المنطقة الحرةشئون مصرية ومحليات

الكاتب الصحفي والأديب “محمود الجمل” يكتب ل “المحروسة نيوز “عن: الطريق الي موريتانيا

في يوم 25 نوفمبر، 2020 | بتوقيت 10:51 صباحًا

السؤال الذي احدث طنينا في اذني , هل يصبح الساحل الموريتاني هو الملاذ الأخير وان تصبح رحلة الفرار الي نواكشوط هي الرحله الأخيره , خاصة انه انه لم يعد يفصلني عن عامي الستين سوي ثلاثة اعوام , وبالتالي لاوقت للمغامره , سوف يكون ذلك اختياري الأخير , اقضيه بين حلقة اسماك اسطوريه تستقبل يوميا الاف الأطنان من اسماك الأطلسي العملاقه وبين مكتب مجهز لأصدار صحيفه باللغه العربيه دعاني لمشاركته في اصدارها صديق موريتاني عملنا معا في ابوظبي عام 2001 بجريدة الوحده . كان يحمل درجة الدكتوراه في اللغه العربيه ورضي بالعمل مصححا , ثم مالبث بعد عدة اعوام ان عاد الي بلاده وانخرط في ادارة بعض اعمال عائلته ومن بينها ادارة محطه عملاقه لاستقبال الأسماك وتجهيزها وتعبئتها وتبريدها وتصديرها لدول البحر المتوسط القريبه .

الصديق الموريتاني المهذب سألني في حوار اخير عن صديقنا المشترك الصحفي النابه ” صبحي بحيري ” وعن امكانية ان يأتي معي هو الاخر في رحلة النزوح الأخيره , فأجبته بأن ” ابو مصعب ” ليس لديه مانع ان يفر هو وكامل العائله , فالفرار بات هدفا حتي للشجعان . فقط يبقي بعض الحنين لعظام الأجداد والاباء , وبعض دمعات نسكبها حينما نتذكر اصدقاء المنافي والذين كم اقتسموا معنا ارغفة الخبز الأفغاني في رحلة الفرار الأولي الي ابوظبي والتي لم تدم معي طويلا وان كان ” صبحي ” قد نجح في البقاء لأكثر من عشرة اعوام متصله ثم مالبث هو الاخر ان ضاق بأنفاس المنافي غير الأختياريه وضيق صدر اصحابها فعاد هو الاخر لكي نجتر معا كلما التقينا ذكرياتنا مع الصديق ” محمد زغلول ” الذي علمنا كيف نكتب بحبر القلب وعلمنا ايضا كيف نطهو الارز ” حبه وحبه ” وان نأكل بشهيه بالغه مكتفين ببعض قطع الطرشي وبضع زيتونات .

السؤال , هل يمكن البدء من جديد , وهل يمكننا احتمال هذا العالم الجديد وان ننسي كل التفاصيل القديمه , ان نهجر الأهل والأبناء , ام اننا سوف نحملهم معا في رحلة النزوح المؤلمه . ام ان الفرار سوف يصبح فرديا , اتحدث عن نفسي , هل يمكنني احتمال الغربه وانا الذي لم يحتمل ليل القاهره وكنت افر للسويس في ” نصاص الليالي ” رغم كل المغريات . لماذا لم اعد احتمل البقاء في السويس , مدينتي التي هزمتني وارغمتني علي البقاء بالقرب من الخور وجبل عتاقه ومحاجر بير عديب ووادي حجول . هل باتت السويس مدينه طارده للأبناء بعد ان باتت ملاذا للغرباء , ام انني لم اعد هذا الدرويش المستعد للتمايل في حلقات ذكر حبها . ام ان رحيل الاباء والمعلمين الاوائل والاصدقاء الذين طالما تشاركنا في النحيب وايضا في اطلاق الضحكات ولم يبق سوي قله صارت هي الأخري متخصصه في التأريخ للأحزان .

هل يمكن اقتلاع القلب ودفنه في واحده من ملاحات المدينه , وان يصحو الأبناء فلايجدوني , المهندس رامي ابني الكبير وطفلي العملاق وفاطمه طبيبة الأسنان والكاتبه الساخره الموهوبه ومحمد المشاغب وعادل الصغير مدير اعمالي وامهم التي ارهقتها معي طوال ثلاثين سنه متصله حتي بت اشعر بالذنب من جراء ما حققته لها من متاعب نتيجه لقلة طموحي وهواني علي الأبناء والأهل والناس .

هل يعتبر مشروع الفرار نحو ساحل الاطلسي نوعا من الجبن الذي يعتري المرء في اخر العمر فيحاول ان يحقق في زمن قصير مالم يحققه عبر عقود . هل هو نوع من الأنانيه ومحاوله للنجاه بشكل فردي تاركا الأبناء يكافحون بمفردهم من اجل البقاء . هل يعني السفر فرصة عمل جيده وراتب جيد واصدقاء جدد وامرأه جديده توصد كافة منافذ القلب . هل يمكن ان يحدث كل هذا بلاتبعات , ام ان الحنين لشاطيء ” الكبانون ” غير الصالح للسباحه وحلقة سمك الأنصاري التي تفيض بمياه الصرف علي الدوام ومقاهي شارع الشهداء واصدقاء ” مقهي حموده ” ومطعم رواش وشوارع بورتوفيق , سوف يجعل من رحلة النزوح رحلة مؤلمه , ام ان هذا الألم مجرد توهمات تعتريني انا فقط . فقط يبقي الأختيار او الأنتحار .

بقلم 

محمود الجمل

   

مقالات ذات صلة