بأقلامهم

الكاتب الصحفى والمؤرخ ” عادل سيف ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” < ذكريات >: “ترعة صنعت مدينة.. أسرار الشريط الغامض بين الجلاء ورمسيس”

في يوم 8 ديسمبر، 2025 | بتوقيت 2:00 مساءً

كيف تشكّل الشريط الخفي بين الجلاء ورمسيس؟ حكاية ترعة اندثرت صنعت واحدة من أغرب مناطق القاهرةلم يولد الشريط العمراني الفاصل بين شارعي الجلاء ورمسيس – بدءًا من كورنيش النيل وحتى ميدان رمسيس – ضمن مخطط مسبق للقاهرة الخديوية، بل جاء وليد مصادفة تاريخية فرضتها التحولات المائية والعمرانية. ويظهر غياب الامتداد العمراني الموازي لشارع رمسيس من الميدان حتى غمرة كأحد الشواهد على هذا التشكل العشوائي، حيث كان هذا المسار هو خط مترو مصر الجديدة القديم قبل إزالته، ويقع حاليًا بين الشارع ومسار مترو الأنفاق.

قناة السويس وترعة إسماعيلية.. الجذور الأولى للحكاية

ترتبط البدايات الحقيقية لهذا الشريط بأعمال حفر قناة السويس، وتحديدًا في عام 1864، عندما أصدر الخديوي إسماعيل قرارًا بحفر ترعة لإيصال مياه النيل العذبة إلى مناطق العمل في القناة.

تم اختيار مدخل هذه الترعة من نهر النيل أسفل المسار الحالي لكوبري 6 أكتوبر، أمام موقع فندق هيلتون رمسيس. وجاء مسارها متوازيًا مع ترعة أقدم كانت قد حفرت في عهد محمد علي باشا، عُرفت باسم “الترعة البولاقية”، والتي كانت مخصصة لري الزراعات في منطقة شبرا، وكان مدخلها يقع تقريبًا في موضع شارع الجلاء الحالي، بين الكوبري والفندق.

 ردم الترع وتحول المياه إلى عمران

استمرت الترعة الإسماعيلية في العمل حتى بدايات القرن العشرين، قبل أن يتم ردمها عقب قرار بتحويل مدخلها شمال حي شبرا. وأدى هذا الردم إلى ظهور شريطٍ من الأرض الفاصل بين شارعي الجلاء ورمسيس بوضعهما الحالي.

كما أسهم ردم الترعة البولاقية في الفترة نفسها في تكوين الشكل النهائي لشارع الجلاء، ليبدأ هذا الفراغ الجغرافي في التحول تدريجيًا إلى مسار عمراني فريد في قلب القاهرة.

الترعة التي انجبت شارعي الجلاء ورمسيس

 تكتلات المباني.. خريطة المصالح الحيوية

تكوّن الشريط الناتج عن ردم ترعة الإسماعيلية من عدة تكتلات معمارية متجاورة، غلبت عليها المباني ذات الطابع الخدمي والعام، يفصل بينها عدد من الشوارع العرضية القصيرة التي تسمح بالحركة بين شارعي الجلاء ورمسيس.

  • الكتلة الأولى (من الكورنيش حتى تفرعتي الجلاء ورمسيس): تقع أسفل كوبري 6 أكتوبر، وتشغلها حاليًا محطة أتوبيسات عبد المنعم رياض. وكان الموقع يضم سابقًا الكاتدرائية الإنجليزية، وإدارة مرور القاهرة، وشرطة مرافق القاهرة.

  • الكتلة الثانية: كانت مخصصة لمصلحة المجاري ومحطة ضغط الهواء لشبكة مجاري القاهرة، ولم يتبق منها سوى جزء من الحائط الأحمر المطل على شارع رمسيس، بينما تُستخدم أرضها حاليًا كموقف للسيارات.
  • الكتلة الثالثة (شارع جمعية الشبان المسلمين): تضم مباني جمعية الشبان المسلمين، ومصلحة الكيمياء، وجمعية الحشرات، وجمعية الاقتصاد السياسي والإحصاء، ويقابلها على جانب شارع الجلاء كنيسة سانت أندرو الإسكتلندية.

 شوارع تفصل.. ومؤسسات تصنع ذاكرة المكان

  • بعد شارع 26 يوليو، تبدأ كتلة تضم مباني جمعية الإسعاف، والكنيسة الإنجيلية، ومعهد الموسيقى الشرقية.

  • تليها كتلة أخرى يفصلها شارع الفنان عبد الحليم حافظ، وتضم مباني السنترال، ووزارة المواصلات، ونقابة المهندسين، ونقابة التجاريين المطلة على شارع رمسيس، بينما تقع في ظهيرها من جهة شارع الجلاء هيئة التأمين الصحي وعيادات ناصر.

  • ثم تأتي كتلة يفصلها شارع عرابي المؤدي إلى نفق شبرا، وتضم طلمبات مياه السطوح التابعة للمجاري، وجمعية الهلال الأحمر، ومحطة بنزين التعاون، في موقع كان يضم سجن الأجانب قديمًا.

ميدان رمسيس.. من ثكنات الاحتلال إلى عمارات السكن

أما الكتلة الأخيرة، التي تنتهي عند ميدان رمسيس ويفصلها عن سابقتها شارع التعاون، فتُعد الوحيدة ذات الطابع السكني بين جميع تكتلات الشريط.

وتُعد عمارة “إيفرست” من أشهر مبانيها المطلة على الميدان، إضافة إلى وجود مبنى مرفق مياه القاهرة. ويكشف التاريخ أن هذه المنطقة كانت في الأصل ثكنات عسكرية تابعة للجيش الإنجليزي.