
تحياتي لحضراتكم جميعاً
بعد أن تم تنصيب التمثال المسخ المرمم للملك رعمسيس الثاني مؤخراً أمام البرج الشرقي للصرح الأول (الخارجي) بمعبد الأقصر (أقصىَ اليمين)
خرج شخص ما برأي يدافع به عن وزارة الآثار المصرية
مفاده أنه لا خطأ إطلاقاً في مكان تنصيب التمثال الأوزيري أمام صرح المعبد !!!

وإستند هذا الشخص في كلامه على وجود نص يعرف بإسم (نص التكريس) والذي نشره الأستاذ الدكتور محمود عبد الرازق في مقالتين بدورية JEA العدد 60 لعام 1974 م (صفحة 147) والتي تحوي النقش المُعتمَد عليه
وترجمة هذا النص موجودة في نفس الدورية JEA العدد 61 لسنة 1975 م في صفحة 128 السطر الخامس
حيث تم الإعتماد في هذا النص على ثلاث مخصصات لكلمة واحدة وهي كلمة (ẖntyw) بمعنى (تماثيل) وذلك لكي يُبرر وجود التمثال الأوزيري أمام الصرح الخارجي للمعبد حيث أن :
– المخصص الأول لهذه الكلمة يمثل تمثالاً ملكياً جالساً بالتاج المزدوج
– المخصص الثاني لها يمثل تمثالاً ملكياً واقفاً يديه بجانب جسده
– المُخصص الثالث لها يُمثل تمثالاً ملكياً في وضع أوزيري بتاج الصعيد (التاج الأبيض)
لكن هذا الكلام مع إحترامي الكامل لشخص قائله فهو غير علمي وغير صحيح على الإطلاق جُملةً وتفصيلاً لعدة أسباب :
أولاً :- لا يجوز تفسير شيء ما بوجه عام
وفي علم المصريات بوجه خاص إعتماداً على (جزء من كل)
لكن الأصح أنه يجب قراءة مجمل النص حتى نفهمه بشكل صحيح فلا يجوز لنا مثلاً كمُسلمين أن نأخذ جزء من الأية 43 من سورة النساء (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ) ونترك الآخر المكمل له والذي يزيل الفهم الخاطيء للأية إذا سمعنا مقطعها الأول فقط ونحكم بذلك خطأً أن الصلاة حرام شرعاً !!!
لكن ينبغي أن نأخذ النص كاملاً لمعرفة السياق والمقصود بدقة ? فنقول (وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ)
لذلك من هذا المُنطلق قمت بالإطلاع على النص الأصلي (نص التكريس) وترجمته ورأيت ضرورة عرضه للجميع حتى نكون على وعي علمي صحيح دون لبس أو تضليل أو خطأ يتنافى تماماً مع المنهج العلمي الصحيح السليم الذي تعلمناه من علمائنا الأچلاَّء وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور /Ahmad Eissa لذلك فالمنطق يقول أننا يجب أن نعرف جيداً السياق الذي أتت فيه هذه الكلمة (ẖntyw) لكي نحدد بدقة
إلى ماذا تشير الكلمة (ẖntyw – تماثيل) وفي أي مكان تحديداً تتواجد هذه التماثيل ?
وأمامنا الآن صورة تمثل النص المقصود (نص التكريس) من معبد الأقصر ونقحرته الصوتية كما هو موضح بالصورة

وترجمته :
كرّس هو أثراً لأجل أبيه آمون رع رب عروش الأرضين ورب السماء (رعمسو المتحد بالأبدية السماوية في بيت آمون) من الحجر الأبيض الجيد الصلب
قاعتها (الداخلية) أمام حرمه محاطة بأعمدة وأبواب
ساريات الأعلام من أرز لبنان مرصعة بنُحاس أسيا وهي تضم/تشمل تماثيل آدمية
يتضح لنا من هذا النص أن الملك رعمسيس الثاني يتحدث عن مُجمل الأعمال التي قام بها بداخل المعبد وليس خارجه فقد شيد آثاراً وكرَّسَها لآمون رع وهذه الآثار قد بنيت من الحجر الجيري الأبيض الصلب وهي عبارة عن قاعة داخلية محاطة بالأعمدة والأبواب وساريات الأعلام المصنوعة من خشب الأرز اللبناني والمرصعة بالنحاس الأسيوي
وأن هذه القاعة تضم بداخلها تماثيل آدمية
وأولهم جالساً على العرش بالتاج المزدوج
وثانيهم واقفاً بالتاج المزدوج يديه بجانب جسده مقدماً ساقه اليسرىَ للأمام
وثالثهم واقفاً بالوضع الأوزيري يرتدي الكفن الأوزيري وفوق رأسه التاج الأبيض (تاج الصعيد)
لذلك إعتماداً على معنى النص السابق فإن الحديث فيه إقتصر علىَ نطاق مكاني واحد فقط وهو الصالة الداخلية للمعبد وما تحتويه من أعمدة وأبواب وتماثيل آدمية
ولم يذكر النص وجود تماثيل أوزيرية أمام الصرح الخارجي على الإطلاق
ثانياً:- أن الصرح (Pylon) يعرف في اللغة المصرية القديمة بإسم (bḫnt) والتي تم إشتقاقها في الأساس من الفعل (bḫn) بمعنى يحرس أو يحمي أو يُحصِّن لأن الصرح هو الحارس والحامي والمُحصِّن للمعبد
والصرح لم يُذكَر في نص التكريس المُستشهد به على الإطلاق لذلك نؤكد بشدة على أن التمثال الأوزيري المشار إليه في النقش والذي يتم إلصاقه خطأً بوجوده خارج المعبد أمام الصرح (غير صحيح إطلاقاً)
ثالثاً :- أن شكل مخصص التمثال الأوزيري الموجود بكلمة (ẖntyw) في النص التكريسي لا يتفق مع شكل التمثال المسخ المُرمم حالياً حيث أن المخصص في النقش يظهر لنا التمثال مُكفن أما التمثال المرمم حالياً فهو يرتدي نقبة كما أن المُخصص يُظهر لنا التمثال بالتاج الأبيض ? أما الحالي فنراه بالتاج المزدوج ?
(إنظر أول تعليق وقارن شكل التمثال الأوزيري بالنقش مع التمثال المسخ الحالي)
رابعاً :- أن المصري القديم قد إستعان بهذه المخصصات الثلاث في كلمة (ẖntyw) كبديل عن الثلاث شُرَط الرأسية – Stroke Determinative وذلك ليدل على الجمع لكلمة (ẖnty) بمعنىَ (تمثال) بالإضافة إلى رغبته في التعبير عن أنواع التماثيل المتعارف عليها داخل المعابد المصرية القديمة في هذه الفترة وهي فترة عصر الرعامسة (تحديداً عهد رعمسيس الثاني)
خامساً :- أن مكان تواجد هذا النقش ليس على الصرح الخارجي بل على الجدار الجنوبي الشرقي للصالة الداخلية الأولى بالمعبد بجانب جامع أبو الحجاج وهذا يؤكد أن التماثيل المصورة كمخصصات لكلمة (ẖntyw) كانت توجد بالجزء الداخلي بالقرب من مكان النقش
(إنظر ثاني تعليق على مكان تواجد النقش تحديداً)
وبما أن المصري القديم ذكر بكل وضوح أن هذه التماثيل كانت بالقاعة الداخلية للمعبد ولم يذكر كلمة الصرح (bḫnt) على الإطلاق
لذلك هذا يؤكد بكل وضوح ما قلته في مقالي المطول السابق عن هذا الموضوع وما قاله العلماء الأچلاَّء أساتذتي تجاه هذا الموضوع حيث لا يجوز تنصيب مثل هذا التمثال بالوضع الأوزيري أمام صرح المعبد لكن مكانه الطبيعي الصحيح يكون بالداخل
لذلك تمثال معبد الأقصر المسخ ننقده من جانبين
من الجانب العلمي فهو ليس في مكانه المناسب المتفق مع طبيعته كتمثال أوزيري يجب وضعه داخل المعبد
ومن الناحية الفنية فإن ترميمه خطأ فادح ينبغي تعديله فوراً
لكم خالص تحياتي وبالتوفيق للجميع وكل عام وأنتم بخير
كاتب المقال :
عمر صلاح السنهوتي
باحث ماچستير بعلم المصريات
https://www.facebook.com/profile.php?id=100002673245590&lst=100001194636371%3A100002673245590%3A1556472036&sk=timeline



