سياحة وسفرشئون مصريةمنوعات

الدكتور محمد عبد العزيز عابد يكتب لـ ” المحروسة نيوز “عن : القطاع السياحى المصرى.. والبحث عن الفشل؟

في يوم 18 أغسطس، 2021 | بتوقيت 12:00 مساءً

كنت فى الفترة الماضية، قد إنتويت أن ألتزم الصمت، نظراً لتلاحق الأحداث و النكبات على حركة السياحة العالمية من ناحية، و من ناحية أخرى أننى وجدت أن الأوضاع العامة لمنظومة السياحة فى مصر تنحدر من سيء إلى أسوأ.

و لكننى تراجعت على الفور، عندما وجدت ناقوس خطر يدق، فإن المصاب جلل، و المصاب هنا هو “سمعة مصر” كوجهة سياحية دولية، و هى الأمر الذى لا نستطيع جميعاً الإستهانة به، أو السكوت عنه.

فوجدت نفسى، أندفع مرة أخرى إلى عرض و مناقشة السلبيات التى يجب علينا جميعاً – كعاملين فى هذا القطاع – مراعاتها فى الفترة القادمة.

الحقيقة تقول: “أننا لا نشعر بقيمة الشىء حتى نفقده”.

هذا ما كنت أحذر الجميع منه أثناء توافد الحركة السياحية الروسية بكثرة إلى مختلف المنتجعات المصرية طوال السنوات الماضية و على الأخص خلال عام الذروة و طفرة زيادة الأعداد عام 2010.

و قبل المضى فى قرارات عودة الوفود السياحية الروسية إلى المنتجعات المصرية، أرى أنه يجب علينا الإجابة عن عدة تساؤلات هامة:

  • ماذا يريد السائح الروسي؟
  • ما هى سلبيات عودة تدفق الوفود السياحية الروسية فى الوقت الراهن؟
  • كيف نستطيع الحفاظ على هذا السوق خاصة قى ظل قرب إنتهاء موسم الإجازات المرتبط بالسوق المحلى؟
  • هل يجب علينا إعادة النظر فى تسعير المنتج السياحى المصرى؟
  • ما هى واجبات و مسؤليات القطاع الحكومى للتأكد من جودة الخدمات المقدمة و التى ترتبط إرتباط وثيق بسمعة مصر كوجهة سياحية؟

بالقطع تأثرت جميع المقاصد السياحية المصرية بعد قرار إيقاف حركة الطيران من روسيا في أعقاب حادثة الطائرة متروجيت المشؤومة عام 2015، و الآن بات جميع العاملين فى الوجهات السياحية المصرية يهللون فرحاً بعودة حركة السياحة الروسية و التى تتمثل فى خمس رحلات أسبوعية من مطار موسكو لمطار الغردقة الدولى و مثلها لمطار شرم الشيخ؛ مما يسهل على المعنيين بالأمر، من معرفة حجم الأعمال (Volume of Business) و الذى كان فيما سبق يمثل الجزء الأكبر من حركة السياحة الوافدة و التى قدرت بحوالى 6 مليون سائح روسي و بين الحجم المتوقع حالياً. وعلى الرغم من تفاؤلى من زيادة هذه الحركة تدريجياً فى المستقبل، إلا أننى شديد القلق من نتائجها و عواقبها عندما تزداد. فمعظم المنشأت أعتبرها من وجهة نظرى غير جاهزة نهائياً لهذه العودة، سواء بسبب التقص الشديد فى العمالة المدربة، أو بسبب التداعيات الناتجة عن الإغلاق المتكرر و الإحتياج للصيانة و التجديد.

بغض النظر عن هذه الحقائق، دعونا نستعرض سوياً ما الذى يبحث عنه السائح الروسي؟

فى البداية دعونا نتفق أننى لست مع جنسية ضد الأخرى، مصر كوجهة سياحية لها سمعتها، تستطيع أن تستوعب السائحين من كل دول العالم. و لكننى أردت أن نستعرض سوياً كيف كانت تتم معاملة السائحين الروس فى البحر الأحمرو جنوب سيناء.

“السائح الروسى شخص طيب” هذه ستكون إجابة معظم العاملين بالسياحة الذين يتعاملون عن قرب مع السائح الروسي، فهو بالنسبة لهم سهل إرضاؤه، و هو لا يثير المشاكل، كما أنه لا يحب الشكوى. و يبحث عن قضاء عطلته و الإستمتاع بها بقدر الإمكان. ففى حالة حدوث أى مشكلة، كان كبش الفداء الذى نضحى بهم هو السائح الروسي، و كان من السهل للغاية ملاحظة الفرق فى كيفية التعامل مع الجنسيات الأخرى بطريقة أفضل و أكثر إحتراماٍ من السائح الروسي.

الآن أعتقد أنه يجب أن نأخذ فى إعتباراتنا قيمة هذا السائح، و أن نحسن معاملته، حتى نستطيع إكتسابه مرة أخرى و أن نجعله أداة ترويج متحركة تساهم فى عودة الحركة السياحية إلى سابق عهدها.

ما هى سلبيات عودة تدفق الوفود السياحية الروسية فى الوقت الراهن؟

السبب الرئيسي هو زيادة أعداد الإصابات هناك، مما يمكن أن يترتب على ذلك إنتقال العدوى مرة أخرى إلى الوجهات المصرية و منها إلى جميع المدن، فجميعنا نعلم أن القطاع السياحى يعمل به العديد من الأفراد النازحين إلى المناطق السياحية بحثاً عن الرزق، و هو نفس السيناريو الذى حدث مع بداية إنتشار الجائحة فى ربوع مصر، بعد ترحيل العاملين بالسياحة من البحر الأحمر و جنوب سيناء و أسوان و الأقصر إلى مسقط رأسهم بدون الكشف و التأكد من خلوهم من المرض. بجانب قلة الوعى المنتشرة فى المجتمع من الإجراءات الإحترازية، فعلى سبيل المثال، بعد إنخفاض أعداد المصابين فى الإمارات العربية المتحدة، زادت نسبة الإصابة مرة أخرى بعد تفشى المرض فى الهند و باكستان، على الرغم من صرامة تطبيق الإجراءات الإحترازية فى الإمارات و توفير اللقاحات اللآزمة، إلا أن ذلك أدى إلى تفشى المرض مرة أخرى.

السبب الثانى، من وجهة نظرى، هو عدم جاهزية المنشأت بالعدد المطلوب من العمالة، خاصة بعد عزوف العديد من العاملين عن الرجوع إلى العمل مرة أخرى و ذلك لأسباب معروفة، كنت و ما زلت أطرحها فى العديد من اللقاءات الإعلامية. فنحن بصدد إستقبال أعداد من السائحين ستكون فى إزدياد بإستمرار، فى مقابل إنخفاض أعداد العمالة و خاصة المدربة على العمل.

كيف نستطيع الحفاظ على هذه السوق خاصة قى ظل قرب إنتهاء موسم الإجازات المرتبط بالسوق المحلى؟

قارب موسم الإجازات على الإنتهاء، و على عكس ما يجب أن يكون، فجميع المنتجعات تعمل بكامل طاقتها، رغم أن تعليمات الوزارة قد سمحت بنسبة 70% فقط من الإشغال. و فور إنتهاء الموسم، ستعانى جميع الفنادق، مرة أخرى من إنخفاض نسب الإشغال و الدخل المرتفع الناتج عن السوق المحلى.

و لذا وجب التنويه عن المحافظة على حسن معاملة النزلاء و خاصة بشائر السوق الروسي و تطبيق الإجراءات الإحترازية بحرص و بحرفية عالية للمحافظة على عدم إنتشار المرض مرة أخرى، كذلك أطالب الجميع ببدء الإستعداد لتزايد الحركة السياحية، و ذلك بنشر الوعى على جموع العاملين و كذلك زيادة الجرعات التدريبية للعاملين لضمان المحافظة على مستوى الخدمة و الإستمرارية فى المحافظة على سمعة مصر كمقصد سياحى له قيمته.

أما السادة المستثمرين، فأرجو ألا يغيب على سيادتهم، أننا فى مصر، معروفين بكرم الضيافة، وبحسن وحفاوة الإستقبال، و تلك الأسباب التى وضعت مصر على الخريطة السياحية، بالطبع بجانب ما تتمتع به مصر من ثروات و آثار و مناظر طبيعية خلابة و بجو يميزها عن غيرها من الوجهات السياحية.

أقول هذا لأننى رأيت مهازل تحدث أثناء الفترة الأخيرة، و هذه المهازل من وجهة نظرى، حدثت نتيجة تولى فئة جديدة لزمام الأمور ببعض المنشأت، و هذه الفئة الجديدة، شغلها الشاغل، ليس على ما نعتقد، و هو حسن معاملة النزلاء، و تدريب و تحضير جيل جديد للعمل بهذا القطاع العريق، إنما ما يشغلها، هو كيف يتدبرون أمور المنشأت التى يتولون إدارتها بما يضمن لملاكها التوفير و الإقتصاد. بالحد الذى سمح لهم، فى بعض الأحيان، إغلاق مكيفات المطاعم و المناطق العامة، و من وجهة نظرهم، فهم يقومون بذلك لتوفير الطاقة و بالأحرى التوفير للملاك. ضاربين بعرض الحائط أبسط قواعد الضيافة (Hospitality) التى تعلمناها طوال فترات عملنا، فنجد النزلاء يتناولون وجباتهم و هم يتصببون عرقاً، و لم يصل جحدهم لذلك فحسب، و إنما وصل لدرجة أنهم كانوا يقطعون التوصيلات الخاصة بالمكييفات عن سكن العاملين، و أذكر على الأخص هنا العاملين بالوردية الليلية (من 11 مساء إلى 7 صباحاً)، أى أثناء أكثر أوقات اليوم حرارة و أثناء الوقت الذى من المفترض أنهم سوف يكونوا مستغرقين فى النوم.

فكيف نطلب من العمالة أن تؤدى دورها؟

كيف نستطيع محاسبتهم على قواعد المظهر الشخصى و الصحة العامة؟

هل مرتباتهم مرتفعة بالدرجة التى تجعلهم يتغاضون عن كل هذه الظروف الصعبة، و يقومون بالأعمال الموكلة إليهم؟

هل يتلقى العاملين الحد الأدنى من الجرعات التدريبية التى تسمح لهم بمعرفة القواعد الأساسية لأداء عملهم؟

هل الأعداد الحالية من العاملين تكفى حاجة المنشأت فى الوقت الراهن؟

إننى على ثقة، بأن إجابات هذه التساؤلات معلومة و معروفة للجميع، و جميعها تصب فى نفق مظلم، ينبىء بهجرة جديدة للعمالة الحالية و تحويلها لمسارها (Career Shifting)، بل و بعزوف الشباب عن الإلتحاق بالعمل فى القطاع السياحى فى المستقبل.

من ناحية أخرى، يجب علينا أيضاً مناقشة سوء المواد المستخدمة و تدنى درجات جودتها، من خدمات الأغذية و المشروبات، إلى خدمات الإشراف الداخلى لغيرها. و من وجهة نظرى، فإننى أرى أن هذه النقطة لها أهميتها بالنسبة للسائح الروسى و أن عدم توافرها بالشكل المناسب قد يضر إضراراً شديداً بعودة الحركة من هذا السوق الهام و الذى يمثل لمعظم المنشأت، طوق النجاة، خاصة و نحن على مشارف إنتهاء موسم الإجازات المتمثلة فى السوق المحلى.

السياحة الروسية فى مصر

هل يجب علينا إعادة النظر فى تسعير المنتج السياحى المصرى؟

أرى من وجهة نظرى، أننا لابد أن نعيد النظر مرة أخرى فى تسعير الخدمات المقدمة، حيث أننا نواجه إرتفاع ملحوظ فى مصروفات تكلفة التشغيل، خاصة بعد تطبيق القواعد الأساسية و الإجراءات الإحترازية الخاصة بالأزمة الحالية و المصاحبة للوباء الحالى (Covid 19) و (متحور دلتا) وما يصاحب ذلك من تكلفة المطهرات والأقنعة و القفازات.

كما أننا يجب أن نعيد النظر أيضاً فى تعديل و زيادة المرتبات الخاصة بالعاملين، للتماشى مع متطلبات سوق العمل و على أن يتم ذلك بالمقارنة الحالية بمختلف النشاطات و المرتبات فى قطاع الأعمال.

و أرى أن هذه النقطة، يجب أن تكون على رأس أولوياتنا، هذا إن كنا لا زلنا نريد لهذه الصناعة أن تستمر وترقى، و أن عدم تطبيق ذلك قد يكون سبباً رئيسياً يساهم فى تدمير هذه الصناعة بل و قد يؤدى لهروب رؤوس الأموال من الإستثمار فيها.

كما يجب أن تفرد المنشأت جزء من دخلها، يتم تخصيصه لتدريب و تطوير العمالة بل و عمل بعثات تدريبية لهم بالخارج ليظلوا على مقربة من المستجدات المستحدثة فى الصناعة و لكى يتثنى لهم نقل هذه الخبرات للمنشأت التى يعملون بها.

هذا بالإضافة لأننا يجب أن نستعين بإستشارة الخبرات، و المتمثلة فى الخبراء المصريين الذين يتمتعون بسمعة جيدة فى القطاع، بالشكل الذى يسمح لكل مستثمر أن يكون له مستشار سياحى أو فندقى، يتم الرجوع إليهم و إستشارتهم. كما أرى أن يتم ربط ذلك بمنظومة كبيرة تشرف عليها وزارة السياحة، لضمان تطبيقها، و لضمان عدم إتخاذ قرارات متضاربة قد يكون لها أثراً سلبياً على هذه الصناعة العريقة، و بالتالى التأثير على سمعة مصر كمقصد سياحى.

كل هذه الأسباب تستدعى من وجهة نظرى أن يعاد النظرفى تسعير الخدمات السياحية المقدمة و زيادتها.

ما هى واجبات و مسؤليات القطاع الحكومى للتأكد من جودة الخدمات المقدمة و التى ترتبط إرتباط وثيق بسمعة مصر كوجهة سياحية؟

أولاً:

زيادة معدل الرقابة على المنشأت فى جميع المحافظات و إعداد كوادر من الشباب و تدريبها بالشكل اللائق حتى يتثنى لهم القيام بهذه الوظيفة بالشكل الأمثل.

فعلى سبيل المثال، 90% من المنشأت ضربت بقرارات الوزارة عرض الحائط، و تعدت نسبة الإشغال بها حاجز ال 95% على الرغم من عدم توافر كوادر كافية من العمالة لديهم، و وصلت بعض المنشأت لنسبة ال100%

ثانياً:

سن مجموعة من القوانين الحديثة الرادعة التى من شأنها أن تحد من التجاوزات الصارخة التى تم رصدها والتى من شأنها الإضرار بحركة التدفق السياحى لمصر.

ثالثاً:

على وزارة السياحة أن تتأكد من قدرة مديرى المنشأت و معرفتهم بأساليب الإدارة الحديثة، و تأهيل من تجده منهم يحتاج إلى الإلتحاق بدورات تدريبية تؤهله للقيام بعمله على أكمل وجه

رابعاً:

حث المنشات على تطبيق سياسة تسعيرية تسمح لهم بتقديم الخدمة بالمستوى الذى يتماشى مع سمعة مصر كمقصد سياحى عالمى، بل و المطالبة بسن القوانين التى تسمح لهم بمراقبة المنشأت و التأكد من عدم التلاعب فى الحد الأدنى للتسعير، و ربط الضريبة المطبقة على التسعير الذى تراه الوزارة مناسباً لكل درجة وفئة من المنشأت. و فى هذه الحالة، سيتعذر على المنشأت أن تدفع ضرائب على تسعير مختلف و متدنى عن التسعير الذى تقره الوزارة.

و للحديث بقية …..

كاتب المقال

الدكتور محمد عبد العزيز عابد

  • عضو هيئة التدريس بكلية السياحة و الفنادق – جامعة 6 أكتوبر
  • خبير الإدارة و التطوير السياحى و الفندقى
  • عضو هيئة التدريس بكلية السياحة و الفنادق – جامعة 6 أكتوبر
  • خبير الإدارة و التطوير السياحى و الفندقى
  • عضو هيئة التدريس بكلية السياحة و الفنادق – جامعة 6 أكتوبر
  • المحاضر الدولى المعتمد من (American Hotel & Lodging Educational Institute)(Scotland – Edinburgh College)– منظمة العمل الدولية (International Labor Organization) – منظمة ال(TVET) (Technical Vocational Educational Training) و المعنية بالتعليم الفنى و التدريب المهنى.
  • شارك فى اعداد و تأليف مواد التدريب الخاصه بمشروع تنمية مهارات العاملين بالقطاع السياحى. وكذلك دورات تأهيل مديري الإدارات.
  • قام بمئات الدورات التدريبيه للقطاع السياحى و الفندقى بالبحر الأحمر و بمصر منذ عام 2007 و حتى الآن كخبير بإتحاد الغرف السياحية، ثم كإستشارى تدريب و تطوير مهارات مستقل.
  • كان من قيادات أعضاء الوفد المصرى الممثل لإتحاد الغرف السياحيه، إلى جامعة (إدنبرج) “بأسكتلندا” ، لتدشين دورات تدريبية مشتركة (العنايه بالعملاء و الفنادق الخضراء)
  • قام بعمل عدة دورات باللغة الإنجليزية لطاقم المديرين و الموظفين (من عدة جنسيات مختلفة) بمجموعة فنادق “Retaj” بدولة قطر.
  • وقع عليه إختيار مجلس الإدارة و العضو المنتدب لمجموعة فنادق “Retaj“، لعقد دورات تدريبية باللغة الفرنسية لفريق المديرين و الموظفين بفنادق جزر القمر بالعاصمة مورونى
  • شارك فى إعداد ورش العمل مع مجموعات دولية و قدم الدورات التدريبية التابعة لهيئة ال”I.Z” التابعة للحكومة الالمانية بالمشاركة مع شركة “TUI” العالمية لتنمية المهارات القيادية للعديد من نواب مديرين الفنادق بالبحر الأحمر لتأهيلهم لمنصب مدير عام منشأة.
  • عمل كخبيرا لمنظمة TVET و ساهم بمؤلفاته فى اصلاح مناهج التعليم الفندقى بمصر كما عمل كمستشارا لمنظمة العمل الدوليه لقطاع الفنادق لمجال الصحة و السلامه المهنية.
  • ضيف دائم عل القنوات التليفزيونيه للحديث عن القطاع السياحى و المشاكل التى تواجهه و الحلول المقترحة لتلك المشكلات.