أخباربأقلامهم

الجميلي أحمد يكتب: رسالة إلي وزير الثقافة.. “الثقافة المصرية بين الأرقام والهوية… ومتى يصمت أعداؤها؟”

في يوم 28 مايو، 2025 | بتوقيت 1:06 مساءً

في زمنٍ تتكالب فيه الرياح على شرفات الوعي، وتتهاوى فيه النوافذ أمام عواصف العولمة، خرج علينا خبرٌ كالصاعقة: إغلاق قصور الثقافة والمكتبات العامة. لحظة مرت كالكابوس، جفَّ فيها مداد الكتَّاب، وتلعثمت الكلمات في أفواه المثقفين، كيف تُغلق نوافذ الروح؟ كيف يُسدل الستار على معابد الوعي؟!

لكن، وكأنّ ضميرًا ثقافيًا ما قد استفاق في اللحظة الأخيرة، تراجع وزير الثقافة عن القرار. خطوةٌ تحمل في ظاهرها تصحيحًا للمسار، ولكنها لا تمحو السؤال الأخطر: إلى متى تظل الثقافة تُحسب بآلة الأرقام؟

ألا يدرك الوزير أن الثقافة ليست بندًا في ميزانية؟! ليست تكلفة تُقص أو تُعدل بجرة قلم! الثقافة روح الأمة، ذاكرة الأجيال، وهي حقٌّ مقدس مكفول لكل مواطن، من أقصى الجنوب إلى قلب العاصمة. لا يجوز التعامل معها بعقلية الحسابات، بل بعقلية الحُلم والبناء.

أن من أرادوا إغلاق بيوت الثقافة، لم يدركوا أنهم بذلك يفتحون الباب لأعداء مصر، أولئك الذين لطالما تمنوا أن يروا هوية هذا الوطن تذوب في تيارات التغييب، والانفصال عن الجذور. فإن صمت القرار، فهل يصمت أعداء الثقافة؟! أم أنهم سيفكرون في خطوة أخرى، أكثر ماكرة، لطمس ما تبقى من وعيٍ وهوية؟

مصر…

ليست فقط حضارة الأهرامات والنيل، بل حضارة الكلمة، والصورة، والنغمة، والمسرح، واللوحة. هي محفوظ وعبدالصبور، هي درويش وأمل دنقل، هي الطهطاوي والعقاد وطه حسين هي ام كلثوم وعبدالوهاب ومحمد فوزي وشادية. مصر لا تُختزل في رقم على ورقة أو ميزانية تُضغط من فوق.

لذا فإن الوزير اليوم أمام مفترق طرق…

إما أن يتحول إلى مؤرخٍ جديدٍ للثقافة المصرية، يُسجَّل اسمه بجوار من أنقذوا ذاكرة الأمة، أو أن يتحوّل إلى رقمٍ آخر في سجل من نظروا إلى الثقافة على أنها عبء ماليٌّ لا أكثر.

نحن لا نُريد من الوزير إلا أن ينصت لصوت المثقفين، أن يُعيد الاعتبار لمكانة المثقف، وأن يُدرك أن في كل مكتبة تُغلق، يُغلق معها بابٌ للنجاة من الجهل والتطرف والانغلاق. فهل نستيقظ كل صباح على خوفٍ من خبرٍ آخر يطال عقل هذا الوطن؟ أم نُبشِّر بثورة ثقافية تجعل من كل قصور الثقافة منارة، ومن كل مكتبة شمعة في ليل العتمة؟

الثقافة ليست ترفًا يا سعادة الوزير، إنها آخر خطوط الدفاع عن هوية مصر..