مصريات
عمود يتناول أسبوعيا أحد مظاهر الحضارة المصرية، ويعرض لأحد جوانب التميز عند المصري القديم، ثم يعرج على عرض الأوائل من المصريين في كافة المجالات، ويكمن الغرض الرئيس من المقالات إلى تأصيل مفهوم الهوية، والاعتزاز بالوطن لدى الشباب، فالتاريخ هو أقوى دعائم الهوية:
من لا يقرأ تاريخه يظل هائمًا بلا هوية وبلا وطن راسخ تحت أقدامه.
ونحن في ظلال شهر النصر أكتوبر المجيد، ومعركة الكرامة ونصر الجيش المصري الخالد في أكتوبر من عام 1973 لنا بعض الوقفات:
طبقًا لموقع Global fire power فإن الجيش الحالي يحتل المرتبة التاسعة دوليًا والأول عربيا وافريقيا، ويقوم الترتيب على عدة معايير لتصنيف القوة العسكرية منها:
- القوات الجويّة، القوات الأرضيّة (باختلاف فروعها)، القوات البحريّة، المصادر الطبيعيّة (الطاقة وتموين المعدات)، الجوانب اللوجستيّة والمالية ومُعامل الجغرافيا.
- وبتطبيق تلك المعايير على جيشنا المصري القديم نجده فعليًا في المرتبة الأولى عالميًا.
- ليس فقط كأقوى جيش على الأرض، بل أول جيوش الأرض قاطبة؛ حتى حينما خضعت مصر لمستعمر أجنبي، عاملها على أنها وطنهم وأرضهم، واتخذ من شعبها جنداً مميزاً -أعنى عصر البطالمة اليونان.

ويقول أحمد شوقي على لسان كليوباترا حينما هددت روما مصر وقتها:
دع الزود عن مصر لي إنني أنا السيفُ والآخرون العصا
ولا تُطع الفتيةَ العابثين…. أسودَ الكلام نِعام الوغَى
- وهو الأمر الذي يعكس رؤية جيش مصر منذ أقدم العصور فهم السيف الفاعل على الأرض حينما يتكلم الآخرون فقط.
النشأة
لم يكن لمصر جيش منظم ثابت قبل الدولة القديمة؛ لكن لكل مقاطعة أو إقليم قوات خاصة به، ويحدث اتحاد بين هذه القوات في حالة الضرورة القصوى كما حدث عندما عين القائد “ونى” من الأسرة السادسة، قائداً لهذه القوات المتحدة ليصد خطر الأسيويين.
ويعد نص وني أقدم نص لدينا- حتى الآن- الذي يتعرض للأوضاع العسكرية
يحدثنا “ونى” القائد الأعلى لجيش مصر إبان الأسرة السادسة نحو عام 2250 قبل الميلاد حينما حاول بعض أمراء غرب آسيا (الإقليم السوري) التحالف ضد مصر فقام بتجيش الجيش من الشباب الأقوياء المدربين عسكرياً ويقول:” أنه جمع عشرات الآلاف من الجنود من جزيرة أسوان حتى أطفيح (الصعيد كله) ومن النوبيين والليبيين (مصريون في مناطق الحدود الجنوبية والغربية وليسوا بأجانب)؛ وأنه أدى مهمته بنجاح حيث قاد عدة حملات حربية في غرب آسيا.
كما قام بحملة بحرية وثلاثة حملات برية حصر فيهم العدو الأسيوي بين فكي الكماشة، وحقق النصر متوغلاً حتى إقليم جبل الكرمل الحالي. ( هنا نتحدث عن جيش برى وأسطول حربى).
ثم تبدأ السجلات العسكرية بشكل أوضح خلال عصر الدولة الوسطى نحو عام 1990 قبل الميلاد؛ حينما كان حكام الأقاليم (المحافظين) يتمتعون بنوعٍ من الاستقلال، ولكل اقليم حامية عسكرية خاصة بها، فقام الملك سنوسرت الثالث بالقضاء على نفوذ حكام الأقاليم وبدأ في تكوين جيش قومي ثابت بمعناه المتعارف عليه اليوم.






طرق اختيار الجيش والتدريب وألقاب القادة:
يتم التجنيد عن طريق كاتب الجيش؛ كما كان ولى العهد يتدخل ليختار الفرق الخاصة بحماية الملك رجل- بصفات خاصة- من بين كل مائة، ومن الجدير بالذكر أن نصوص سنوسرت الثالث تذكر أنه اتجه من اللشت إلى أبيدوس لاختيار الجنود؛ ثم أسند اختيار الجنود إلى مجلس عسكري. كما كان نظام التجنيد وراثياً حيث يفضل أبناء المجندين كجنود دون سواهم.
تدريبات الجنود:
كان لهم تدريبات منتظمة تستهدف تنظيم الخطوة ومشية الصف وكان الجندي يسير تلو زميله في دوريات محددة ويعاون نافخ البوق أو ضارب الطبل في تنظيم تقدم الجنود (فرقة الموسيقى العسكرية).
كما اهتمت تدريبات الجيش بالجري والسباق والمصارعة؛ وشارك أبناء الملوك في التدريبات العسكرية مثل الرماية والفروسية وأشهرهم الأمير أمنحتب الذي أصبح الملك أمنحتب الثاني، الذي تتلمذ في مدينة جرجا على يد القائد “مين” ثم انضم إلى مدرسة منف في معسكرها الكبير وألتحق بالخيالة بدأ بأول درجاته حتى تخرج فارساً عظيماً، وحينما مات هذا الملك العظيم دفن معه قوسه الذي كان يتباهي بأنه لا يوجد من يستطيع أن يشده مثل هذا الملك الفارس المحارب أمنحتب الثاني .
أقسام ورتب الجيش
الملك القائد الأعلى للجيش؛ قام ملوك الأسرة الثامنة عشرة في وقت الحرب بإدارة المعارك والإشراف على توجيه المركبات، وإدارة المعارك البحرية من الأسطول.
وقادة الجيش الموجهين للمعارك تحت إشراف الملوك يحمل الواحد منهم لقب “أمير الجيش أو قائد الجيش” ؛ ومن أشهرهم خلال الدولة الوسطى: نس مونتو، ومنتوحتب وسعنخ؛ وتركوا لنا آثاراً تتحدث عن حروبهم ضد الأسيويين و تأمين النوبة والصحراء الشرقية.
كما كان الملك ينيب ولي العهد أحياناً عنه؛ وكذلك يتولى الوزير مهمة وزير الحرب.
ويرأس جماعة الموظفين “كاتب” الجيش وقت الحرب؛ يقوم بأعمال التجنيد والإمداد، وحفظ سجلات المعارك الحربية. ويرأس مجموعة الكتبة “رئيس كتاب الجيش”، والكاتب الملكي.
ومن بين ألقاب قادة الجيش هناك لقب “قائد الصدام”، وقائد الجنود الجدد”؛ كما يوجد كتَّاب الجيش؛ وعدهم كثير وتختلف رتبهم أيضاً، فمنهم من يحمل لقب “كاتم أسرار الملك في الجيش”، وصاحبه يكون دراية بمجريات الأمور في القصر والجيش؛ وأشهر من حمله الضابط “سارنبوت” قائد الحامية الجنوبية عند أسوان.
أشهر الحروب والانتصارات
معركة مجدو نحو 1457 قبل الميلاد
قادها البطل الحربي الملك تحتمس الثالث صاحب أشهر 16 حملة عسكرية وانتصارات مبهرة طوال مدة حكمه التي بلغت 54 عاما؛ حيث تكالب على ممتلكات مصر بعض أمراء الإقليم السوري، بقيادة أمير منطقة قادش مكونين اتحاد ضد الجيش المصري، أختار الملك تحتمس أصعب وأقصر طريق يؤدي مباشرة لمعسكر الأعداء وقصى عليهم بغته في تخيط حربي محكم أصبح نموذجا يٌحتذى في الحروب قلده مونتجومري واللمبي إبان الحرب العالمية، كما أصبح هذا التخطيط الحربي نموذجا يدرس في المعاهد والأكاديميات العسكرية للآن.
معركة قادش نحو 1274 قبل الميلاد
قادها البطل المصري العظيم رمسيس الثاني في العام الخامس من حكمه، ضد الحيثيين بقيادة أميرهم “موتللي الثاني”، ودارت الحرب على أرض مدين قادش التي تقع على الضفة الغربية من نهر العاص بسوريا، حيث تجمع أمراء سوريا متحدين مع الحيثيين ضد مصر وجيشها، وبرغم وجود جواسيس من بعض الأمراء السوريين استطاعوا تتبع خطوات الجيش المصري، إلا أنه بفضل جهاز المخابرات الحربية للملك رمسيس الثاني وبفضل القوات الخاصة التي ألحقها الملك بجيش مصر استطاع تحقيق النصر على تلك المجموعة، ومن بعدها تم عقد أول معاهدة سلام كاملة الأركان بين مصر والحيثيين.
وتبقى مصر أبدا مهد القوة والانتصارات الحقيقية والسلام



