أخبارشئون مصريةمنوعات

“ اللواء الدكتور سمير فرج ”يكتب لــ” المحروسة نيوز ” : في ذكرى إغراق المدمرة إيلات

في يوم 21 أكتوبر، 2021 | بتوقيت 1:07 صباحًا

في مساء يوم 21 أكتوبر 67، بينما رياح أكتوبر الباردة تهب على مدينة بورسعيد، والغيوم تملأ سماءها، وكأنها تشارك أهل المدينة أحزانهم على هزيمة يونيو 67، كانت القاعدة البحرية ببورسعيد تراقب دخول المدمرة الإسرائيلية إيلات إلى المياه الإقليمية لمصر شمال بورسعيد، وتنفيذاً لتعليمات قيادة القوات البحرية بالإسكندرية، بتدمير تلك المدمرة، أصدر قائد قاعدة بورسعيد البحرية أوامره بخروج لنشين يحملان صواريخ سطح-سطح من طراز “ستيكس”، التي تزن رأس كل منها واحد طن.

المدمرة إيلات

وبالفعل أطلق اللنش الأول صاروخاً، فأصاب جانب المدمرة، فأخذت تميل على جانبها، فلحقها بالصاروخ الثاني، وتم إغراقها على مسافة 11 ميل بحري، شمال شرق بورسعيد، بعد الخامسة مساءً، وعلى متنها طاقمها المكون من مائة فرد، بالإضافة إلى دفعة طلبة الكلية البحرية الإسرائيلية، المتواجدين عليها في مهمة تدريبية. وغرقت المدمرة الإسرائيلية إيلات داخل المياه الإقليمية المصرية، وطلبت إسرائيل، من الصليب الأحمر، بعدها، أن تسمح لها مصر بعملية إنقاذ الأفراد، وانتشال الضحايا، فاستجابت مصر للطلب الإنساني، ولم تتدخل قواتنا أثناء العملية، التي تمت على ضوء المشاعل التي كانت تلقيها الطائرات الإسرائيلية.

كان إغراق المدمرة إيلات بواسطة صواريخ بحرية، سطح-سطح، هي العملية الأولى من نوعها، في تاريخ الحروب البحرية، وبداية عهد جديد من تطوير الأسلحة البحرية وأساليب القتال البحري، في العالم كله، ليتحدد، بعدها، يوم 21 أكتوبر، كعيد للقوات البحرية المصرية كل عام.

تلك العملية العسكرية، التي كتب عن تفاصيلها المقدم الإسرائيلي شوشان، قائد المدمرة إيلات، في كتابه “الرحلة الأخيرة للمدمرة إيلات”، في محاولة لتبرئة نفسه من مسئولية غرقها، وإلقاء اللوم على المخابرات الإسرائيلية، “الموساد”، بأنهم لم يبلغوه بامتلاك القوات المصرية، في قاعدة بورسعيد البحرية، لزوارق صواريخ.

يقول المقدم شوشان أن إسرائيل قامت بشراء هذه المدمرة من إنجلترا واسمها Zealous في يونيو عام 1956، وهي المدمرة التي اشتركت في العدوان الثلاثي على مصر عام 56، ويتابع حديثه قائلاً، ” مع اقتراب المدمرة من شاطئ بورسعيد، صعدت إلى السطح لأتطلع إلى المدينة … كانت الشمس تغرب في الأفق خلف مدينة بورسعيد، بينما الأضواء تزين مبانيها، ونسائم شهر أكتوبر الجميلة تهل علينا … وجاء عامل اللاسلكي ليبلغني بأننا على مشارف المياه الإقليمية المصرية، فلم اتحرك قيد أنملة … فما الذي يقدر المصريون عليه، بعد هزيمتهم منذ أيام؟ بل لقد وجهت طلبة الكلية الحربية للصعود لسطح المدمرة ليروا مدينة بورسعيد، ويستنشقوا نسائم انتصار الجيش الإسرائيلي”.

يستطرد شوشان، “فجأة سمعت صراخ ضابط الرادار بأن صاروخاً يقترب من المدمرة، منطلقاً علينا من اتجاه مدينة بورسعيد، فأدركت لحظتها أن الأمر مهيب، بما دفع ضابط الرادار إلى عدم الالتزام بالإجراءات المعمول بها من حيث إبلاغي بواسطة جهاز الإنذار.

رفعت منظاري، ورأيت الصاروخ يقترب من المدمرة، مخلفاً وراءه ذيلاً أسود … ليصيب المدمرة في ثوان قليلة”. ويضيف “لقد أصبت في هذه العملية، وشعرت وكأنها النهاية … وعلمت أن الصاروخ قد أصاب منطقة المراجل في جانب المدمرة، فانقطعت عنها الكهرباء، ومالت المدمرة وبدأت المياه تتسرب إليها من الجانب.

وبينما أفكر في ضرورة مغادرة المدمرة، التي فقدت قدرتها، ولم يتبق لنا ما نستطيع فعله لإنقاذها، إذا بي أتلق خبر إصابتها بالصاروخ الثاني من الجانب الآخر، ليصيب ما تبقى من المدمرة، ورأيت المدخنة تتهاوى ومعها منصة إطلاق صواريخ الطوربيد، وبدأت المدمرة في الغرق.

فحدثت نفسي بأنه إن كنت قد نجوت من الصاروخ الأول، فقد يحالفني الحظ بالنجاة من الصاروخ الثاني، وحين نجح ضباط الاتصال، بعد محاولات عديدة، بإرسال إنذار إلى قائد لواء المظلات الإسرائيلي في شمال سيناء، بغرق المدمرة، كان الصاروخ الثالث قد أصاب المدمرة، وقلبها على جانبها، لتهوى بسرعة إلى قاع البحر.

ومن ناحيتنا، فإننا نؤمن على ما رواه شوشان، عن تلك العملية البحرية، ولا يفوتنا، أبداً، ذكر النقيب أحمد شاكر، والنقيب لطفي جاد الله، قائدا لنشي الصواريخ، اللذان نجحا، في إغراق المدمرة، وإتمام العملية بنجاح.

ولا ننسى معاونيهما الملازم أول السيد عبد المجيد، والملازم أول حسن حسني، والضابط البحري سعد السيد، ومعهم 25 جندياً مصرياً، هم أطقم هذه اللنشات. فبعد فضل الله، كان لتلك العملية الفضل الكبير، في ذلك التوقيت، في رفع الروح المعنوية للشعب المصري عامة، والقوات المسلحة المصرية خاصة، وهو ما أصاب العدو الإسرائيلي بالصدمة، فقام على أثرها، في يوم 24 أكتوبر، بقصف معامل تكرير البترول في السويس، وأحدثت خسائر في المدنيين بالمدينة، بينما تعرضت قواتنا المقاتلة، على طول الجبهة، للقصف بكافة أنواع الأسلحة، إلا أن ذلك لم ينل من عزم وإصرار قواتنا، حتى تحقيق النصر الكامل ضد العدو الإسرائيلي في أكتوبر 1973.

وفي هذه المناسبة لا ننسى نجاحات القوات البحرية في تدمير الغواصة الإسرائيلية دافار، علاوة على عمليات الهجوم الثلاثة على ميناء إيلات الإسرائيلي بواسطة الضفادع البحرية المصرية، وتدمير الحفار الإسرائيلي أمام ساحل العاج في عمليات بطولية، لتثبت البحرية المصرية أنها كانت، ولا تزال، عنوان فخر للقوات المسلحة المصرية وللشعب المصري، بما سطرته من أعمال بطولية في صفحات التاريخ المصري … فمبارك عليها عيدها، ومبارك علينا الفخر والعزة.

Email: [email protected]

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم