المنطقة الحرةسلايدرشئون مصرية ومحليات

الدكتور عوض عباس رجب يغوص فى بحر ذكرياته ويكتب لـ ” المحروسة نيوز “عن:الأمن القومى  .. والحج فى أخر لحظة !!

في يوم 2 أغسطس، 2019 | بتوقيت 2:00 مساءً

أتصل بي صديقي الذي يعمل بالمملكة العربية السعودية ليطمئن علي و علي أحوالي بعد تولي منصب مدير مركز التعليم المفتوح و دعي لي بالنجاح و الصحة والستر و في نهاية المحادثة طلبت منه العمل علي إرسال تأشيرتين لي و لزوجتي لأداء العمرة (شهر رجب)  ولكن لظروف العمل اتصلت به مرة أخري و طلبت منه تأجيل  رحلة العمرة لما بعد موسم الحج .

مضت الأيام وضغوط العمل في التعليم المفتوح تزداد ضراوة مع تربص المتربصين بالجامعة لكل النجاحات و القفزة الهائلة التي حدثت مع انتشار التعليم المفتوح في كل الجامعات و المحافظات المصرية ونسيت تماما أمر رحلة العمرة…لقد مررت بحرب ضارية من أناس من المفترض فيهم أنهم أصدقاء و زملاء فشكوت ضعفي  لله و قلت حسبي الله و نعم الوكيل  .

في اليوم الخامس من شهر ذي الحجة عام 1431 هجرية(10نوفمبر 2010) تلقيت رسالة علي تليفوني المحمول من صديقي المقيم بالسعودية  بالمباركة بحصولي علي تأشيرتين للحج لي أنا و زوجتي وسوف يتصل بي في صباح الغد مندوب من مكتب صديقي ليأخذ جوازات السفر للحصول علي التأشيرة من السفارة  ثم حجز تذاكر الطيران.

سبحان الله لقد جاء أمر الله لي بالحج في هذا التوقيت الصعب ليخفف عني ضعفي و هواني و لينصرني الله  نصرا عزيزا و يمدني بمدد من عنده ليقويني علي أعدائي و ليكشفهم لي واحدا تلو الأخر .لقد كنت أحتاج بشدة للوقوف بين يدي الله ليخفف من روعي و يزيد من أيماني و يقوي عزمي. .لم أكن أفكر مطلقا في أداء فريضة الحج في ذلك الوقت و لكن النداء جاء لي من الله و الأمر صدر إلي من الله بالحج فلبيت النداء.

ذهبت أنا و زوجتي في اليوم التالي للتطعيم و الحصول علي الشهادة الصحية و انتظرت مندوب صديقي ليحضر لي تذاكر السفر علي خطوط مصر للطيران ولكنه فوجي بغلق الشركة لأبوابها لأنتهاءها من حجز التذاكر المخصصة لها فلم يبقي إمامنا سوي الخطوط السعودية .

اليوم الخميس وغدا فجر الجمعة يغلق مطار القاهرة أبوابة للسفر للمملكة العربية السعودية

في الصباح ذهبت لمكتبي  بالتعليم المفتوح لانتظار مندوب زميلي بتذاكر السفر ….طرق بابي مندوب من المجلس الأعلى للجامعات و مجلس الجامعات الخاصة يحمل لي العديد من الشيكات بقيمة تصل إلي 12000 جنية مصري قيمة راتبي كمستشار لوزير التعليم العالي لشئون الجامعات الخاصة لشهور عديدة لم اصرفها و كذلك مكافآت عديدة  لعضويتي في عديد من لجان المجلس الأعلى للجامعات وعضوية لجان قطاع السياحة والفنادق..،.سبحان الله ما هذا التوقيت الذي تجمعت فيه كل هذه المبالغ المتجمعة من جهات عديدة  ولم أكن  أتوقع الحصول عليها مجمعه ….من المؤكد أن الله له حكمة لا أعرفها حتى الآن.

في تمام الساعة الثالثة أبلغني مندوب زميلي بعدم قدرته علي حجز تذاكر لي و لزوجتي علي الخطوط السعودية ولم يتبق ألا ساعات قليلة ويغلق المطار أبوابة….اتصلت بي زوجتي وهي تبكي  …هل ترتدي ملابس الإحرام أم لا؟  لماذا تأخرت في العودة للمنزل حتى الآن؟ لم استطع أن أجاوبها علي أسئلتها لعدم معرفتي بالإجابة…في الساعة الرابعة اتصلت بأحد أصدقائي من رجال الأمن القومي المحترمين و طلبت مساعدته لإيجاد تذاكر للسفر،طلب مني التمهل ليعرف الموقف من زملائه بمطار القاهرة ورد علي بعدها بدقائق وطلب مني سرعة التوجه لمطار القاهرة فورا أنا  وزوجتي وسوف يبذل المستحيل لحجز التذاكر..اتصلت بزوجتي و طلبت منها لبس ملابس الإحرام و الاتصال بابنتنا سارة عوض و أسرة زوجتي و أخوتي ليقابلوننا في طريق المطار لعدم وجود وقت لوداعهم ،عدت للمنزل و أثناء لبسي لملابس الإحرام أعطيت لابنتي ياراالمبلغ الذي حصلت علية من مندوب المجلس الأعلى للجامعات (12000جنية ) لتحتفظ به معها خلال فترة سفري أنا و والدتها للحج.،ضحكت يارا و قالت لي لا يا أبي يمكنك الاحتفاظ بالمبلغ لأنني سوف أطلب منك مجموعة من الهدايا التي تحتاج هذا المبلغ الكبير فضحكت من دهاء أبنتي يارا و احتفظت بالمبلغ الذي لا أعرف حتى هذه اللحظة سبب ورود هذا المبلغ الكبير في هذا التوقيت.

في الساعة الثامنة من مساء الخميس تقابلنا أنا و زوجتي مع أسرتها و أخوتي في طريق المطار لوداعنا في سفرنا هذا، ووصلت ابنتي سارة عوض هي و زوجها في تمام الساعة التاسعة لمطار القاهرة وتم الوداع بدموع الفرح و الشكر لله.

تقابلنا مع صديقي عضو الأمن القومي بمطار القاهرة و أبدي الرغبة الشديدة لمساعدتنا في أيجاد مكانيين لي و لزوجتي علي أي رحلة من رحلات الطيران السعودي …وصلت الساعة إلي الثانية من صباح الجمعة ولم نحصل بعد علي أي تذاكر….بدأت زوجتي في البكاء و الابتهال إلي الله خوفا من عدم حصولنا علي التذاكر بينما كنت اضحك و أبتسم لثقتي الكبيرة في الرحمن الرحيم الذي وجه لنا النداء بالحج فكيف لا نلبي النداء.

في تمام الساعة الثالثة فجر الجمعة جاءت سيدة طاعنة  في السن هي و زوجها من أهالي محافظه دمياط وجلست بجواري و هي تبكي بحرقة وترتجف من الحزن فسألتها عن سبب بكائها فقالت أن أبنها يعمل بالسعودية ولقد أرسل لها هي و زوجها دعوة للحج و أرسل لها تذكرتين علي خطوط مصر للطيران ولكنها فوجئت بانتهاء صلاحية التذاكر و لا تعرف كيفية تحويل التذاكر من مصر للطيران إلي الخطوط السعودية …اتصلت بصديقي بالمطار لإيجاد طريقة لمساعدة السيدة العجوز هي و زوجها ولكن كانت المفاجأة في ضرورة حجز تذاكر جديدة من الخطوط السعودية  وعدم جدوى تذاكر مصر للطيران منتهية الصلاحية…….أبدي الصديق استعداده  التام لمحاوله حجز تذكرتين للسيدة و زوجها وسألهما عن ثمن التذكرتين …فقالا أن كل ما معهما هو مبلغ  300 ريال سعودي فقط لان أبنهما ينتظرهما في مطار جدة الآن….رد صديق المطار ولكن سعر التذكرتين مبلغ (12000جنية مصري)….عندئذ ضحكت من أعماق قلبي و علمت الحكمة التي جعلت الله يرسل لي المندوب المالي بشيكات المجلس الأعلى للجامعات و طلبت من زوجتي التي تحمل النقود معها أن تقدمها لصديقنا لحجز تذكرتي السفر للسيدة و زوجها. ، تعجبت السيدة و زوجها من سدادي لثمن تذاكر سفرهما و أنا لا اعرفهما من قبل و كيف يمكن لي الحصول علي المبلغ بعد ذلك.، قلت لهما المال مال الله و لو وصل الأمر لعدم وجود تذاكر فأنني أقدم طواعية تذاكر سفري أنا و زوجتي لهما ابتغاء مرضاة الرحمن الرحيم و أنا أعلم في قراره نفسي أن الله لن يخذلني أنا و زوجتي أبدا كما جاء في قول اللّه تعالى( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)))وكذلك ما جاء  في  الحديث النبوي الشريف ((من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).

لقد أراد الله عز وجل أن يقدم لي أغلي هدية و اختارني أنا من دون كل الآلاف الموجودين بالمطار         وخصني بفضل من عنده و جعل السيدة و زوجها يجلسا بجواري و يحكيا لي همهما لأساهم في فك الكرب عنهما و أعطاني المال اللازم لذلك في صباح الخميس …لقد كان هذا الأمر أشارة لرضاء الله عني و قراره بفك  كربي و حزني وزاد يقيني بإتمام فريضة الحج لي  و زوجتي بأمر الله.، أتصل أبن السيدة العجوز من السعودية ليطمئن عليها و علم منها بموقفي من سداد تكلفة السفر فتحدث معي و قدم لي ابلغ معاني الشكر و التقدير و سألني عن كيفية سداد ثمن تذكرتي والديه ….فقلت له ما يأمر به الله يكون ….فقال لي أنه سيتصل بصديق له يسكن بجوار المطار ليحضر لي سعر التذكرتين فقلت له لو جاء موعد السفر فسوف أتوكل علي الله ونتقابل بعد ذلك في السعودية أو مصر و المهم هو أتمام سفرنا معا….بعد نصف ساعة وحين جاء صديقي بالمطار بتذاكر السفر الخاصة بنا و صل صديق أبن السيدة العجوز وسدد لي ثمن تذكرتي الطيران للسيدة و زوجها وسافرت أنا و زوجتي  للسعودية أولا علي أن يلحق بنا السيدة و زوجها في الطائرة التالية لطائرتنا.

استقبلنا صديقي في مطار جدة و اصطحبنا لمنزله حيث و جدنا والدة و والدي زوجته بملابس الإحرام في انتظارنا لرحله الحج ….سألت زوجتي زميلي الفاضل عن أداءه لفريضة الحج معنا أم لا؟ فرد عليها أنه لم يحصل علي تصريح  بالحج و سوف يقوم بتوصيلنا فقط بسيارته لفندق الأقامه بجوار الكعبة الشريفة ويعود…ألحت زوجتي عليه وعلي زوجته الفاضلة بضرورة الحج معنا هذا العام فلبا النداء و لبسا معنا ملابس الإحرام و انطلقنا في طريقنا من جدة للكعبة الشريفة….وقبل دخول مكة المنورة بعدة كيلو مترات  قبضت الشرطة السعودية علي زميلنا و احتجزته في السجن لعدم حصوله علي تصريح بالحج.. طلب صديقي مني تأجير سيارة لاستكمال الطريق للكعبة الشريفة مع عودة والدة و والدي زوجته لجدة انتظارا للإفراج عنة و حتى لا يضيع علي فريضة الحج لأن أسرته سبق لها الحج العديد من المرات.

رفضت ما طلبه مني صديقي و صممت علي العودة مع والد صديقي و والدي زوجته لمدينه جدة لأنهم كبار في السن ولا يمكن الاطمئنان علي عودتهم بمفردهم .عدنا مدينه جدة مرة أخري انتظارا للإفراج عن صديقي و في هذه اللحظات تلقيت اتصال تليفوني من أبن السيدة العجوز يخبرني بوصول والدية بسلامة الله إلي الكعبة الشريفة و بدء الطواف حولها……الحمد لله…لقد وصلا و بدأ في مراسم الحج  فتأكدت من إن الله لن يخذلني أبدا …اتصلت سارة عوض أبنتي بنا تليفونيا من القاهرة وعلمت بما حدث لنا …وكانت المفاجأة السعيدة لنا أن والد زوجها يرأس بعثة للحج السياحي و يقيم في فندق علي باب الكعبة الشريفة مباشرة ….أتصل بنا والد زوج سارة عوض و دعانا للانضمام و من معنا من أصدقاء للفوج السياحي مع شركته ….خرج صديقي من الحجز المؤقت و أستطاع الحصول علي ترخيص بالحج و أنضم ألينا لتكتمل فرحة الجميع بشرف أتمام فريضة الحج ….وليغسل الله لنا قلوبنا و أفئدتنا مما أصابها …وفك كربنا و أصلح من أمرنا و الحمد لله علي كل شيء.

كاتب المقال 

الدكتور عوض عباس رجب محمد

 مقرر لجنه معاهد السياحة و الآثار بقطاع التعليم   بوزارة التعليم العالي

 ‏أستاذ الكيمياء الحيوية كلية الزراعة جامعة القاهرة‏ 

مدير مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح الأسبق

[email protected]

[email protected]

   

مقالات ذات صلة