قال ويلي والش المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي أن فيروس كوفيد-19 ألحق ضرراً كبيراً بقطاع الطيران. فقد خسرت الخطوط الجوية بعام 2020 مبلغ 138 مليار دولار، وستنخفض الخسائر إلى 52 مليار دولار هذا العام، ونتوقع مزيداً من الانخفاض إلى مبلغ 12 مليار دولار في عام 2022؛ وحتى ذلك الوقت، ستكون الخسارة التي وصلت خسائر القطاع بسبب الجائحة إلى 201 مليار دولار.
جاء ذلك خلال مشاركته في اجتماع الجمعية العامة الرابعة والخمسين للاتحاد العربي للنقل الجوي في أول رحلة له إلى الشرق الأوسط منذ أن تولي منصبه في الاتحاد الدولي للنقل الجوي في أبريل من هذا العام.
قال ان كلاً من الاتحاد الدولي للنقل الجوي والاتحاد العربي للنقل الجوي شريكان هامان. فالاتحاد الدولي للنقل الجوي يجمع القطاع سوية من أجل البحث والاتفاق حول طريقة عالمية للخطوط الجوية، ولن يكون دورنا قائماً لولا تعاوننا عبر مكاتبنا الإقليمية مع اتحادات مثل الاتحاد العربي للنقل الجوي من أجل صنع التغيير، إذ يعتبر عملنا بقيادة زميلي كامل العوضي مع الاتحاد العربي راسخاً للنهوض بالقطاع مجدداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفيما يخص الخطوط الجوية القائمة في هذه المنطقة العربية فأكد أنه فإننا الاتحاد الدولي للنقل الجوي يقدر الخسارة الكلية بمبلغ 6.8 مليار دولار لهذا العام، مع تحسن حتى مبلغ 4.6 مليار دولار للعام المقبل. مشيرا إلي أننا اجتزنا العقبة الكبرى ونرى أمامنا طريق التعافي نحو المسار الطبيعي.
أما قطاع الشحن الجوي فقد شهدنا معدلات أكبر من مستوياته ما قبل الأزمة بنسبة 9%، وفي الشرق الأوسط بنسبة 18%. فلطالما كان الشحن الجوي شريان حياة للكثيرين ممن يقومون بإيصال اللقاحات وتجهيزات الوقاية الشخصية والمعدات الطبية وحتى التجارة الإلكترونية، وبذلك حققت الكثير من الخطوط الجوية إيرادات عالية في مجالنا.
وبالنسبة لقطاع نقل الركاب فقد تمت استعادته بسرعة خاصة وأن الحكومات لم تقم بفرض قيود على السفر، حيث تتوقع الأسواق المحلية بلوغ نسبة 75% من مستوياتها ما قبل الأزمة بحلول نهاية هذا العام، لكن بما يخص السفر الدولي فإنه من من المتوقع أن يبلغ نسبة 22%، بينما نتوقع للأسواق المحلية أن تقارب ما كانت عليه بعام 2019 بحلول العام المقبل، إلا أن السفر الدولي سيصل إلى نسبة 44% فقط.
وقال إننا نسير في الاتجاه الصحيح حتى وإن لم يكن ذلك بنفس السرعة التي يجب أن نمضي بها. فالمهمة التي تحت ناظرنا ليست بالسهلة لكن الوضع العام في المجال يستوجب جمع التفاؤل باليقظة، وإن في إعادة فتح السوق الأمريكية أمام 33 دولة –أوروبية في المقام الأول- تقديم لفرصة هامة للانتعاش.
فيروس كوفيد-19 وإعادة ربط العالم
وأكد المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي أن المنطقة بذلت جهداً كبيراً لإعادة تأسيس الربط، حيث قامت أغلب دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط عامة باستعادة الربط مجدداً إلى أسواقها الرئيسية إذ تم رفع الحظر عن الرحلات واستعادت كل من الإمارات والأردن والبحرين وعُمان والسعودية خدماتها لما يزيد عن 70% من شبكاتها كما كانت قبل الجائحة. فقد بلغ الربط في المنطقة خلال شهر سبتمبر نسبة 49% مقارنة بما كانت عليه المعدلات قبل الأزمة، ومن شأن فتح المسار مع تايلاند وأستراليا والولايات المتحدة خلال هذا الشهر أن يساعد أكثر في تعزيز هذا الربط.
وأوضح أننا نواجه مع إعادة فتح المسارات والخدمات المضافة للخطوط الجوية تحدياً لإدارة الإجراءات الكثيرة والمعقدة الخاصة بالجائحة والمفروضة على صحة السفر حسبما تشترطها الحكومات. فالحلول الورقية ستزيد من عبء عملية التحقق والهجرة. خاصة أننا نفتقر للقوى العاملة المتخصصة والمطارات من أجل التعامل مع الازدحام في حال الحاجة للتحقق من وثائق كل شخص بشكل يدوي. لكننا بالطبع نرى أن وثيقة السفر الإلكترونية من “إياتا” منتج عظيم يساعد الخطوط الجوية والمسافرين والحكومات للتعامل مع هذا التحدي بشكل رقمي. فقد أنشأناه واضعين نصب أعيننا الحاجات المحددة للصناعة.
وهنا يسرني القول أن هذه المنطقة رائدة في تنفيذ جواز سفر إياتا، حيث تقوم كل من شركات طيران الإمارات وطيران الاتحاد وطيران الجزيرة والخطوط القطرية بطرح الوثيقة بشكل تدريجي عبر شبكاتها تماماً كما تعمل سبعة خطوط جوية أخرى رائدة في المنطقة مع هذا المنتج. بالإضافة إلى قيام الحكومات في الشرق الأوسط بأداء دورٍ رياديٍ في هذه المنطقة وذلك حسبما تردنا التقارير الأولية التي نحصل عليها من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر بشكل إيجابي جداً.
فدور الحكومات بإعادة الإقلاع جهوري في هذه الفترة، وقد أتى تصريح منظمة الطيران المدني الدولي إيكاو في المؤتمر عالِ المستوى حول فيروس كوفيد-19 متماشياً تماماً مع رؤيتنا لكيفية قيامنا بإعادة الربط العالمي بكفاءة. فباختصار تؤمن إياتا بالنقاط التالية:
- ضرورة توفير اللقاحات للجميع
- ضرورة عدم مواجبة المسافرين الملقحين لأية عقبات من أجل السفر
- ضرورة أن يكون الفحص وسيلة للسفر بالنسبة لأولئك ممن لم يحصلوا على اللقاح
- وعند الحاجة، يجب تقديم اختبارات المستضد مقبولة التكاليف لتسهيل السفر
- ضرورة أن تدفع الحكومات تكلفة الاختبارات إن جعلتها شرطاً
فبينما يعود انفتاح الشرق الأوسط تدريجياً، لا يزال هنالك بعض العمل يتوجب على الحكومات أداءه في المنطقة أيضاً. فنسب التطعيم في المنطقة تواصل بالارتفاع فعلى سبيل المثال نجد أن نسبة الزيادة في قطر بلغت 77% وبلغت في دولة الإمارات العربية المتحدة نسبة 88%. اللقاحات هي الحل الأمثل لهذه الأزمة لذا فهي أمر هام جداً من أجل التقدم.
تحديات المنطقة
إلا أنني أرى أربعة تحديات في المنطقة:أولها أننا بحاجة لتأمين سفرٍ خالٍ حقاً من التعقيدات لمن تلقوا اللقاح. حيث يمكنك السفر إلى مملكة البحرين، وفي حالات محددة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بمجرد إثبات كونك ملقحاً. لكن بالنسبة للأسواق الأخرى فإن اختبار مسحة الأنف (PCR) أمر مشترط، وعبء التكلفة للاختبار يعتمد على المسافر وهذا أمر يخالف اللوائح الدولية للصحة بمنظمة الصحة العالمية. حيث يدفع المسافرون إلى دولة الكويت مبلغ 100 دولار من أجل إجراء اختبار PCR، ومبلغ 60 دولار لمن يريد السفر إلى عُمان.
الثاني هو أننا بحاجة إلى توافق حول اللقاحات المقبولة مع اللقاحات المعتمدة في قائمة الطوارئ لدى منظمة الصحة العالمية.
الأمر اليوم مختلط ذلك. بالتأكيد يمكنها الدول اختيار ما هي اللقاحات التي سيتم توفيرها لشعبها. لكن يتوجب على كافة الحكومات مراعاة والاعتراف بكافة اللقاحات المدرجة على قائمة استخدام الطوارئ لدى منظمة الصحة العالمية للمسافرين ممن ليس لديهم الخيار مما هو متوفر في أغلب الحالات.
الثالث هو أننا بحاجة لوجود بدائل كافية لإتاحة سفر من لم يتمكن من الحصول على اللقاح. حيث يمكن للأشخاص الذين تلقوا اللقاح فقط أن يسافروا إلى المملكة العربية السعودية وعُمان والكويت، وهذا أمر غير صائب. يجب أن تكون هنالك أنظمة اختبار مقبولة قيد التنفيذ لمن لم يتمكنوا من الحصول على اللقاح.
الرابع هو أن يحل اختبار المستضد محل اختبار المسحة الأنفية (PCR) باهظة الثمن وذلك لأغراض السفر. فاختبارات المستضد دقيقة وسهلة ورخيصة الثمن، بل وزمن معالجة اختبار المستضد أسرع بنسبة 100 مرة من اختبارات مسحة الأنف (PCR)، وهي أرخص بكثير وتتمتع بنفس الكفاءة لاختبارات مسحة الأنف (PCR) على مستوى النتائج السلبية الخاطئة.
إن معالجة هذه التحديات الأربع سيكون أمراً أساسياً لإعادة ربط المنطقة ووصلها بباقي أرجاء العالم. فنظراً لكون 97% من مسارات الخطوط الجوية ما قبل الجائحة التي تعتمد على هذه المنطقة كانت دولية، فإن أمر القيام بهذا بشكل صحيح لهو أمر بالغ الأهمية.
إن استعادة السفر بحرية وبكفاءة أمر يصب في مصلحة الجميع وإن الدعم البالغ 8 مليار دولار المقدم من قبل حكومات المنطقة لهذا القطاع أثناء الأزمة قد أظهر القيمة التي توليها الحكومات للعمل الذي يؤديه الطيران، فالحقيقة هي أنه استثمار ناجح! حيث ستقوم صناعتنا بإنعاش التعافي الاقتصادي من جائحة كوفيد-19.
ففي الوقت الذي لم تقف فيه الحكومات إلى جانب صناعتنا أثناء الأزمة إلا أنها تلعب دوراً هاماً في التعافي وذلك بإبقاء التكاليف قيد الرقابة. وقد شهدنا في كثير من الأماكن زيادات في الضرائب أو أجور البنية التحتية أو كليهما حتى. فالمملكة المتحدة التي تعد السوق الأول لناقلي الشرق الأوسط هي المثال الأوضح لما لا يجب القيام به إذ تقوم الحكومة بزيادة رسوم السفر الجوي على خدمات السفر الطويل، ويرغب مطار هيثرو – المطار الرئيسي – بزيادة أجوره بنسبة 90%، في الوقت الذي نجد فيه أن المقترح المقابل بزيادة 50% أمراً غير مقبول أيضاً.
رسالتي هنا أنه لا يمكن للحكومات افتراض أن التعافي بالأمر السهل بل وعليها تحمل مسؤولياتها لتقديم الدعم بمساعدة الخطوط الجوية لتتخطى الأزمة وتبقي التكاليف كما هي. إننا نمر بأكبر أزمة مالية في تاريخنا ولم تنتهِ بعد. التوقيت الآن ليس بالمناسب لإيقاف المساعدة أو لرفع أجور البنية التحتية أو الضرائب.
فهنالك حاجة ماسة لقطاع نقل جوي مثمر مالياً من أجل دعم التعافي الاقتصادي ما بعد الأزمة. لقد رأينا كيف عانى الجميع عندما توقف الطيران
الاستدامة
وفيما يخص المشكلة الكبيرة الأخرى اليوم ألا وهي الاستدامة فإننا جميعنا ندرك أن حرية الطيران ستعتمد على قدرتنا على الطيران بشكل مستدام وأن عمل مؤتمر التغير المناخي 26 يؤكد مدى أهمية هذا.
اتخذت عضوية إياتا أثناء الجمعية العامة السنوية لـ إياتا 77 قراراً تاريخياً من أجل تحقيق النسبة الصفرية لانبعاثات الكربون بحلول عام 2050. وإننا نقدر دعم أعضاء إياتا في هذه القاعة والاتحاد العربي للنقل الجوي لدعمهم هذه المبادرة، وإننا نتطلع للعمل سوية من أجل التعامل مع هذا التحدي الهائل والوجودي.
إننا بحاجة أيضاً للأخذ بالحسبان ما الذي سيعنيه هذا، ففي عام 2009 كنا قد التزمنا بتخفيض الانبعاثات عن مستوياتها في عام 2005 إلى النصف بحلول عام 2050. هذا ما كان ليترك 325 مليون طن من انبعاثات الطيران بعام 2050، وكانت التنبؤات لنمو الصناعة تتوقع حصول ما يقارب 3 جيجا طن من الانبعاثات في حال لم نؤت بحركة. لقد أدينا مسبقاً التزاماً هاماً جداً وعلينا الآن أن نقوم بالمزيد من أجل الوصول إلى صفرية الانبعاثات.
الوصول إلى صفرية الانبعاثات أمر قابل للتحقيق؛ لكنها ستتطلب دمجاً لأمور عدة ما بين وقود الطيران المستدام وتصاميم هياكل جوية مخصصة وطرق دفع حديثة ومكاسب كفؤة وتقنية احتجاز للكربون وموازنة.
وجاء قرار الجمعية العامة السنوية لإقامة التزام لخطوط الطيران حيث أننا سنقود التغيير المطلوب؛ لكن من أجل إنجاحه نحن بحاجة إلى إقامة موازنة بين مساهمينا ومن بينهم الحكومات.
إليكم مثالاً حول أهمية هذا الأمر. نحن لم نمتلك سيارات تعمل على الكهرباء لأن السائقين قاموا بصنعها! فانتقال الطاقة يحصل في النقل البري بسبب قيام الحكومات بوضع إطار عمل سياسة يدعم الإبداع، فكانت ردة فعل السوق أن قام بتطوير حلول كهربائية مقبولة التكاليف وأعجبت المستهلكين. خطة الطريق التكنولوجية للطيران المستدام أكثر تعقيداً مما هي للنقل البري، إلا أن آلية طرح التغيير هي ذاتها. يجب على الحكومات قيادة المبادرات، والأهمية الكبرى فيما يخص القلق المباشر تدور حول وقود الطيران المستدام.
هذا ولم يحظى مجال انبعاث الطاقة من الوقود الأحفوري التقليدي يحظى بأهمية خاصة في الشرق الأوسط، لذلك نرى أن الالتزامات الحديثة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تجاه صفرية الانبعاثات تلقى رعاية خاصة. فبينما تمضيان قدماً في الانتقال نحو الطاقة الخضراء، وكذلك حكومات أخرى في المنطقة، نرى أنه يجب النظر بوقود الطيران المستدام.
فيما يلي بعض الإجراءات التي يمكن للحكومات اتخاذها:
تمويل برامج البحث والتطوير ودراسات الجدوى في المنطقة من أجل التعريف بالمجالات التي يمكن استخدامها من أجل تطوير صناعة وقود الطيران المحلي المستدام.
تنفيذ سياسات من أجل إبطال خطورة الاستثمارات في منشآت إنتاج وقود الطيران المستدام بما في ذلك حتمية التشريعات وذلك من أجل جذب الاستثمار في منشآت إنتاج جديدة.
استقطاب رؤوس الأموال من أجل توسيع توريد وقود الطيران المستدام من خلال برامج ضمان القروض أو الاعتمادات الضريبية التي تعتمد على الأداء.
والأهم من هذا، يجب علينا أيضاً تذكير الحكومات بأن إلزام الخطوط الجوية بوقود الطيران المستدام لا يدفع بالعجلة قدماً. فالتحدي الكامن بوقود الطيران المستدام لا يقع في جهة الطلب، فالخطوط الجوية ترغب بشرائه لكن لا يوجد ما يكفي منه بأسعار مقبولة في السوق. لا يمكنك الإلزام بشراء شيء غير متوفر. نحن بحاجة للعمل مع الحكومات لضمان إتاحة أسواق مقبولة وتوافر قوي لوقود الطيران المستدام.