ماحذرنا منه قبل سنوات تحقق على أرض الواقع ..جامعات كانت بالأمس القريب تتدلل على الطالب وتفرض شروطا وجبايات ما أنزل الله بها من سلطان تجد نفسها اليوم عاجزة عن جذب شريحة قد لا تزيد عن 20 % من طاقتها الاستيعابية فى كليات كانت ترفع حتى العام الماضى يافطة (كامل العدد) مثل الطب والعلاج الطبيعى والصيدلة .
منذ الأمس لم تتوقف اتصالات المصادر التى تؤكد قلة أعداد المتقدمين للالتحاق بمعظم كليات القطاع الطبى والهندسى الخاصة..البعض يتحدث عن 20أو 30 طالب فقط سجلوا فى المرحلة الأولى من تنسيق طلاب الثانوية العامة فى كليات تزيد طاقتها الاستيعابية عن 300 طالب .
مع كل اتصال تستدعى ذاكرتى مشهدا من مشاهد الأعوام الماضية التى قفزت فيها مصروفات الجامعات الخاصة ثلاثة وأربعة أضعاف قيمتها قبل5 سنوات وهذا التفاوت الكبير فى المصروفات بين جامعة وأخرى وهذا التوسع الغريب غير المدروس فى إنشاء الكليات الطبية والهندسية التقليدية دون النظر إلى واقع واقتصاديات الشريحة المستهدفة والفرص الحقيقية لنمو تلك الشريحة فى المستقبل القريب .
يعتقد البعض أن تناول التطورات المتسارعة على ساحة التعليم العالى الخاص أمرا لايهم سوى تلك الشريحة المعنية به وهى شريحة لا تزيد فى حدها الأقصى عن 65 ألف طالب سنويا من بين مليون 200 ألف طالب تقذف بهم سنويا مدارس التعليم الأساسى من المدارس الثانوية والفنية .
سوق التعليم العالى الخاص فى مصر الذى يناطح الآن فى عدد جامعاته الجامعات الحكومية -نتحدث عن 27 جامعة خاصة قابلة للزيادة إلى 32 قريبا مقابل 27 حكومية-
رغم أننا نتحدث عن شريحة طلابية لا تزيد عن 46 ألف طالب من الثانوية العامة وحوالى 15 ألفا من باقى الشهادات المعادلة للثانوية إلا أن تلك الجامعات غيرت تماما خريطة سوق العمل فى بعض التخصصات المرتبطة بحياة المصريين ..
أتحدث عن قطاع مثل قطاع طب الأسنان حيث يبلغ عدد خريجى كليات طب الأسنان الخاصة سنويا ما يقرب من ضعف عدد خريجى طب أسنان الجامعات الحكومية حيث يلتحق بالأولى سنويا أكثر من 3800 طالب مقابل متوسط 2000 طالب فى الجامعات الحكومية
أتحدث أيضا عن قطاع كليات العلاج الطبيعى الذى أصبح فعليا ضعف عدد المقبولين فى الجامعات الحكومية بل ويزيد حيث يلتحق سنويا بكلياته الخاصة أكثر من 4900 مقابل 2400 فقط بالجامعات الحكومية.
أيضا عدد خريجى الصيدلة بات يقترب فى الخاصة من الحكومية وهناك تزايد أيضا فى المقبولين بالطب مع التوسع فى عدد كلياته الخاصة فى العامين الأخيرين .
كل ذلك يطرح تساؤلا مهما ..هل التوسع أكثر فى منظومة التعليم الخاص أمر صحى ستكون له انعكاسات إيجابية على أسواق العمل فى المهن الأساسية أم سيحدث العكس؟
أمام واقع يشير بوضوح إلى أنه مع كل تلك الزيادة فى منظومة التعليم الخاص لاتنمو شريحة الطلب عليه بالقدر الموازى سنكون أمام فرضيات واحتماليات سلبية.
إما ستضطر بعض الجامعات الخاصة إلى الخروج من المنافسة وتغلق أبوابها وتغير نشاطها بسبب تراجع الإقبال وارتفاع التكلفة أوقد تلجأ إلى جذب مستثمرين أجانب وعرب بمايفتح الباب أمام رؤوس أموال غير معلومة المصدر
أو ستضطر بعض الجامعات إلى خفض بنود الصرف على تكلفة التشغيل وتراجع اهتمامها بالجودة لتخفيض مصروفاتها للاستمرار فى المنافسة بمايؤسس لسوق تعليمى سيىء السمعة يضر بجهود الدولة فى الترويج للسياحة التعليمية بمصر وتحويل التعليم العالى إلى منبع رئيسى من منابع الدخل القومى .
الأخطر أنه فى ظل جميع الاحتمالات سيتأثر الخريج المصرى وستتأثر بالتبعية منظومات واعدة مثل الجامعات الأهلية الجديدة التى اضطرها السياق الحالى إلى الدخول فى منافسة غير شريفة وغير متكافأة مع منظومة الجامعات الخاصة.