آثار ومصرياتأخبار

تحت سمع وبصر المسئولين : حفلات صاخبة وبيارات الصرف الصحى تهدد هضبة الأهرام ومعالمها الأثرية

في يوم 18 أبريل، 2025 | بتوقيت 6:43 صباحًا

في قلب واحدة من أعظم معالم الإنسانية، وبينما تتوافد أنظار العالم إلى أهرامات الجيزة باعتبارها إحدى عجائب الدنيا السبع، تُمارَس أنشطة قد تُمثّل تهديدًا مباشرًا لهذا الأثر الخالد.

تتراوح هذه الممارسات بين حفلات صاخبة تُقام تحت سفح الهرم، يصاحبها ضجيج هائل وأضواء قوية تهدد البنية المادية والمعنوية للأثر، وبين مشكلات بيئية أكثر خطورة متمثلة في تسربات الصرف الصحي التي تنخر في قلب الهضبة الجيرية التي تحتضن الأهرامات.

في هذا التحقيق، نحاول إطلاق صافرة إنذار حقيقية، وتحذير واضح من استمرار هذه الممارسات دون رقابة أو تقييم علمي دقيق لتأثيراتها على التراث العالمي.

هل الحفلات الصاخبة في قلب الأثر صديقة للبيئة؟

تتساءل حملة “الدفاع عن الحضارة المصرية” – التي يرأسها الدكتور عبد الرحيم ريحان – عن مدى مواءمة هذه الحفلات التي تقام تحت سفح الهرم للمفهوم العالمي لحماية الآثار.
ويطرح ريحان سؤالًا جوهريًا: هل الضوضاء والاهتزازات الناتجة عن الحفلات، وتركيب وفك المسارح، والإضاءات القوية، تتماشى مع قواعد حماية الآثار؟

الدكتور عبد الرحيم ريحان ، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية

تأثير الضوضاء على الأهرامات: العلم يجيب

يؤكد الخبير حمدي يوسف – مستشار الحملة للترميم والصيانة – أن الموجات الصوتية الناتجة عن الحفلات لا تمر بسلام على الآثار.

فالموجات التي تقع بين 20 هيرتز و20 كيلوهيرتز، والتي تلامس الأسطح الحجرية الهشة، تُحدث ما يشبه “الارتطام المجهري” المستمر الذي يقضي تدريجيًا على الطبقة السطحية للحجر، خصوصًا في ظل وجود ملوحة مرتفعة ورطوبة عالية.

“إذا وصلت سرعة الصوت داخل موقع مغلق إلى حدود 1200 كم/ساعة، فإن ذلك يُحدث ضغطًا يوازي انفجارًا، وهذا كارثي على الأسطح الأثرية” – يوضح يوسف.

الأضواء ليست بريئة.. الإنارة خطر على النقوش والزخارف

يلفت حمدي يوسف النظر إلى أن الإنارة، خاصة الصناعية القوية منها، تؤثر بشكل مباشر على الألوان والنقوش الحجرية عبر ما يُعرف بـ”التلف الفوتوكيميائي”.

فالأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية، المنبعثة من مصابيح الحفلات أو تصوير الإعلانات، تُحدث تآكلًا في الطبقات السطحية، وتؤدي إلى بهتان الألوان أو حتى زوالها.

التصوير بالفلاش: كارثة صامتة

رغم أن زمن تعريض فلاش الكاميرا لا يتعدى جزءًا من الثانية، إلا أن قوته تصل إلى 70,000 لوكس – وهي كمية طاقة خطرة جدًا عند تكرارها، خاصة في الأماكن المزدحمة بالزوار.

حلول مقترحة: الفلاتر، الإضاءة الباردة، والقياس المستمر

يدعو خبير الترميم إلى استخدام الإضاءة الطبيعية غير المباشرة قدر الإمكان، وتقنين الإضاءة الصناعية لتتناسب مع طبيعة الأثر:

  • من 70 إلى 150 لوكس للآثار العضوية.

  • من 300 إلى 400 لوكس للآثار الحجرية.

ويشدد على ضرورة استخدام مرشحات ضوئية (فلاتر) خاصة بالأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء، وقياس كمية الضوء باستمرار بأجهزة مخصصة.

بيارات الصرف الصحي: خطر صامت يهدد هضبة الأهرام

الأخطر من الحفلات، بحسب الخبير فاروق شرف – مستشار الحملة وصاحب خبرة تفوق 30 عامًا في ترميم الآثار – هو وجود بيارات صرف صحي قريبة من الهضبة.

الهضبة، التي تعود لنحو 30 مليون سنة، تتكون من صخور جيرية رسوبية هشة في بعض أطرافها. وهذه الصخور تمتص مياه الصرف بما تحويه من أملاح ومواد عضوية، مما يؤدي إلى:

  • ذوبان الكالسيت، المكون الرئيسي للحجر.

  • ارتفاع منسوب المياه الجوفية.

  • ظهور شروخ وانهيارات جزئية في المناطق السفلية والأطراف.

“لقد شاهدنا بأعيننا انهيارات موضعية نتيجة التسربات من مناطق مثل نزلة السمان، رغم وجود مشاريع لتصريف المياه بالتعاون مع اليونسكو” – يضيف شرف.

تطوير منطقة هضبة الأهرامات
منطقة هضبة الأهرامات
منطقة هضبة الأهرامات
منطقة هضبة الأهرامات
منطقة هضبة الأهرامات
تطوير منطقة هضبة الأهرامات
منطقة هضبة الأهرامات
منطقة هضبة الأهرامات

تحذير واضح ورسالة عاجلة

يرى المشاركون في الحملة أن كل من الضوضاء والضوء والصرف الصحي عوامل تُهدر صمت الأثر وقدسيته وجماله الخالد.

وتطالب الحملة بـ:

  • وقف الحفلات الصاخبة نهائيًا داخل أو بجوار المناطق الأثرية.

  • إجراء دراسة صوتية وضوئية لأي فعالية تقام بجوار الأثر.

  • إنشاء منظومة صرف صحي حديثة تضمن عدم تسرب المياه إلى باطن الهضبة.

  • مراقبة دورية بمشاركة جهات علمية ومستقلة للحفاظ على الموقع.

الأهرامات ليست مجرد مزار.. بل تراث إنساني يجب حمايته

إن حماية هضبة الأهرام لا تعني فقط الحفاظ على أحجار ضخمة صامدة منذ آلاف السنين، بل تعني صون هوية وحضارة لا تزال تُدهش العالم.

وإذا كنا نرغب في أن تظل هذه الأعجوبة شاهدة على عظمة المصري القديم، فلا بد من مراجعة عاجلة لما يُمارس على أرضها من أنشطة غير مدروسة.

أمال محمد شاكر