في حوار تلفزيوني استضافني فيه منذ عامين الأعلامي النابه محمد جويلي في برنامجه _ عالمكشوف _ الذي كان يقدمه انذاك على قناة القاهره. قلت على مسئوليتي ان معظم الأحزاب المصريه 107 حزب _ مجرد جمعيات غير خيريه. فهي لاترقي لكونها أحزاب ذات تأثير ومفتقده للكوادر وليس لها ادبيات او برامج سياسيه _ بغض النظر عن إمكانية تطبيق هذه البرامج _ كما انها ليست جمعيات خيريه. جزء من واجباتها تقديم المعونات والدعم للمحتاجين والفقراء ومن هم دون خط الفقر وعددهم في مصر يصل طبقا للتقديرات الحكوميه الي أربعين بالمائه من عدد السكان. وبالتالي علينا أن نعترف بوجود ازمه طاحنه قاسيه وغير اخلاقيه. وان حالة العوز لدي إعداد كبيره لايمكن حصرها تصل إلى حد التفريط في العرض من أجل توفير بعض مقتضيات العيش الضروري.
لكن تظل مهمة الأحزاب الحقيقيه هي إنتاج برامج وافكار صالحه للتطبيق على الأرض يتم بموجبها رفع مستوى المواطنين وخاصة من هم دون خطوط الفقر القاسيه. أما احتياجات الناس الرئيسيه فهي مهمة الاداره الحاكمه بمؤسساتها المختلفه. الأحزاب السياسيه دون المشار كه في طرح الأفكار والتصورات والسعي الحثيث من أجل أن تتحول هذه الأفكار الي واقع على الأرض. ويظل دور الجمعيات الخيريه هو تقديم كل أشكال الرعايه الصحيه والدعم المادي والعون الغذائي للمستحقين من أصحاب المداخيل الضعيفه .
المثير هو حالة التضييق التي تشكو منها معظم الجمعيات وخاصة الكبيره الممتده فروعها بكافة المحافظات. حيث تراجعت بفعل بعض القرارات الحكوميه معدلات التبرعات التي كانت تحصل وباتت الأمور خاضعه لرقابه مفرطه بلاداع مما أثر بالسلب على ماكان يقدم لالاف الأسر وبات حد الكفاف غير متوفر للأغلبيه الساحقه.
لذا لابد من أن تراجع بعض الأحزاب السياسيه التي يرجى منها اداء أدوار سياسيه هامه خلال المرحله القادمه اجندتها الخاصه وان تفصل مابين هو سياسي وبين ماهو اجتماعي او خدمي. وان يكون لهذه الأحزاب مؤسساتها الأجتماعيه المستقله والتي تؤدي ادوارا خدميه في مجالات الصحه والتعليم والرياضه بشكل خاص. ولعل تجربة جمعية المقاصد اللبنانيه في بيروت خير مثال على مااقول. فالجمعيه التي اسسها الزعيم السني اللبناني الراحل صائب سلام كانت مثالا نموذجيا في تقديم الخدمات في كافة المجالات لجميع اللبنانيين وخاصة السنه وكانت الي جانب تقديم الخدمات الصحيه والتعليمية والرياضيه. كانت تصدر مجله ثقافيه فاخره باسم المقاصد .. كان يرأس تحريرها المثقف اللبناني ابراهيم العريس.
وهكذا باقي الطوائف اللبنانيه.. حزب الله بعيدا عن نشاطه السياسي له مؤسساته الأجتماعيه التي تعمل بشكل مستقل وتقدم الخدمات للجميع.. وينسحب الأمر للاحزاب المارونيه.. السياسه تمارس داخل مقرات الحزب بكل ماتعنيه الكلمه من معاني وتشابكات. العمل الخيري الخدمي يمارس بواسطة متفرغين ومتخصصين دون أي خلط مباشر. صحيح ان الحزب السياسي يستهدف بالدور الخدمي الحصول على اصوات الناخبين وهذا صحيح ومشروع. لكن الخلط بين الدورين بحسن نيه _ على طريقة تعاملنا مع الاداره الاثيوبيه في موضوع سد النهضه _ سوف ينشط حالة التربص بمن يقدم من الأحزاب على تقديم مثل هذه الخدمات بغض النظر عن أن مثل هذه الأفعال التي توصف الان بأنها طيبه. كانت محل انتقاد لجماعه كانت توصف بأنها تحصل على اصوات الجماهير في الانتخابات مقابل زجاجه من الزيت كيس من السكر.
وبالتالي اذا لم تنتبه الأحزاب الكبيره والتي تضم لاشك كما وافرا من القيادات المخلصه ان دورها الأساسي هو المشاركه في الحكم من خلال التمثيل النيابي وانه بفعل الاجتهاد في تقديم حلول سياسيه والقيام باعمال رقابه جاده على كافة التصرفات الحكوميه سوف تتحسن احوال الجماهير المعيشيه وان الجميع سوف يحصلون على احتياجاتهم الضروريه من خلال البطاقات التموينيه _والتي نرجو ان تظل هي المنفذ الرئيسي لتقديم الدعم للناس بعيدا عن فكرة الدعم المالي _ ومن خلال مؤسسات الدوله الرسميه .. و انه في ظل خطط حكوميه جاده للنهوض بالمنشأت الصحيه والتعليمية والرياضيه من أجل تحقيق الكفايه والعدل للجميع. لن تصبح الأحزاب مضطره للتخلي عن دورها الأساس في التفكير والتشريع والرقابه.. وساعتها سوف يصبح لزاما علينا مراجعة مقولة _ ان معظم الأحزاب مجرد جمعيات غير خيريه – وتبقى الكره في ملعب الأحزاب وخاصة الكبيره. هي وحدها القادره على تقدم نفسها للجماهير كأحزاب سياسيه حقيقيه او ان تظل للأبد مجرد جمعيات غير خيريه.