أخبارشئون مصريةمنوعات

“اللواء الدكتور سمير فرج “يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” عن : اتجاهات الإدارة المصرية لحل أزمة سد النهضة

في يوم 8 يوليو، 2021 | بتوقيت 6:52 مساءً

في عام 1962 حدثت أول أزمة في التاريخ المعاصر عندما قامت ثورة في كوبا ضد باتيستا الحاكم وجاء فيدل كاسترو ذو الميول الشيوعية الذي وقع علي الفور اتفاقية صداقة مع الاتحاد السوفيتي في هذا التوقيت.

ولم تمضي أيام حتي وجدت أمريكا نفسها أمام الجار المباشر والملاصق لحدودها كوبا وقد استقبلت الصواريخ النووية السوفيتية علي أرضها وبالطبع جن جنون الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها جون كيندي في ذلك الوقت وكاد أن يستخدم قوات الردع النووي ويزيل كوبا من الوجود .

واستمرت هذه الأزمة أربعة عشر يوما عرفت عالمياً بأنها “أزمة الصواريخ الكوبية” أو “أزمة خليج الخنازير” وانتهت هذه الأزمة بسحب الاتحاد السوفيتي للصواريخ النووية من كوبا.

وبعدها ظهر في الفكر العلمي العسكري ما يعرف بعلم إدارة الأزمات والذي أصبح يدرس في كل معاهد الاستراتيجية والأمن القومي في العالم ومنها كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في مصر وكما يدرس قصة أزمة الصواريخ الكوبية في كل المعاهد العلمية فاعتقد أنه في القريب العاجل سوف تدرس أسلوب إدارة مصر لأزمة سد النهضة في هذه المعاهد العسكرية.

والواقع أن مصر أدارت هذه الأزمة حتي الآن ببراعة مطبقة المفهوم العلمي لإدارة الأزمات حيث تحركت مصر في إدارتها للأزمة في عدة اتجاهات كان الأول منها الاتجاه الداخلي أو الشعبي .

حيث تم شرح أبعاد هذه الأزمة للشعب المصري من أجل بث روح الطمأنينة بين جموع الشعب الذي خاف في يوم من الأيام أن تختفي مياه النيل وكان تعليق السيد الرئيس أن مصر “لن تعطش أبداً” .

وأكدت وسائل الإعلام المصرية خطوات تحرك الرئيس بهدف أن يطمئن شعب مصر علي أهم مصدر للحياة وهو الأمن المائي ولقد ساعد الإعلام المصري السيد الرئيس في شرح جوانب هذه الأزمة حتي تفهم المواطن الأبعاد كاملة.

وجاء الاتجاه الثاني في التحرك المصري لحل أزمة سد النهضة في اتجاه التحالف العربي حيث قامت مصر من خلال الجامعة العربية بعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي أيد تأييدا كاملاً لحق مصر والسودان في مياه نهر النيل وكان ذلك خطوة رائعة من إدارة الأزمة لضمان تضامن كل دول العالم العربي مع مصر في حقها في مياه نهر النيل.

لذلك فإن محاولة إثيوبيا الوقيعة بين قرار الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي يدل علي تأثير هذا القرار علي الجانب الإثيوبي وخاصة من جانب بعض الدول العربية التي كانت تدعم إثيوبيا في الماضي.

وجاء الاتجاه الثالث للتحرك المصري في أزمة سد النهضة نحو الاحتواء السياسي الإقليمي للمشكلة حيث بدأت مصر خطوات جادة للتحرك نحو دول حوض نهر النيل والقرن الأفريقي بدأت بزيارة هامة للغاية للسيد الرئيس السيسي الي جيبوتي في أول زيارة لرئيس مصري وسبقها هدية إنسانية لشعب جيبوتي.

وتأتي أهمية هذا التحرك المصري بسبب الأهمية الجيوبوليتيكة لجيبوتي وتحكمها في بحر العرب ومدخل البحر الأحمر وباب المندب وبسبب موقعها الفريد فإن هناك أربع دول قامت بإنشاء قواعدها العسكرية هناك أمريكا وفرنسا والصين واليابان.

كذلك فإن جيبوتي هي المنفذ الوحيد لإثيوبيا علي البحار لتصدير واستيراد احتياجاتها من الخارج لذلك كانت زيارة بالغة الأهمية واعتقد أنها من أهم زيارات السيد الرئيس في هذه الفترة وبعدها تأتي العلاقات مع الدول الأخرى المجاورة لإثويبيا وهي ارتريا حيث أن مصر أصبحت لها علاقات متميزة معها بعد أن استولي الحوثيين علي اليمن بعدها أصبح هناك تعاون اقتصادي واستثماري وطبي وتعليمي مع هذه الدولة وكانت زيارات الرئيس أفورتي للقاهرة ابلغ مثال علي هذا التعاون.

ثم جاءت تنزانيا الدولة المجاورة لإثيوبيا حيث أن مصر حالياً تبني واحد من أهم السدود في أفريقيا بأيادي مصرية بمعرفة شركة المقاولون العرب وشركة السويدي.

 كما أن الرئيس السيسي اتصل بالسيدة سامية حسن رئيسة تنزانيا هذا الشهر ليؤكد صدق التعاون وشرح الموقف المصري من سد النهضة وحق مصر القانوني والتاريخي في مياه نهر النيل.

ثم جاء التحرك الثالث بزيارة السيد رئيس أركان حرب القوات المسلحة لدول كينيا ورواندا والكونغو حيث عرض موقف مصر بخصوص قضية سد النهضة وحق مصر في المياه وحقق اتفاقيات للتعاون العسكري في مجال المعلومات والأمن هناك ثم قام بزيارة السودان وحضر مناورات حماة النيل ونسور النيل 1,2 وتم توقيع اتفاقيات تعاون عسكري بين مصر والسودان.

أما جنوب السودان فهي الدولة الأولي المحيطة بإثيوبيا فلقد قام وزير الري المصري بزيارة رسمية وشرح موقف مصر من سد النهضة وحق مصر في مياه نهر النيل كذلك قدم أوراق مقترحات مصر لبناء سدود  في جنوب السودان وهكذا حققت مصر خلال الشهر الماضي سياسة الاحتواء السياسي الإقليمي بصورة أكثر من رائعة في اتجاه حوض نهر النيل.

يأتي المحور الرابع الذي تتحرك منه مصر لحل أزمة سد النهضة في تحويل القضية الي مجلس الأمن حيث قام وزير الخارجية المصري بزيارة نيويورك مقر الأمم المتحدة قبل بدء الجلسة بعدة أيام وقام بعمل نشاط مكثف قابل فيه رؤساء وفود الدول في مجلس الأمن وعلي رأسهم رئيس مجلس الأمن الحالي السفير نيكول ديريفير المندوب الدائم الفرنسي لدي الأمم المتحدة.

 كما أجري اتصالات مع وزير الخارجية الروسي والصيني شرح فيها أهداف ومطالب مصر كما التقي بمجموعات ترويكا الاتحاد الافريقي واستقبل المندوبين الدائمين لروسيا والصين وبريطانيا وأمريكا في مجلس الأمن مطالبا مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته تجاه هذه القضية .

وعلي الصعيد نفسه حذرت الولايات المتحدة قبل بدء اجتماع مجلس الأمن من أن ملئ إثيوبيا خزان سد النهضة سيؤدي علي الأرجح الي زيادة التوتر في المنطقة ويجعل الوصول الي حل للأزمة أمراً صعباً وطلبت الولايات المتحدة بجمع الأطراف الي الامتناع عن الإجراءات الأحادية.

 ويأتي المحور الخامس الذي تحركت فيه مصر لحل الأزمة في الاتصالات التي اجراها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رؤساء الدول الكبرى ولعلها كانت في البداية للولايات المتحدة عندما أرسل الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء المصري في عهد الرئيس ترامب حيث قابل نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بعدها استقبل الرئيس الأمريكي ترامب وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان وتمت محادثات للأطراف الثلاثة تحت إشراف وزير الخزانة الأمريكي وبحضور مندوب البنك الدولي واستمرت أربع أشهر وتم التوصل الي مسودة تفاهم ووقعت عليها مصر وانسحبت إثيوبيا ورفضت التوقيع بعدها في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن ارسل السيد الرئيس السيسي مدير المخابرات العامة الوزير عباس كامل الي الولايات المتحدة الشهر الماضي حيث طلبت مصر التدخل من الولايات المتحدة للمشاركة في حل المشكلة.

كذلك تم اجري السيد الرئيس اتصال بقادة الدول الكبرى لشرح أبعاد ورؤية الجانب المصري وحقه في مياه نهر النيل .

وجاء المحور السادس في التحرك المصري عالميا لشرح تأثير قرارات الجانب الإثيوبي في مياه نهر النيل وتأثيره علي الانسان المصري من خلال لجان وهيئات حقوق الانسان في العالم من أجل خلق حالة من التعاطف تجاه ما يعانيه الشعب المصري من أن تتأثر أراضيه من نقص مياه النيل.

ويأتي المحور السابع للتحرك المصري هو استغلال قرارات مجلس الأمن في محاولة اقناع دول العالم بأن مصر جادة في التفاوض لحل هذه المشكلة من خلال المباحثات السياسية مع عدم السماح بمماطلة الجانب الإثيوبي ليمتد النزاع الي ما لا نهاية وهذا ما ترفضه مصر والسودان وسوف يظل التنسيق المصري السوداني لحل هذه الأزمة أحد عناصر نجاح إدارة الأزمة من الجانب المصري.

وأرجو ألا يصل حل الأزمة الي المحور الثامن الذي أعلنت مصر مرارا وكذلك السودان أنها لن تلجأ لمثل هذا التصرف ويبقي الأمل دائما في حكمة كل الأطراف لتحقيق الأمن المائي لمصر والسودان من خلال المباحثات السياسية حيث أن مصر لها الحقوق القانونية طبقا لقانون الأمم المتحدة للأنهار وحق دول المصب والحقوق التاريخية عبر السنين.

وهذا ما سوف تبرزه الأيام القادمة من أحداث.