فقدت صديقًا عزيزًا جدًا، خلال الأيام القليلة الماضية. والحقيقة أن طارق فودة لم يكن بالنسبة لى صديقًا فقط، بل كان أخًا أسعد كثيرًا بصحبته ولقائه. وقد دعوته، وتعرفت عليه عندما جاء لزيارة مدينة فيلادلفيا عام 1985، عندما كنت أدرس للدكتوراه بجامعة بنسلفانيا. وبعد ذلك توطدت صداقتى به بعد عودتى لمصر. وسافرت معه للعديد من الدول، من خلال القوافل السياحية التى كانت تنظمها وزارة السياحة.
كان طارق فودة خفيف الظل، يطلق النكات، ويجعل السفر متعة.
وقد وجدت أنه مثقف على مستوى عالٍ جدًا. وكان يتقن الألمانية والإنجليزية. وكان مراسلًا لجريدة الأخبار فى الدنمارك وألمانيا؛ ولذلك كان يعتمد عليه الكاتب الكبير مصطفى أمين، عندما كان يحضر أى ضيف أجنبى لمصر. وكلفه بمقابلة لاعب الكرة بيليه وألفريد هتشكوك. وقام بخبطات صحفية غير عادية. وكنت أسمع منه القصص والحكايات عن صاحبة الجلالة. ورجوته كثيرًا أن يكتب عن أدب الرحلات؛ لأنه كان يسافر إلى العديد من دول العالم كله. ولديه قصص وحكايات يمكن أن تفيد شباب الصحفيين العاملين فى مجال السياحة. وقد صادق العديد من عمالقة الصحافة، خاصة جلال دويدار ومحمد العزبى. وكنا نتقابل يوميًا. وكنا نذهب إلى مقهى بالمهندسين، ونلعب الطاولة، ونضحك من القلب معًا. وكانت زوجته السيدة يسرية تقيم على الأقل مأدبة عشاء شهرية تدعى لها السفراء والصحفيين. وكنت أقول له ضاحكًا: «إن الفراخ لما تمرض فى المزرعة، تبقى فيه عزومة عندكم!».
وكان يقف معى فى كل أزماتى سواء الصحية أو الشخصية. وأعتبر طارق فودة من جيل الصحفيين العمالقة. ولم يكتب مقالاً واحدًا لمهاجمة أى شخص، بل كانت مقالاته صادقة حتى عندما ينقد، كان نقده بناءً، وكان أسلوبه سهلاً وبسيطًا. وتصل كلماته إلى القلب. وكتب فى الفن والسياسة، وأخيرًا فى السياحة. وكان يعتبر أخبار اليوم وآخر ساعة بيته الأول. وطلب منه الكاتب الكبير صديقى ياسر رزق أن يكتب يوميات فى جريدة الأخبار. وبعد ذلك كرر الطلب الكاتب خالد ميرى واستمر فى كتابة يوميات وحكايات سياسية وثقافية وسياحية.
ومن أسعد لحظات الصداقة بيننا عندما نتبادل دعوات العشاء. وكان يطلق النكات. ويجعل لتناول الطعام طعمًا آخر جميلا. وفجأة حدثت له حادثة بسيطة قلبت صحته رأسًا على عقب. وعندما كنت أزوره فى المستشفى، كنت أجده يصارع المرض وينتصر عليه. ووقفت بجواره زوجته. وأعتقد أنها سوف تفتقد كل اللحظات الجميلة التى عاشتها معه. وعندما زرته آخر مرة، لم يكن يعرف أحدًا. ونظرت إلى وجهه الملائكى الذى لم يهزمه المرض، فعرفت أن هذه لحظة الوداع.
وداعًا أخى وصديقى طارق فودة. وعندما عرفت بخبر الوفاة، ظللت صامتًا ولم أستطع أن أتصل بزوجته وأولاده؛ لخوفى من هذه اللحظة، ولاعتقادى بأن الجميع، غير أولاده، يجب أن يعزونى؛ لأن قلبى ينزف، ودموعى لا تخرج، ولكنى أراه دائمًا أمامى مبتسمًا متفائلا.
وسوف يظل طارق فودة علمًا ساطعًا واسمًا كبيرًا فى عالم الصحافة وفى دنيا الحياة. وأتمنى أن يصبرنا الله على فراقه، وأن يدخله فسيح جناته. أمين يا رب العالمين. وقد قال لى صديقى الكاتب الكبير صلاح منتصر إن طارق فودة كان ظاهرة فى كتاباته وأخلاقه.
إلى اللقاء يا صديقى العزيز.