بأقلامهم

“المؤرخ والكاتب الصحفى عادل سيف ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : الموضة فى القاهرة قبل باريس.. حين كانت العاصمة مركزًا للإلهام الشرقى والأناقة العالمية

في يوم 6 ديسمبر، 2025 | بتوقيت 11:49 مساءً

لم تكن جملة الفنان عادل إمام الشهيرة «إحنا في زمن المسخ» من فيلم عمارة يعقوبيان هي وحدها ما علق في أذهان المشاهدين، فقد غابت عن كثيرين جملة أخرى لا تقل دلالة قالها في السياق نفسه: «الموضة كانت تنزل هنا قبل باريس». هذه العبارة تختصر مرحلة زمنية كاملة في تاريخ القاهرة ومدن مصر الكبرى، حين كانت عاصمة الشرق واحدة من مراكز صناعة الذوق والأناقة، لا مجرد متلقٍ لما ينتجه الغرب.

القاهرة مركزًا للموضة في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين

خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، كانت القاهرة والإسكندرية من أبرز العواصم التي تتفاعل مع أحدث صيحات الموضة العالمية. بل إن الذوق المصري كان يفرض حضوره على بعض دور الأزياء الأوروبية، وهو ما وثقته مجلة “Le Chic Oriental” الفرنسية، أو الأناقة الشرقية، التي كانت تصدر في باريس منذ أوائل عشرينيات القرن الماضي خصيصًا لاستعراض ملامح الموضة المستوحاة من الشرق، وعلى رأسه مصر.

أغلفة مجلات تُجسّد مكانة القاهرة عالميًا

في عدد صادر عام 1926، جمعت المجلة بين معالم القاهرة وباريس على غلاف واحد؛ مع فستان غربي أنيق يقابله زي نسائي شرقي يتضمّن الحجاب كما كانت ترتديه المصريات من الطبقات الوسطى والراقية آنذاك. وفي عدد آخر عام 1927، ظهر العريس المصري بطربوشه إلى جوار العروس في استعراض لموضة الأزياء الرسمية وغطاءات الرأس، بصورة تعكس مدى حضور الزي المصري في الخطاب البصري الأوروبي.

الموضة ليست حكراً على النخب.. بل جزء من تاريخ المدينة

ورغم اعتقاد البعض أن تلك المظاهر كانت حكرًا على الطبقات الراقية والأجانب القاطنين في مصر خلال عصر الملكية (1920 – 1952)، فإن هذه المرحلة تمثل واقعًا تاريخيًا لا يمكن إنكاره. فقد شكّلت الأزياء الراقية ودور الموضة جزءًا من شخصية وسط القاهرة، الذي كان آنذاك ملتقى للفنانين والمثقفين والأرستقراطية المصرية، قبل أن يتغير وجهه تدريجيًا بعد منتصف القرن العشرين.

القاهرة قبل باريس.. رؤية مؤرخ

 القاهرة لم تكن مجرد متلقٍ للموضة الغربية، بل كانت مركزًا مؤثرًا تُلهمه طبيعتها الشرقية، وتفرض عليه خطوطها الخاصة. وهو ما تثبته الأرشيفات الأوروبية قبل المصرية، ويجعل من زمن العشرينيات والثلاثينيات أحد أكثر الفترات ثراءً في سجل الأزياء المصرية الحديثة.

ولقد شهدت الموضة المصرية في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين تحولاً كبيراً تأثراً بالأنماط الغربية، خاصة في المدن الكبرى وبين الطبقات العليا، مع استمرار الأزياء التقليدية في المناطق الريفية والشعبية.

عشرينيات القرن العشرين: “الحمى المصرية” وتأثير الغرب

تميزت عشرينيات القرن العشرين في مصر بتأثيرين رئيسيين: انتشار الموضة الغربية وتأثير “الحمى المصرية” (Egyptomania) العالمية بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922.

أزياء النساء:

الفساتين الغربية: بدأت نساء الطبقات الوسطى والعليا في ارتداء الفساتين الطويلة ذات الخصر المنخفض.

تأثير فن الآرت ديكو: تأثرت الفساتين المسائية بتصميمات الآرت ديكو، مع استخدام الخرز والتطريزات المعقدة والأقمشة اللامعة مثل الحرير.

الزخارف الفرعونية: ظهرت زخارف مستوحاة من مصر القديمة، مثل زهور اللوتس، الصل، النسور، والرموز الهيروغليفية، على الملابس والإكسسوارات والمجوهرات.

الإكسسوارات: كانت القبعات الصغيرة الأنيقة والقفازات شائعة، بالإضافة إلى المجوهرات الكبيرة كالأساور العريضة والقلائد المزينة بأحجار العقيق واللازورد.

المكياج والشعر: شاع استخدام الكحل لتحديد العيون بشكل مستوحى من صور كليوباترا والآلهة المصرية القديمة.

أزياء الرجال:

استمر الرجال في المناطق الحضرية في ارتداء البدلات الغربية والقبعات الرسمية.

في المقابل، حافظ الكثيرون في المناطق الريفية والشعبية على الزي التقليدي، مثل الجلباب والعمامة أو الطربوش.

ثلاثينيات القرن العشرين: أناقة هوليوود والتنويع

استمر التأثير الغربي في الثلاثينيات، ولكن مع التركيز على الأناقة والبساطة التي كانت سائدة في هوليوود.

أزياء النساء:

عادت خطوط الخصر إلى مكانها الطبيعي، وأصبحت الفساتين أكثر انسيابية وطولاً، مع التركيز على الأقمشة الفاخرة والقصات الأنثوية.

كانت الفساتين ذات الأكتاف العريضة والياقات الأنيقة شائعة، مع استمرار الإكسسوارات الأنيقة.

أزياء الرجال:

استمرت البدلات الرسمية والملابس الغربية في الهيمنة على المشهد الحضري، مع ظهور أنماط وقصات مختلفة للبدلات والسترات.

بشكل عام، كانت الموضة في مصر خلال هذين العقدين مزيجاً فريداً من التقاليد المصرية العريقة والأنماط الغربية المعاصرة، مما عكس التبادل الثقافي الذي كانت تشهده البلاد في ذلك الوقت.