طبقاً لمفاهيم وأساليب القتال، في مختلف العقائد القتالية؛ سواء الغربية التي تضم أمريكا ودول حلف الناتو، أو الشرقية ونقصد بها روسيا، فإن القتال في المدن هو أصعب أنواع القتال للجيوش النظامية، حتى قيل عنها “المدن هي مقابر الجيوش”، بمعنى أن محاولة أي جيش نظامي اختراق أو مهاجمة مدينة سكنية، فسيتكبد خسائر كبيرة، في مقابل معدلات تقدمه البطيئة للغاية. ولعل أحد أبرز الدلائل على ذلك، هو فشل إسرائيل في احتلال مدينة السويس، أثناء حرب 73، وتدمير دباباتها على مدخل المدينة، يوم 24 أكتوبر 73، وعجزها عن دخول المدينة، أمام بسالة الدفاع الشعبي للسويس، وبعض من قوات الجيش الثالث، حتى انسحاب قواتها.
ومؤخراً، تواترت بعض الأنباء بأن إسرائيل قد أقامت، منذ عدة سنوات، مدينة مصغرة، في صحراء النقب، أطلقت عليها “غزة الصغرى”، وهي عبارة عن ماكيت، أو مجسم، لمدينة غزة الفلسطينية، لاستخدامه في تدريب جيش الاحتلال الإسرائيلي، على أسلوب القتال داخل المدن، وخاصة غزة. ويعتبر صحة هذه الأنباء، أولاً أن إسرائيل قد وضعت خطتها، منذ مدة طويلة، للهجوم على غزة واقتحامها، وثانياً أنها اختارت مجموعة من قوات النخبة الإسرائيلية للتدريب على تنفيذ تلك الخطة.
إلا أن الخطة لم تنجو من الانتقادات، من داخل الجيش الإسرائيلي، إذ أنها لم توفر معلومات واضحة، وتفصيلية عن أنفاق غزة، التي تعد شبكة طويلة، وممتدة، بلغت أن وصفها، البعض، بأنها مدينة كاملة تحت الأرض، وهو ما كان ضروري، وحاكم، أن يتم تصوير أوضاع تلك الأنفاق على ماكيت المدينة، لتكتمل الصورة، ويتم، بذلك، وضع خطة دقيقة للعملية القتالية عند الاقتحام والهجوم على مدينة غزة الكبرى.
وقد أفادت بعض الأنباء، أن القوات الإسرائيلية تؤكد أن نقص المعلومات عن الأنفاق في غزة، كانت سبباً في الخسائر الكبيرة، التي وقعت بين صفوف القوات الإسرائيلية، حتى الآن. ورغم التطابق بين مدينة غزة الكبرى، وتصميم وبناء مدينة غزة الصغرى، التي أقامها الجيش الإسرائيلي، لتدريب قواته على اقتحام المدينة، الا أنه تكبد خسائر فادحة، بالرغم من اعتماده على عدة اتجاهات في الهجوم، خلال مرحلة تطويق المدينة، بهدف استكشاف أي من الثغرات في دفاعات حماس، وخاصة من ناحية الأنفاق.
وعلى أية حال، ستظل العمليات القتالية، للجيوش النظامية، لاختراق المدن السكنية، من أعقد العمليات العسكرية، خاصة عندما تكون المدينة مكتظة بالسكان، أو مزودة بشبكة من الأنفاق، مثلما هو الحال في غزة.