جسّدت احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير الهوية الوطنية في أبهى صورها، حين انطلقت أنغام الأوركسترا بالمقطوعة الخالدة “أنا المصري” من ألحان سيد درويش وتوزيع المايسترو ناير ناجي، لتعلن ميلاد الحدث الثقافي الأهم في تاريخ مصر الحديث.
وفي مشهد رمزي مهيب، وضع فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي القطعة الأخيرة التي تحمل اسم “مصر” في النموذج المصغّر للمتحف، إيذانًا بالافتتاح الرسمي، وسط حضور عالمي يضم 79 وفدًا رسميًا، من بينهم 39 وفدًا برئاسة ملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات، وبمشاركة 450 مراسلًا يمثلون 180 وسيلة إعلامية عالمية.
إبهار بصري وصوتي.. حضارة تتكلم بلغة الضوء
أضاء المتحف أنواره في مشهد مبهر عانق سماء الأهرامات، لتتراقص عليها الأضواء والرموز المصرية القديمة والقطع الأثرية النادرة، مصحوبة بعروض ضوئية وألعاب نارية وترانيم فرعونية حملت رسالة سلام من مصر إلى العالم.
وفي لحظة تجسد الفخر الوطني، تألقت الفنانة شيريهان قائلة:“مصرية أنا وأفتخر بانتمائي لأقدم شعب وأول حضارة وأول جيش نظامي على وجه الأرض… محظوظ من يولد في بلد الفن فيها منحوت على الجدران منذ آلاف السنين.”
رسالة الرئيس السيسي: منارة للحياة ورسول للسلام
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته أن المتحف المصري الكبير سيكون “منارة للحياة ومركزًا يبرز رسالة مصر في نشر السلام والتواصل بين الشعوب”.
وقال فخامته:
“إن مصر أقدم دولة عرفها التاريخ، خطّت فيها الحضارة أول حروفها، وشهدت ميلاد الفن والفكر والعقيدة… ومن ضفاف النيل انطلقت أنوار الحكمة لتضيء طريق التقدم الإنساني.”
وأشار الرئيس إلى أن المتحف يمثل شهادة حية على عبقرية الإنسان المصري، مثمنًا التعاون الدولي والدعم الكبير الذي قدمته دولة اليابان الصديقة في تنفيذ هذا الصرح العالمي.
هوية مصر.. ملحمة على المسرح بين الماضي والحاضر
عكست الفقرات الفنية المبهرة تاريخ مصر عبر العصور، من ما قبل الأسرات إلى العصرين اليوناني والروماني، مرورًا بالمسيحية والإسلام وحتى العصر الحديث.
قاد المايسترو ناير ناجي أوركسترا عالمية ضمّت أكثر من 120 موسيقيًا وفنانًا من 79 دولة، بمشاركة الموسيقي هشام نزيه في تقديم مقطوعات حصرية، بينما تألقت السوبرانو شيرين أحمد طارق، ابنة الإسكندرية، التي سطعت على مسرح “برودواي” الشهير.
وشارك في الفقرات نجوم مصريون كبار منهم: شيريهان، منى زكي، كريم عبد العزيز، أحمد مالك، هدى المفتي، سلمى أبو ضيف، أحمد غزي، السوبرانو فاطمة سعيد، والمطرب النوبي أحمد إسماعيل.

حوار بين جيلين.. الطفل آسر والسوبرانو فاطمة سعيد
في مشهد إنساني بديع، دار حوار بين السوبرانو فاطمة سعيد والطفل آسر أمام المسلة المعلقة للملك رمسيس الثاني:
الطفل بدهشة: “هما بنوا كل ده إزاي؟”
فاطمة سعيد: “حضارتنا كلها أسرار، شايف المسلة دي؟ دي مسلة الملك رمسيس الثاني، أعظم ملوك مصر، وهي المسلة الوحيدة المعلقة في العالم.”
واختتمت السوبرانو الحوار برسالة مؤثرة:
“ادخل المتحف من بوابة التاريخ.. عشان تعرف أسرار حضارتك وتكمل مسيرتهم.”
الدرج العظيم.. ملوك الأمس يستقبلون العالم اليوم
صعد الطفل آسر الدرج العظيم الذي يضم 87 قطعة أثرية ضخمة تجسّد ملوك مصر العظام مثل سيتي الأول، سنوسرت الثالث، أمنحتب الثالث، وحتشبسوت، فضلًا عن أعمدة ومقاصير ومساند حجرية من معابد قديمة.
ووقف ملوك مصر وجهًا لوجه أمام ملوك ورؤساء العالم، في لقطة خالدة جمعت الحاضر بالماضي.
كنوز توت عنخ آمون.. الكنز الكامل في مكان واحد لأول مرة
خُصصت للمجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون قاعتان بمساحة 14 ألف متر مربع تعرضان 5952 قطعة تُعرض لأول مرة كاملة في مكان واحد، جاءت من المتحف المصري بالتحرير ومتحف الأقصر والمتحف الحربي.
من أبرز القطع: قناع توت الذهبي، أربع مقاصير ذهبية، ثلاث أسرّة ملكية، وأربع عجلات حربية، مع عروض رقمية تحاكي لحظة اكتشاف المقبرة عام 1922.
وتُعد هذه المجموعة أكمل كنز ملكي في التاريخ، وتمثل ذروة فنون الصياغة والنحت في الدولة الحديثة، حين انفتحت مصر على الشرق الأدنى القديم بالحملات والعلاقات التجارية.
الختام.. المتحف المصري الكبير إلى موسوعة غينيس
من المنتظر أن يدخل المتحف المصري الكبير موسوعة غينيس قريبًا كأكبر متحف أثري في العالم، بما يضم من مقتنيات ومرافق وتجهيزات تكنولوجية متقدمة.
وهكذا، لم يكن الافتتاح مجرد احتفال فني أو حدث أثري، بل إعلانًا عن ميلاد مصر الحضارية في ثوبها الحديث، حيث تلتقي التكنولوجيا بالفن، والماضي بالمستقبل، لتبقى مصر دائمًا منارةً للسلام ورسالةً للإنسانية.



