المنطقة الحرة

الأديب والكاتب الصحفى”محمود الجمل” يكتب ل”المحروسة نيوز” عن متلازمة مبارك

في يوم 26 فبراير، 2020 | بتوقيت 10:52 مساءً

نحن أمام حالة من الدهشة العارمة الممتدة . إزاء حاله من حالات التناقض الحاد انتجتها عملية رحيل الرئيس حسني مبارك. فالرجل الذي قيل في حقه انه كان سببا في تراجع الدولة المصرية وتخلفها وتبعيتها الي حد موافقته على إرسال الطلاب المصريين الي إسرائيل لتعلم الفنون الحديثة في الزراعة. بغض النظر عن كون عمر إسرائيل لايزيد عن عمر فلاح مصري ورث فنون الفلاحة عن اجداده القدماء جيل بعد جيل عبر آلاف السنين. رجل نعاه الرئيس الاسرائيلي الحالي وترحم عليه . وسبق ان وصفه رئيس وزراء اسرائيلي سابق بأنه كنز استراتيجي لأسرائيل. قد تبدو هذه الأوصاف بها الكثير من المبالغة. وقد يكون الهدف من ورائها هو تأجيج حاله من الحنق تجاه الرئيس الذي حافظ على حالة من حالات السلام البارد مع إسرائيل بدليل انه لم يقم بزيارة واحدة للدولة العبرية بإستثناء مشاركته في تشييع رئيس الوزراء إسحاق رابين بعد اغتياله علي يد ايجال عامير . مبارك في الملف الاسرائيلي يبدو الشيئ وضده. متلازمه يفهمها هو ويدركها من عملوا بالقرب منه.

هذه المتلازمات لم تقف عند الشأن الخارجي بل كانت جزء من الصعب تفسيره في الحالة السياسية المصرية. فالرجل الذي سمح بتمثيل جماعة الأخوان المسلمين في البرلمان المصري منذ عام ٧٩ وحتى البرلمان الحالي الذي نجح فيه واحد من نواب حزب الحرية والعدالة ممثلا لإحدى دوائر الصعيد. هو نفسه الذي اشرف خلال هذه الفترة على إقامة ست محاكمات عسكرية صدرت فيها أحكام بالحبس طالت معظم رموز الجماعه بلااستثاء.

مبارك الذي خرجت الجماهير في ٢٥ يناير ٢٠١١ تطالب برحيله عقب عمليات التزوير المتوحشه التي طالت الانتخابات البرلمانية عام ٢٠١٠ وشهدت اسقاطا غير مسبوق لمعظم مرشحي المعارضه بإستثناء بعض المرضى عنهم أمنيا. هو نفسه مبارك الذي شهدت وسائل التواصل الأجتماعي نحيبا غير مسبوق وتنافس الناعين في وصفه باعتباره قائدا وطنيا لم يفرط في شبر واحد من أرض مصر وانه حافظ على حالة السلام مع إسرائيل ولم يورط الدولة المصرية في حرب غيرر مبررة. وانه بإستثناء التدخل وبقوة في عملية تحرير الكويت لم يزج بالجيش المصري في اي معركه خارج حدود الوطن.

مبارك الذي حافظ على حد الكفاف لملايين المصريين وظلت اسعار المواد الأساسية طوال عهده ثابتة الي حد كبير وخاصة المحروقات والأطعمة. هو نفسه مبارك الذي شهد عهده توسعا غير مسبوق في تخصيص ملايين الأمتار لرجاله المخلصين أمثال محمد ابوالعينين وفريد خميس في مناطق السخنه والعاشر من رمضان بأسعار رمزيه. وشهد عهده تخلصا مريبا من عشرات شركات القطاع العام بقيادة رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد الذي قاد عملية تجريف غير مفهومه وبيع غير منطقي لشركات الأسمنت الوطنيه ومنحها بأثمان مريبة للأجانب. غير بيع عمر أفندي والمراجل البخارية وغيرها دون أن نفهم بشكل واضح لماذا كل هذا الاهدار لمقدرات الوطن.

مبارك بعد ٣٠ سنه من الحكم عندما احتاج لإجراء عملية جراحية لم يجد مشفى مصري واحد يثق فيه في اعتراف مزري بأنه فشل في أن يجعل في مصر مكان واحد على الأقل قادر على أن يجري به عملية جراحية آمنه.

تبدو مبالغة البعض في تشييع مبارك شكل من أشكال المكايدة للنظام الحالي. فعمليات الترحم المبالغ فيها حتى ممن يلعبون دور العقلاء ممن يحسبون على جبهة المعارضين القدماء تبدو وان المقصود من ورائها توجيه رسائل عدم رضي. فالساحة تبدو خالية تقريبا من معظم رموز ماكان يسمى بجبهة الإنقاذ. والذين كانوا نجوما زاعقه لايخلو برنامج تلفزيوني مسائي من وجود أحدهم معلنا وبحده معارضته الزاعقة لجماعة الأخوان غير الوطنية ويرى انهم حتى ولو كانوا ملائكة على حد تعبير كمال ابوعيطه فأنهم غير مرغوب فيهم. بالمناسبه المرة الوحيدة التي نجح فيها ابوعيطه دخول البرلمان كان على قائمة حزب الحرية والعدالة في برلمان ٢٠١٢.حد فاكر فين ابوعيطه الآن.

أرامل جبهة الأنقاذ وبقايا ثوار الميدان ومعظم من سحلهم نظام مبارك. واستمروا في الظل وخرجوا من ضفيرة المجموعة المشاركة في الحكم بعد ٣ يوليو ٢٠١٣ كانوا ممن امعنوا في النحيب على رحيل مبارك. فالرجل الذين كانوا يعارضونه وكان يسمح لهم بهامش ديمقراطي محسوب وكان يقول للمقربين منه واصفا هؤلاء بخليهم يتسلوا. هؤلاء الآن باتت اكثر امانيهم هو أن يظل متاحا لهم فقط حرية التنفس.

   

مقالات ذات صلة