آثار ومصرياتأخبار

في يوم العمال.. دروس من مصر القديمة : هكذا ورَّث الفراعنة الحِرَف لأبنائهم بإنسانية وتنظيم مبهر

دراسة للدكتورة رنا التونسي تكشف كيف ساهمت نقوش المقابر في توثيق علاقة العمل بين الآباء والأبناء وأخلاقيات المهنة في الحضارة المصرية القديمة

في يوم 1 مايو، 2025 | بتوقيت 7:30 مساءً

بمناسبة يوم العمال، نسلط الضوء على جانب مشرق من الحضارة المصرية القديمة، يكشف عن أصول العمل والعمالة في مصر الفرعونية، من خلال دراسة أعدتها الدكتورة رنا التونسي، رئيس لجنة الدراسات والبحوث بـ”حملة الدفاع عن الحضارة المصرية” ونائب رئيس الحملة، حيث توثق ملامح عميقة عن دور الأطفال والمهنيين في بيئة العمل، وكيفية انتقال الحرف والمهارات بين الأجيال، في مشهد ينضح بالإنسانية والتنظيم.

توريث المهنة.. عادة مصرية ضاربة في التاريخ

تقول الدكتورة رنا التونسي إن توريث الحرفة كان تقليدًا راسخًا في مصر القديمة، حيث نشأ معظم العمال المصريين في ظل مهنة آبائهم، فتعلموا منهم مبكرًا، ليس فقط المهارات اليدوية، بل وأيضًا قواعد العمل وعلاقاته الاجتماعية والإنسانية. وتضيف أن هذا النهج لا يزال قائمًا حتى اليوم في قطاعات كثيرة، خصوصًا في المهن الحرفية.

الأطفال يتعلمون بالعمل وليس بالعقاب

في عصر الدولة القديمة، تشير بعض النقوش إلى أن الأطفال كانوا يشاركون أحيانًا في أعمال البناء، ولكن بشكل ثانوي وتدريبي بحت. تؤكد التونسي أن العمال المهرة لم يكونوا يتعاملون مع الصغار بقسوة، بل بالعكس، كانوا يُشركونهم في أعمال بسيطة وبأسلوب لطيف، يعكس احترامًا وإنسانية واضحة.

الدكتورة رنا التونسى الباحثة فى الآثار المصرية القديمة نائب رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية

ومن الأمثلة الجميلة التي تسردها الدراسة، نقش في مقبرة “بتاح حتب” يصور حوارًا إنسانيًا بين عامل وصبي صغير، حين يقول العامل: “يا صغيري أحضر لنا الحبال”, فيرد الصبي بأدب جم: “يا والدي خذ هذا الحبل من أجلك”. في هذا المشهد دلالة على حسن المعاملة، وعلى أن الطفل –غالبًا– هو ابن العامل، الذي يعده لوراثة الحرفة.

التدريب المنهجي في ورشات الدولة الحديثة

تتسع دائرة التدريب المهني في عصر الدولة الحديثة، حيث تظهر جدران مقبرة الوزير “رخميرع” مشاهد لمجموعات عمل تشمل شبابًا وأطفالًا يتلقون تدريبًا عمليًا في ورش كبيرة، ما يشير إلى وجود تنظيم مهني مبكر يهدف إلى تخريج أجيال مدربة.

وتبرز الدراسة أن الأطفال لم يُجبروا على العمل البدني الشاق، بل كانت لهم أدوار معينة، مثل نقل الركام خارج مواقع البناء، وهو عمل مناسب لقدراتهم ويسهم في دمجهم التدريجي في بيئة العمل.

أخلاقيات العمل.. حضارة تليق بالمصري القديم

وتختم د. رنا التونسي بأن ما كشفت عنه هذه النقوش لا يعكس فقط تنظيم العمل، بل يعبر عن أخلاقيات إنسانية راقية سادت بين الأجيال، تجسدت في العلاقات بين الكبار والصغار، والمدربين والمتدربين، بصورة تسبق بمئات السنين ما نسميه اليوم بـ”الرؤية الاجتماعية للعمل”.