يسألونك عن البدل! قل: “هو المنقذ، المرتقب، المفرح”؛ إذ ينتظره السواد الأعظم من الصحفيين بفارغ الصبر، ولسان حالهم يقول: “ها هي نهاية الشهر قد اقتربت”؛ ما يعني لهم استلام “بدل التكنولوجيا” الذي خُصِّص كأداة لتطوير أداء الصحفي، لكنَّ الوضع قد انقلب، وأصبح يذهب للإنفاق على توفير ضروريات الحياة لأسرة الصحفي؛ نتيجة تراجع دخله؛ حتى بات في ذيل قائمة الدخول في مصر.
وتعود قصة البدل إلى النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، عندما استحدثته النقابة بالاتفاق مع الحكومة والمجلس الأعلى للصحافة؛ ليُصرف للصحفي خارج الأجر الأساسي؛ بهدف تطوير أدائه تحت مسميات مختلفة (بدل تدريب- بدل تكنولوجيا- بدل مَراجِع)، ثم أصبحت قيمته تزداد كل عامين مع انتخابات نقيب الصحفيين، فلا يأتي نقيب جديد، إلا وهو يعد الصحفيين بزيادته.
وكانت المؤسسات الصحفية القومية تتحمل قيمة هذا البدل حتى عام 1997، عندما بلغت قيمته 140 جنيهًا. ومنذ ذلك التاريخ، ظلت تتحمل صرفه من ميزانياتها، بينما تحملت وزارة المالية قيمة الزيادات التالية على البدل اعتبارًا من عام ١٩٩٩، والتي وصلت إلى 130 جنيهًا منذ يناير 2004؛ حيث يقوم المجلس الأعلى للصحافة بصرفه، ثم استمر في الزيادة حتى بلغ 2100جنيه؛ ليصبح أساسيًا في حياة كل صحفي، على الرغم من أنه استُحدث لتطوير الأداء الصحفي، وليس للإنفاق على أساسيات المعيشة!
هذا ما وصلنا إليه نحن أصحاب أول وأقدس مهنة أوجدها الله سبحانه وتعالى، فقد اشتغل بمهنة الصحافة سيدنا آدم عليه السلام كما ذكر القرآن الكريم في سورة البقرة:” قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ”، وعمل بها الغراب حين قتل قابيل أخاه هابيل، ثم الرسل بعد ذلك وذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الأعلى صحف إبراهيم وموسى، والهدهد عندما أخبر سيدنا سليمان عليه السلام عن بلقيس وقومها.
لقد بلغ بنا الحال أن ننتظر البدل في نهاية الشهر، ونفرح عندما نصرفه قبل نهاية الشهر في بعض المناسبات، لكن سرعان ما تزول الفرحة عندما نتذكر الالتزامات أو الأعباء على كل منا، فإما يذهب لشراء ضروريات الحياة، أو لسداد أقساط أو مديونيات، أو للدروس الخصوصية، ويزداد الأمر مشقةً مع زملائنا بالصحف المستقلة؛ حيث يلتزمون فيها بدفع اشتراكات التأمينات، وغير ذلك من مصروفات طارئة.
لقد أصبح البدل راتبًا أساسيًا لكثير من الصحفيين؛ إذ يمثل واحدًا من عشرة من مرتب موظف بالبترول، أو البنوك، أو القضاء، أو الاتصالات، أو الكهرباء، أو غير ذلك، فالقائمة تطول، لكننا في النهاية آخر المهن والشرائح الوظيفية؛ ما يُظهر أثر التمييز في الأجور بين الشرائح الوظيفية داخل المجتمع، على الرغم من أن الدستور ينص على توفير حياة كريمة لكل مواطن!
لقد أصبحت أجور الصحفيين متدنية بالرغم من المجهود الشاق الذي يبذله الصحفي، في مهنة لها قدسيتها، خاصةً وأنها تُشكِّل الرأي العام، لكنها لا تلقى اهتمامًا أو تقديرًا من الدولة.
لقد عانى الصحفي-ومازال- من آفة التمييز في الأجور بين فئات المجتمع، ولا سيَّما في الفترة الأخيرة، فلم يعد يحصل على أدنى حقوقه، رغم ما يقوم به من خدمة للمجتمع، سواء بالتوعية، أو التثقيف، أو التوجيه، أو الدفاع عن الدولة؛ إذ لا يجد الأجر المناسب؛ ما يمثل
إجحافًا، سواء في حق الصحفي أو حق المهنة؛ لذا يعد عدم النظر في أجور الصحفيين، وإهمال مطالبهم، والضرب بها عرض الحائط، خسارة فادحة للجميع.
ومن هنا، نحذر من عواقب التمييز والتأخير في بحث قضية إصلاح أجور الصحفيين، ومنحهم أجورًا معقولة، تحفظ لهم حياة كريمة، وتصون قدسية المهنة.
ويعود تراجع أجور الصحفيين إلى عدة عوامل، تتمثل في عدم اهتمام الحكومة، والقائمين على المهنة، وإدارات المؤسسات الصحفية القومية، وتقاعس نقابة الصحفيين عن المطالبة بحقوق الصحفيين؛ ما جعل وضع الصحفي مخزيًا أمام أسرته؛ لعجزه عن توفير متطلباتها.
كان الصحفي قبل عام 2011 يعمل في صحف ومكاتب عربية وصحف خاصة وحزبية، إلا أنَّ تراجع سوق العمل الصحفي بعد عام 2011 وتعطُّل بعض الصحف، وإغلاق كثير من المكاتب العربية؛ بسبب التقييد على حرية الصحافة، وعدم تقديم المضمون والمحتوى الصحفي، أدى إلى تراجع توزيع الصحف؛ وبالتالي تراجع الدخل من الإعلانات؛ ما ترتب عليه توقف العمل الإضافي الذي كان يدر دخلًا آخر على الصحفي يعينه على أعباء الحياة.
يسألونك عن البدل، قل” إنه لا يُغني ولا يُسمِن من جوع”؛ لذا علينا جميعًا التحرك لتحسين أجور الصحفيين؛ ليعود البدل إلى ما خُصِّص له؛ وهو التطور التكنولوجي، أو الاطلاع على المراجع، وليس على ضروريات الحياة.
كاتب المقال
محمد خراجة
عضو مجلس نقابة الصحفيين