أخباربأقلامهم

سعيد جمال الدين يكتب : مصحات الظل وبير السلم.. خطر يهدد المرضى والمجتمع!!

إغلاق “دار النقاهة” بحدائق الأهرام يفتح ملف المنشآت العلاجية غير المرخصة

في يوم 14 أكتوبر، 2025 | بتوقيت 11:00 صباحًا

تُعد قضية المصحات والمراكز العلاجية غير المرخصة واحدة من أخطر الظواهر الصحية والاجتماعية في مصر خلال السنوات الأخيرة، إذ انتشرت مؤسسات تعمل تحت لافتات براقة من دون أن تخضع لأي إشراف طبي حقيقي، أو تراعي معايير السلامة والأخلاقيات المهنية.

وغالبًا ما تستغل تلك المنشآت معاناة الأسر مع ذويهم المدمنين أو المرضى النفسيين، فتقدم وعودًا زائفة بالعلاج السريع مقابل مبالغ مالية ضخمة، بينما تفتقر إلى الأطباء المتخصصين أو التجهيزات اللازمة، ما يجعلها قنابل موقوتة تهدد حياة النزلاء.

تقارير حقوقية وصحية عدة أكدت وقوع انتهاكات جسيمة داخل بعض تلك المصحات، من بينها سوء معاملة المرضى، واستخدام وسائل “تأديبية” قاسية، واحتجاز قسري دون رقابة، وهي وقائع دفعت وزارة الصحة خلال العامين الماضيين إلى إطلاق خطة وطنية لإعادة ضبط سوق العلاج النفسي والإدمان.

مصحات بلا رقابة ..تجارة بأوجاع الناس

وفي خطوة حاسمة تؤكد جدية الدولة في مواجهة الفوضى داخل سوق الخدمات العلاجية، أعلنت وزارة الصحة والسكان إغلاق مصحة “دار النقاهة” للطب النفسي وعلاج الإدمان الكائنة بحدائق الأهرام بمحافظة الجيزة، وذلك بعد ضبطها تعمل دون ترخيص رسمي، في مخالفة صريحة لقانون تنظيم المنشآت الطبية رقم 153 لسنة 2004، وقيامها بفض الأختام الحكومية وإعادة التشغيل دون إذن من الجهات المختصة.

القرار جاء تنفيذًا لتوجيهات الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، الذي شدد على تكثيف الرقابة على المنشآت الطبية الخاصة لضمان تقديم خدمات علاجية آمنة ومطابقة للمعايير الصحية، حفاظًا على حياة المواطنين وكرامتهم.

مصحة دار النقاهة بحدائق الأهرام
مصحة دار النقاهة بحدائق الأهرام
مصحة دار النقاهة بحدائق الأهرام

حملة مشتركة وضبط مخالفات جسيمة

وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي للوزارة، أن فريق العلاج الحر بمحافظة الجيزة، بالتعاون مع رئاسة حي الهرم وشرطة المرافق، داهم المصحة بعد ورود بلاغات تفيد بإعادة تشغيلها رغم صدور قرار غلقها سابقًا، وتبين بالفعل فض الأختام دون تصريح رسمي.

ووفقًا لما صرح به الدكتور هشام زكي، رئيس الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص، فقد تم غلق وتشميع المصحة بالكامل، وتحرير محضر بالمخالفات، مع قطع المرافق الحيوية عنها بالتنسيق مع وزارة التنمية المحلية، لحين توفيق أوضاعها واستيفاء اشتراطات الترخيص القانونية.

وأكد زكي أن الوزارة تواصل حملاتها المكثفة على المصحات الخاصة ومراكز علاج الإدمان غير المرخصة في جميع المحافظات، مشيرًا إلى أن الهدف ليس العقاب فحسب، بل حماية المرضى من الاستغلال والإهمال داخل أماكن غير مؤهلة أو يديرها أشخاص لا يمتلكون الكفاءة الطبية أو التراخيص القانونية.

تشريعات حاسمة ومراقبة مستمرة

قانون تنظيم المنشآت الطبية رقم 153 لسنة 2004، ولائحته التنفيذية، شدد على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق قبل تشغيل أي مؤسسة علاجية، مع تحديد اشتراطات فنية دقيقة للمباني والتجهيزات والطواقم الطبية، إلى جانب إلزامها بالتسجيل الدوري والتفتيش المفاجئ من قبل لجان العلاج الحر.

كما فعّلت وزارة الصحة مؤخرًا منظومة إلكترونية لتسجيل ومتابعة المصحات الخاصة، تتيح للوزارة والجهات الرقابية تتبع المخالفات وسرعة اتخاذ الإجراءات، في إطار خطة أشمل تهدف إلى تنظيم القطاع الصحي الخاص وتحقيق العدالة في تقديم الخدمة.

حماية المريض أولوية وطنية

التحرك السريع لغلق مصحة “دار النقاهة” يعكس إرادة الدولة في حماية المواطن من جشع بعض المستثمرين في القطاع الصحي الذين يحولون العلاج إلى تجارة بلا ضمير. فالصحة ليست مجالًا للمضاربة، بل حق إنساني تكفله الدولة وتحرص على صيانته بالقانون.

ويبقى الملف مفتوحًا أمام الجهات المعنية — من الصحة والداخلية والتنمية المحلية وحتى النيابة العامة — لمواصلة التصدي بحسم لكل من يعبث بأمن المجتمع الصحي أو يستغل حاجة المرضى وضعفهم لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة.

وضع منظومة متكاملة للرقابة

إنّ ما كشفته واقعة “دار النقاهة” لا يجب أن يُغلق بمجرد غلق الأبواب وتشميع الأختام، بل يجب أن يكون جرس إنذار يدفع نحو تنسيق أوسع بين وزارات الصحة والداخلية والعدل لوضع منظومة متكاملة للرقابة على المصحات النفسية ومراكز علاج الإدمان، سواء كانت حكومية أو خاصة.

فالمريض النفسي أو المدمن ليس مجرمًا، بل إنسان في أمسّ الحاجة إلى رعاية طبية وإنسانية حقيقية، ومن واجب الدولة والمجتمع حمايته من الاستغلال، لا تركه فريسة لتجار الأوجاع.

إن أريد  إلا الإصلاح ما أستطعت .. وما توفيقى إلا بالله العلى العظيم .. عليه توكلت وإليه أنيب وعلى الله العلى القدير قصد السبيل 

✍️ كاتب المقال

سعيد جمال الدين سرحان

عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لبوابة المحروسة الإخبارية المحروسة نيوز

مؤسس شعبة الصحافة السياحية بنقابة الصحفيين 

عضو جمعية الكتاب السياحيين المصريين

عضو جمعية كتاب البيئة والتنمية