أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان، الأثري القدير ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن إنشاء المتحف المصري الكبير يُعد بمثابة الهرم الرابع والسد العالي الجديد لمصر والعالم، بما يحمله من رسالة حضارية تؤكد أن مصر أصبحت اليوم الأجدر عالميًا بحفظ وصون تراثها وآثارها، بعد أن كانت المتاحف الأجنبية تتذرّع لعقود بعدم قدرة مصر على العرض والحفظ العلمي المتطور.
وأضاف أن المتحف المصري الكبير، بما يمتلكه من بنية تحتية متطورة ومساحات عرض فنية وتقنيات رقمية هي الأحدث في العالم، يمثل رسالة قوية للعالم بأن الحجج التي كانت تبرر بقاء الآثار المصرية في الخارج أصبحت واهية وبالية، وأن الوقت قد حان للمطالبة الجادة بعودة هذه الكنوز إلى موطنها الطبيعي في أرض مصر.
رأس نفرتيتي.. قطعة فنية خرجت بالخداع
يروي الدكتور ريحان أن رأس نفرتيتي المحفوظة حاليًا بمتحف برلين خرجت من مصر بطريقة غير شرعية، بعد أن عُثر عليها في 6 ديسمبر 1912 بورشة الفنان الملكي تحتمس بمنطقة تل العمارنة، بواسطة البعثة الألمانية برئاسة لودفيج بورخاردت.

وقد دوّن بورخاردت في تقارير الحفائر أن التمثال من الجبس وينتمي لأميرة ملكية، بينما كان يعلم أنه من الحجر الجيري ويمثل الملكة نفرتيتي، وذلك بغرض التمويه حتى تحصل ألمانيا على التمثال.
ويُعد هذا التمثال من أبرز القطع الفنية التي تُعرض أمام أكثر من مليون زائر سنويًا، ويؤكد الدكتور ريحان أنه لا مكان أنسب لعرضه سوى المتحف المصري الكبير.
حجر رشيد.. ضحية صراع استعماري
يشير ريحان إلى أن حجر رشيد خرج من مصر عقب الصراع العسكري بين (فرنسا – بريطانيا – الدولة العثمانية)، حيث استولت بريطانيا عليه عام 1801 ضمن اتفاقية التسوية بعد استسلام القائد الفرنسي جاك فرانسوا مينو في الإسكندرية.

ويؤكد أن الحجر نُهب في ظروف استعمارية، ولم تكن لمصر آنذاك ولاية على نفسها، مما يجعل المطالبة بعودته حقًا أصيلًا.
تمثال حم إيونو.. مهندس الهرم المفقود
من بين القطع الفريدة المنهوبة أيضًا، تمثال المهندس المصري حم إيونو، مهندس هرم خوفو، المحفوظ بمتحف بيلديزيس بألمانيا.

ويُعد هذا التمثال الذي يبلغ ارتفاعه 155.5 سم قطعة نادرة بالحجم الطبيعي، خرج من مصر عام 1912 بموجب نظام القسمة القديم للبعثات الأجنبية، قبل صدور قانون حماية الآثار عام 1983 الذي أوقف هذا النظام نهائيًا.
قناع كا نفر.. أثر مسروق في متحف أمريكي
كما تطرّق الدكتور ريحان إلى قضية قناع كا نفر نفر المعروض بمتحف سانت لويس للفنون بالولايات المتحدة، مؤكدًا أن القناع مسروق من مخازن سقارة، وكان قد اكتشفه العالم المصري زكريا غنيم عام 1952.
وخرج القناع من مصر بين عامي 1966 و1973 بطريقة غير مشروعة، رغم ادعاء المتحف أنه اشتراه بصورة قانونية عام 1988.
زودياك دندرة.. جريمة مزدوجة
أوضح ريحان أن الزودياك الدائري الذي كان يزين سقف معبد دندرة، انتُزع بواسطة الفرنسي سابستيان لويس سولينيه خلال الحملة الفرنسية، ونُقل إلى باريس بدعوى أنه اكتشاف عسكري للجنرال “ديزيه”، لتُرتكب بذلك جريمتان: تشويه المعبد وسرقة أحد أندر النقوش الفلكية في التاريخ.
مخطوط التوراة اليونانية (كودكس سيناتيكوس)
كشف الدكتور ريحان أنه تقدم عام 2012 بمذكرة رسمية إلى المجلس الأعلى للآثار لاستعادة مخطوط التوراة اليونانية (كودكس سيناتيكوس)، أقدم نسخة خطية من التوراة، والموجودة حاليًا بالمتحف البريطاني وجزء منها في جامعة ليبزج بألمانيا.

وأكد أن المخطوط خرج من دير سانت كاترين عام 1859 على سبيل الإعارة المؤقتة ولم يُعاد حتى اليوم، رغم وجود خطابات ضمان وتعهدات أصلية تثبت ملكية الدير للمخطوط.
العهدة النبوية.. وثيقة التسامح المفقودة
كما طالب الدكتور ريحان بعودة أصل العهدة النبوية التي منحها الرسول ﷺ للمسيحيين من رهبان دير سانت كاترين، بعد أن استولى السلطان سليم الأول على النسخة الأصلية عام 1517م وحملها إلى الأستانة (إسطنبول)، تاركًا صورة مصدّقة منها في الدير.
ويؤكد أن هذه الوثيقة تمثل رمزًا عالميًا للتسامح الديني والتعايش الحضاري، وعودتها إلى مصر واجب ديني وإنساني وتاريخي.
مصر تستعيد حقها الحضاري
اختتم الدكتور عبد الرحيم ريحان مقاله بالتأكيد على أن مصر تمتلك الآن القدرة التقنية والعلمية والقانونية للمطالبة بعودة آثارها المنهوبة من المتاحف العالمية، مشيرًا إلى أن المتحف المصري الكبير أصبح اليوم شاهدًا على نهضة حضارية جديدة، تؤكد أن مصر — التي بنت الأهرام والسد العالي — تبني اليوم هرمًا حضاريًا جديدًا لحفظ ذاكرتها وحقها في التاريخ.



