكثر الوجهات بحثًا يوفر نظرة مستقبلية للطلب المتوقع
تقييمات الزوار الرقمية تكشف عن جودة الخدمات المقدمة

الفوائد المتوقعة من إنشاء المرصد:

  1. اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة في التسويق والتخطيط.
  2. مزامنة الخطط بين الوزارات والقطاع الخاص لتفادي التضارب.
  3. جذب المستثمرين الدوليين عبر بيانات شفافة ودقيقة.
  4. تحسين تجربة السائح من خلال الفهم العميق لسلوكه وتفضيلاته.
  5. زيادة العائد السياحي نتيجة الحملات الموجهة وتحسين الخدمات.

ختاما، إن إنشاء مرصد البيانات السياحية ليس مشروعًا تقنيًا فقط، بل تحول فكري وسياسي في كيفية إدارة السياحة في مصر. إنه أداة تُمكننا من التفاعل مع الواقع، وتوجيه الحاضر، واستشراف المستقبل، وبناء شراكات تعزز الثقة وتؤدي إلى نتائج ملموسة على الأرض.

مصر، بتاريخها، وجمالها، وشعبها، تستحق أن تُدار سياحتها بأدوات هذا العصر.
والمرصد هو مفتاح هذه الإدارة الذكية.

كاتب المقال
علاء خليفة
الخبير السياحي الدولي في مجال التسويق السياحي والفندقي.
محاضر في التحول الرقمي في قطاع السياحة والفنادق.
عضو المجلس السياحي المصري وعضو جمعية السياحة الثقافية.
ورئيس مجلس إدارة شركة خبراء الديجتال لادراه العمليات التسويقية الدولية بمصر والامارات.
رئيس مجلس اداره شركة EGY Trace العالميه
وعلى مدار أكثر من 35 عامًا، تدرج علاء خليفه في العديد من المناصب فى قطاع السياحة والتسويق وتنمية الأعمال في القطاع السياحي والفندقي ، وبفضل هذه الخبرة الطويلة والدراسة المتخصصة يضع خطط تسويقية وحلول استراتيجية لتسويق المقاصد العربيه والدولية و تحسين التجربة السياحية وتنفيذ حملات التسويق المشتركه والعلاقات العامة.

للتعرف وللمزيد من المقالات للكاتب  أدخل على الرابط التالى

الرئيسية

https://elmahrousanews.com/?s=%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1+%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9+