
في عالم يتغيّر باستمرار، وتتقلّب فيه أهواء المسافرين كما تتبدّل الفصول، أصبحت مهمة تسويق المقاصد السياحية واحدة من أكثر المهام تعقيدًا وتشويقًا في الوقت نفسه. البعض يعتقد أن تسويق الوجهات لا يتطلب سوى صور جذابة، وفيديوهات لبحر أزرق، وأطعمة محلية تقليدية. لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير.
صديقي عمرو القاضي قالها يومًا بمزاج ساخر لكنه صادق: “تسويق السياحه زي الكورة”— وأنا أوافقه الرأي. لأنها فعلاً كذلك واكتر من كذلك .
في عالم كرة القدم، هناك مدرب، فريق، قائد، تكتيك، خطة تنفيذ، وجمهور. وكل عنصر من هؤلاء له دور محوري لا يُستهان به. والتسويق السياحي لا يختلف.
المدرب: هو خبير التسويق الذي يضع الرؤية والخطة والاستراتيجية العامة. يرى الصورة الكاملة، ويتعامل مع المتغيرات، من تغيّرات السوق، إلى الأزمات الاقتصادية، وصولاً إلى الكوارث الطبيعية أو حتى السياسية.
الفريق: هو فريق العمل، من صانعي المحتوى، إلى المخططين الإعلاميين، إلى فرق العلاقات العامة والمبيعات والمصممين، الذين يعملون على تنفيذ الخطة بشكل دقيق ومنسق.
القائد: هو من يملك الشغف والقدرة على التواصل مع الناس، كالمؤثر أو السفير السياحي الذي يحمل رسالة الوجهة وينقلها للعالم بروح حقيقية.
الخطة والتكتيك: كل حملة تسويقية ناجحة تحتاج إلى خطة مفصلة وتكتيك دقيق: متى ننشر؟ لمن؟ كيف؟ عبر أي منصة؟ بلغة من؟ وما الذي يجب أن يشعر به المتلقي عند مشاهدة الفيديو أو قراءة المقال أو الوقوف أمام إعلان في المطار؟
أما الجمهور، فهنا تتجلّى الصورة الأوضح. الجمهور جالس في المدرجات أو خلف الشاشة، يراقب، يحكم، يشجب، يضع توصيات، ويصدر أحكامًا قاسية أحيانًا دون أن يعرف ما الذي يحدث خلف الكواليس. لا يرى حجم الضغط، أو الميزانيات، أو عدد الاجتماعات، أو التحديات التي تواجه الفريق.
كم مرة حُكم على حملة تسويق سياحي بالفشل فقط لأنها لم تُحدث تفاعلًا مباشرًا بعد يوم أو يومين؟ كم مرة تم التقليل من جهود دولة كاملة في بناء هوية سياحية متكاملة فقط لأن أحدهم لم يعجبه الإعلان التلفزيوني؟
كفانا إصدار أحكام مبكرة.
كفانا نقدًا سطحيًا لمجرد أن النتيجة لم تكن لحظية. فالتسويق السياحي هو استثمار طويل المدى، يحتاج إلى وقت، وقياس، وتعديل، واستمرارية. مثل كرة القدم تمامًا، قد تخسر مباراة، لكنك في طريقك للفوز بالبطولة.
وفي النهاية، دعونا نُعيد النظر في طريقة رؤيتنا لمهنة تسويق المقاصد السياحية. هي ليست مهنة ترويجية بسيطة، بل هي فن، وعلم، وخطة، ورؤية، ومعركة تنافسية عالمية تتطلب مهارات نفسية، ثقافية، تحليلية، وإبداعية من أعلى مستوى.
دعونا نشجع الفريق بدلاً من إطلاق صافرة الاستهجان قبل نهاية الشوط الأول.
دعوة للتفكير ودعم أصحاب المهمة الصعبة
في ظل هذه التعقيدات والتحديات التي يواجهها المسوقون، يجب أن نعيد التفكير في طريقة تعامل الافراد والمؤسسات والشركات معهم. لا يجوز أن يُحمَّل المسوّق وحده مسؤولية ضعف الحركة السياحية، أو فشل حملة إعلامية ما، في حين أن المنظومة كلها يجب أن تعمل بانسجام: من البنية التحتية، إلى جودة الخدمات، إلى تسهيلات الدخول، إلى تجربة السائح نفسه على الأرض في الموقع .
إن دعم المسوقين لا يعني فقط إعطاؤهم الميزانيات، بل يشمل توفير المعلومات الدقيقة، والتكامل مع المؤسسات الحكومية، وفتح الأبواب أمام الإبداع، وتوفير بيئة مرنة لتجريب أفكار جديدة دون الخوف من “مقصلة المحاسبة” الفورية.
فكما لا يمكن لفريق كرة القدم أن يربح من دون دعم جمهوره وإدارة ناديه، كذلك لا يمكن للمقصد السياحي أن يزدهر من دون منظومة متكاملة تؤمن بأهمية التسويق وتدعمه بقوة وثقة وصبر.
التسويق السياحي ليس إعلانًا، بل استثمار في المستقبل. فلنُعطه ما يستحق حتي يحقق نتائجه.
كاتب المقال
علاء خليفة
الخبير السياحي الدولي في مجال التسويق السياحي والفندقي.
محاضر في التحول الرقمي في قطاع السياحة والفنادق.
عضو المجلس السياحي المصري وعضو جمعية السياحة الثقافية.
ورئيس مجلس إدارة شركة خبراء الديجتال لادراه العمليات التسويقية الدولية بمصر والامارات.
رئيس مجلس اداره شركة EGY Trace العالميه
وعلى مدار أكثر من 35 عامًا، تدرج علاء خليفه في العديد من المناصب فى قطاع السياحة والتسويق وتنمية الأعمال في القطاع السياحي والفندقي ، وبفضل هذه الخبرة الطويلة والدراسة المتخصصة يضع خطط تسويقية وحلول استراتيجية لتسويق المقاصد العربيه والدولية و تحسين التجربة السياحية وتنفيذ حملات التسويق المشتركه والعلاقات العامة.
للتعرف وللمزيد من المقالات للكاتب أدخل على الرابط التالى
https://elmahrousanews.com/?s=%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1+%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9+