كنت أظن أن مصر وبلاد الشام ودول الخليج وعلى رأسها السعودية هم من يعرفون “الطعمية”أو “الفلافل” كما يسمونها ولكننى فوجئت خلال زيارتى إلى مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية بدعوة من السيد ميشيل كيتشن أحد خبراء التغذية وكان يعمل بمدينة الطائف السعودية ، أنا والوفد الصحفى المرافق بزيارة مطعمه بالمدينة وكان من ضمن الأطباق التى قدمها لنا الطعمية ، وعندما سألته لماذا تصنع الطعمية وتقدمها فى مطعمك؟
اجابنى : لقد عرفتها فى بلادكم وكنت اواظب على أكلها وتبينت انهاغنية جدا بالفيتامينات والمعادن لذا أقدمها بمطعمى بعد أن علمت احد العاملين كيف يصنعها ويتقن صناعتها .
وفى جنيف السويسرية دعانى صديقى ذاكر صديق إلى وليمة من سندوتشات الطعمية فى مطعم يملكه احد المصريين بالمدينة على بعد أمتار من جسر “مونت بلان “بعدها ذهبت إلى الفندق لأنعم بنوم عميق .
اما فى العاصمة الأمريكية واشنطن فاردت أن ارد دعوة أحد الأصدقاء فدلنى على مطعم لبنانى للفلافل فطلبنا ٤ سندوتشات وكنت اتخيل ان الحساب سيكون بسيطا او معقولا ولكن دفعت ٥٠ دولارا للسندوتشات الأربع .
وبذلك أيقنت أن الطعمية او الفلافل انتشرت حول العالم وأصبحت أكلة عالمية معروفة بل وأصبح العالم يحتفل بها سنويا فى الثامن عشر من شهر يونيو من خلال “اليوم العالمى للطعمية “.
وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أن الطعمية كانت من الوجبات الأساسية للأقباط فى العصور القديمة والبعض أرجع تاريخها إلى عصر الفراعنة.
ويعتبر أهل الاسكندرية هم أول من أطلقوا عليها اسم “فا،لا، فل” ويقول البعض إنها كلمة قبطية تعنى كثرة الفول وعرفت بعد ذلك باسم “فلافل” على مستوى الوجه البحرى .
ومع دخول عصر مواقع التواصل الاجتماعى أطلقوا على الطعمية اسم “جرين برجر ” وهو الاسم الذى نال كثيرا من السخرية فى موجة إطلاق المصطلحات الأجنبية على الأشياء المعروفة .
وتعرف الطعمية فى بلاد الشام والعراق والسعودية وغيرها من دول الخليج باسم الفلافل وتتكون من الحمص والبقدونس والكزبرة والملح والكمون والفلفل والبصل وغيرها من المكونات الأخرى حيث ينقع الحمص فى الماء ليوم او اكثر ثم يفرم مع باقى المكونات ويضاف إليها السمسم وتقلى فى الزيت .
أما فى اليمن فتعرف الطعمية باسم الباجية وتختلف مكوناتها بعض الشيئ حيث تعتمد على اللوبيا بدلا من الفول المدشوش كما هو فى مصر ويضاف عليها الحمص والكزبرة والمكونات الأخرى.
وفى مصر تعد الطعمية أشهر الأكلات الشعبية خاصة فى الإفطار والعشاء وتعرف باسم الفلافل أو كباب الفقراء وأثبت اقباط مصر أن المصريين هم ملوك الفلافل واصلها حيث انهم اول من اخترعوها كطعام بديل للحوم أيام الصيام فى الديانة المسيحية رغم ادعاء السوريين انهم أصحاب هذه الاكلة وأنها شامية الأصل واعتبار الفلسطينيين أنها من فلسطين .
كما ادعت إسرائيل أن الفلافل تعود إليهم مبررين حجتهم بأن اليهود الأوائل فى مصر هم من كانوا يقومون باعدادها ولم يكتفوا بذلك بل اصدروا طابع بريد عليه صورة الفلافل والعلم الاسرائيلى .
ولكن حسم الجدال عن اصل هذه الاكلة عندما اثبتت الدراسات الحديثة أن أصل الطعمية مصرى وذلك خلال مهرجان الفلافل فى لندن وجاءت النتيجة بفوز المصريين حيث شهد الاتحاد الدولى للبقوليات أثناء تدشين احتفالية الفلافل فى لندن وهى جزء من عام البقوليات الدولى عام ٢٠١٦ الذى أقرته الأمم المتحدة أن الطعمية مصرية الأصل .
وفى السنوات الأخيرة انتشرت فى أوربا وأمريكا المطاعم التى تقدم الفلافل والتى يديرها مصريون او أجانب حيث رشحها خبراء الطهى لأن تأخذ مكانها بصورة اكبر مع انتشار ثقافة الطعام النباتى.
وفى مدينة جدة سألت صاحب مطعم الفلافل الذى كان بجوار منزلنا عن سر تسمية الطعمية بهذا الاسم قال لى :
أن الطعمية تعنى طعم المائة صنف او مكون يدخل فى صناعتها بدءا من الفول المدشوش ثم الخضروات المتنوعة كالبقدونس والكرات والكزبرة والسمسم والزيت وهى كلها عناصر غذائية مفيدة لصحة الإنسان وغنية بالبروتين والمعادن والنشويات .
وتساهم الطعمية فى خفض مستويات الكوليسترول السيئ فى الجسم ورفع الجيد وبالتالى حماية القلب وتعزيز صحته كما انها غنية بالالياف الغذائية والحديد ومع ذلك ينصح خبراء التغذية بعدم الإكثار من تناولها نظرا لأن القلى يحمل بعض الأضرار خاصة مع استخدام الزيت المحروق عدة مرات .
وبمناسبة اليوم العالمى للطعمية يحتفل محرك البحث العملاق جوجل بنشر صورة معبرة تظهر أقراص الطعمية وأيضا سندوتشات الفلافل المميزة فى صدارة صفحته الرئيسية .
كما ا حتفل الأدب بالفلافل وحياها صاحب مطعم فى الحسكة السورية قائلا :
ورائحة الفلافل فى فطورى
احب إلى من ريح العطور
رخيص السعر ينفع كل وقت
ويصلح للغنى وللفقير
ويحتفى بها أحد الشعراء أيضا ويقول :
حيى الفلافل أو حيى محبيها
بل حيى من كان فى الزيت يقليها
تأتيك ساخنة الخدين فاتنة
طعم البهار وكمون يزكيها