يعد المتحف المصري الكبير من أرقى المعالم الثقافية في العالم، وهو صرح حضاري يتجاوز مجرد كونه مَعلمًا سياحيًا، ليكون منارة علمية وثقافية. يمتد تأثيره ليس فقط على الساحة السياحية، بل على الهوية الوطنية والمستقبل الثقافي لمصر. وقد بدأ هذا الصرح الكبير منذ بدايات فكرة إنشاء متحف جامع للآثار المصرية القديمة في عهد محمد علي باشا، وصولًا إلى افتتاح المتحف المصري الكبير الذي يعد اليوم رمزًا للحضارة المصرية العريقة.
البداية: محمد علي باشا وفكرة إنشاء المتحف
في عام 1835، كان محمد علي باشا أول من فكر في إنشاء متحف يجمع آثار مصر، عندما أصدر قرارًا بحماية الآثار المصرية. وقد أدرك محمد علي قيمة التراث وأهمية الحفاظ عليه. كانت القلعة هي المقر الأول للمتحف، ومن ثم انتقل المتحف إلى موقعه الحالي في ميدان التحرير. المتحف المصري بالتحرير، الذي صمم على الطراز الكلاسيكي، كان يتكون من طابقين، حيث ضم الطابق الأول التحف الثقيلة، بينما خصص الطابق الثاني للمومياوات والفنون التطبيقية مثل ورق البردي والمشغولات اليدوية.
المتحف المصري الكبير: حلم بدأ في 1992
بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في عام 1992، وتم وضع حجر الأساس له في عام 2002. وبعد تأخيرات سياسية وتمويلية، بدأ التشغيل التجريبي للمتحف في عام 2004. يقع المتحف على مساحة تتراوح بين 470 ألف متر إلى 500 متر مربع، ويعد اليوم أيقونة للسياحة في مصر، حيث تتجه أنظار العالم إلى هذا الصرح الكبير. ويعد المتحف الآن مرجعًا علميًا وثقافيًا يعكس عظمة الحضارة المصرية.
عرض التحف النادرة: توت عنخ آمون والتماثيل الفرعونية
من أبرز ما يميز المتحف المصري الكبير هو العرض المذهل للمجموعات الأثرية النادرة، خاصة مجموعة توت عنخ آمون التي تعرض لأول مرة بشكل كامل. لا يزال القناع الذهبي للملك توت عنخ آمون يشكل لغزًا غامضًا، حيث يعجز العلماء عن فك سر طريقة صناعته. كما يرحب الزوار في بهو المتحف الكبير بتمثال رمسيس الثاني، الذي يعكس عظمة الحضارة الفرعونية. ولا تقتصر المعروضات على هذه التحف فحسب، بل تشمل أيضًا مجموعة مراكب الشمس للملك خوفو، التي تجسد مهارة أجدادنا في صناعة التحف الفنية في عصر خالي من التكنولوجيا الحديثة.








التصميم المعماري: عبقرية الربط بين الماضي والحاضر
تعد عبقرية تصميم المتحف المصري الكبير من أبرز سمات هذا الصرح. فقد فازت شركة المهندسين المعماريين الأيرلندية “Heneghan Beng Architects” بمسابقة أفضل تصميم للمتحف، والذي يقع بجوار الأهرامات الثلاثة. تصميم المتحف على شكل هرمي يعكس رابطًا قويًا بين الماضي والحاضر، حيث تمتد أشعة الشمس من قمم الأهرامات لتسقط على المتحف الكبير. هذا التصميم يعكس رسالة قوية مفادها أن الحضارة المصرية، التي امتدت لآلاف السنين، ما زالت تشع بنورها على العالم.
دور المتحف في دعم السياحة وتنمية الاقتصاد المصري
المتحف المصري الكبير سيكون له دور رئيسي في دعم السياحة المصرية، حيث سيجذب الزوار من كافة أنحاء العالم. السياحة هي مصدر رئيسي لزيادة الدخل القومي من العملة الصعبة، وتوفير فرص العمل وتقليل البطالة. لذلك، يتعين على العاملين في قطاع السياحة أن يكونوا مستعدين لهذا الحدث الكبير، خصوصًا المرشدين السياحيين الذين يجب أن يتمتعوا بمستوى عالٍ من الثقافة والوعي، ليكونوا سفراء لبلدهم.
المتحف القومي في بورسعيد: حماية الهوية الوطنية
في الوقت الذي يُفتتح فيه المتحف المصري الكبير، يواجه المتحف القومي في بورسعيد خطر الاستيلاء على أراضيه لصالح مشاريع استثمارية. إن هذا المتحف يعد منارة ثقافية هامة للأجيال الجديدة، فهو يمثل رمزًا للفخر والانتماء الوطني، خاصة أن مدينة بورسعيد لعبت دورًا محوريًا في مقاومة العدوان. إن تفريغ هذه الأرض التاريخية من محتوياتها يعني طمس جزء من الهوية الوطنية المصرية في وقت نحن في أمس الحاجة لتعميق هذا الانتماء في نفوس الأجيال الحالية.
نداء للحفاظ على الهوية الثقافية
أوجه نداءً إلى رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، ووزير السياحة والآثار، بضرورة إعادة بناء المتحف القومي في بورسعيد. فهذه المدينة الباسلة التي قدّم أبناؤها التضحيات الغالية تستحق أن تحتفظ بمؤسساتها الثقافية، التي تعزز من الانتماء الوطني وتعميق الوعي الثقافي في مواجهة محاولات الغرب لطمس الهوية.
المتحف المصري الكبير رمز لعراقة حضارتنا العظيمة
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى يحتوي على آثار، بل هو رمز لعراقة حضارتنا العظيمة، ومعلم من معالم النور والتعلم. في ظل هذا الصرح العظيم، يجب أن نستمر في الحفاظ على هويتنا الثقافية، وأن نعمل على بناء المستقبل من خلال فهم ماضينا الغني.



