المنطقة الحرة

الكاتب الصحفى والأديب “محمود الجمل” يكتب لـ “المحروسة نيوز” قصة قصيرة بعنوان” عيون أسماء”

في يوم 26 يناير، 2020 | بتوقيت 7:00 صباحًا

عندما شاهدتها للمرة الأولى كانت تجلس بمكتب صديقي. مشغوله بهاتفها الجوال. تحمل حقيبه صغيره وعلبة سجائر . رمقتها بتركيز دون أن ألفت نظرها. اخذتني عينيها العميقتين الي مساحات غير مأهوله من الصحاري الممتدة في قلبي. لم أكن اعرف عم اذا كانت مرتبطه ام لاتزال خالية الفؤاد. لم اعطيها اكثر من خمسة وثلاثين عاما على الأكثر. تملك وجها بلاتجاعيد وشفتين قويتين تستخدمها بتركيز في الإمساك بمقدمة لفافات التبغ. بدت مثيره وهي تدخن باستمتاع شديد دون أن يشغلها المحيطين بها. يبدو أنها اعتادت على ذلك منذ زمن طويل. لكن لأن من نقاط ضعفي هو عشق رؤية المدخنات خاصة لو كن جميلات. شغلتني اسماء. بت اتفرس في ملامح الوجه غير المتغضن المفعم بالبكاره. فقط روج خفيف على شفتين قويتين. وشعر اسود منسدل على الكتفين. وحاجبين كثيفين بفعل التاتو. ثم قوام رشيق من الصعب أن تكون صاحبته قد قاست ويلات الحمل والولاده.

سألتها عن عمرها. فأخبرتني انها أتمت عامها الثامن بعد الثلاثين. سألتها عما اذا كانت مرتبطه. فاجابت بالنفي. قالت من يقبل زوجه لاتجيد الأفعال المنزليه. قلت لها لكنك لست ضد فكرة الأقتران برجل بشكل عام. قالت نعم. لكن أين هو هذا الرجل.

عندما أدركت انني بت مفتونا بعينيها. مأخوذا بصوتها العميق . قررت الأكتفاء بهذا العشق من بعيد. بعد أن اعترفت لي انها على مشارف عامها الثامن بعد الأربعين . قررت التوقف عن كل محاولات الملاحقة. أدركت انها قررت الاستمتاع بعذريتها. مع الأفراط في التدخين. رائحة التبغ وطعم الدخان أشهى من اي رائحه أخرى. هي قررت منذ زمن بعيد ان تحيط شفتيها بسياج من الأشواك. عبر سنين طويله لم تلثم هذه الشفاه سوي أبناء الأشقاء ويد الأم احيانا عندما تفيض مشاعرها او حين تدرك ليلا ان كل الأشباح الكونية قد غادرت حي المنيل وباتت كل الشوارع خاليه من البشر. فقط قطعان الكلاب الجائعة والقطط البردانة. فقط اسماء تمضي توزع ارجل الدجاج المسلوقة على الجوعي. تلمع عينيها وتتألق الشفتين الورديتين. يبدو الحاجبين الكثيفين اكثر سوادا. وجنات بلا تجاعيد. عنقا يحمل رأسا خاليا مؤقتا من بعض الهموم . وجسدا يحوي قلبا تزيد دقاته احيانا احتجاجا. 

تنطلق بسيارتها بعيدا نحو احد الطرق الخاليه. تشعل سيجاره جديده. تأخذ نفسا عميقا. لم انتبه اذا كانت قد احتفظت بصدرها بقوافل الدخان ام انها قامت بإطلاق سحائبه دون أن ان الحظ هذا. غابت عن ناظري ولم يبق لي سوي نظرة عينيها وصوتها العميق وهي تؤكد لي انها اختارتني اخا وصديقا. ثم اختتمت حديثها بعبارتها المعتاده.. تسلم يارب.

   

مقالات ذات صلة