
حوار : الدكتور عبد الرحيم ريحان
في رحلة شيقة إلى عمق التاريخ واللغة، نفتح اليوم ملفًا فريدًا من نوعه حول اللغة المصرية القديمة واستمراريتها في العامية المصرية، مع الأديب والباحث سامي أبو بدر، عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وعضو اتحاد كُتّاب مصر، وصاحب أحد أهم المؤلفات المعاصرة في مفردات اللغة العربية وصلاتها بجذور الحضارة المصرية.
في هذا الحوار، يكشف أبو بدر أن اللغة المصرية القديمة، أو القبطية، لم تنقطع يومًا، بل ما زالت تُدرَّس في المدارس الكنسية والجامعات، ويترنم بها المسيحيون في كنائسهم حتى اليوم، وتعيش مفرداتها في ألسنة المصريين، لتؤكد أن روح مصر الحضارية لا تزال تنبض في كلام أهلها.
▪️ تدريس اللغة المصرية القديمة
> ربما يتفاجأ الكثيرون من غير المسيحيين أن اللغة المصرية القديمة (القبطية) لم يتوقف تدريسها في المدارس القبطية يومًا ما، وإلى اليوم يَترنم بها المسيحيون المصريون في كنائسهم.
ولها أقسام تُدرِّسها في جامعات مصرية وغربية، فضلًا عن مؤلفات عديدة تشرح حروفها وقواعدها ولهجاتها المختلفة، وأشهرها البحيرية والصعيدية.
ومن بين أبرز الكتب التي تناولت اللغة القبطية:
- قواعد اللغة المصرية القبطية للدكتور جورجي صبحي (1925م)
- المرجع في قواعد اللغة القبطية لملاك ميخائيل وحبيب الشاروني (1945م)
- اللغة المصرية القديمة للدكتور عبدالحليم نور الدين (1998م)
- قواعد اللغة القبطية لبيتر سمير دانيال (2020م)
- دروس في تبسيط شرح قواعد اللغة القبطية لمعوض داود عبدالنور (1985م – 1997م)
▪️ قواميس ومعاجم تحافظ على الذاكرة اللغوية
يشير الباحث إلى وجود معاجم ومخطوطات ثمينة تُوثّق اللغة المصرية القديمة، منها:
- السُّلَّم المقفَّى والذهب المصفَّى في أصول اللغة القبطية (1570م) لابن العسّال
- قاموس اللغة القبطية المصرية لإقلاديوس لبيب (1895م)
- قاموس اللهجتين البحيرية والصعيدية لمعوض داود عبدالنور (1998م)
كما ظهر حديثًا (2020م) أول قاموس إلكتروني للقبطية بعنوان مصباح النقلون يضم أكثر من خمسين ألف مصطلح، ويتيح الترجمة بثلاث لغات.
▪️ كلمات عامية مصرية من أصول قبطية
يقول أبو بدر:عدّد كثير من علماء اللغة آلاف المفردات المصرية القديمة التي لا تزال تتردد على ألسنة المصريين حتى اليوم في الريف والصعيد والمدن.
ومن هذه الكلمات:
آبا (أبي)، أُبَّح (احمل)، أمبو (الماء)، بِس (قط)، بَصّ (انظر)، بُعبُع (عفريت)، تاتا (امشِ)، شِبشِب (حذاء)، مِصطَبة (مقعد مبني)، طوبة (حجر)، قُلَّة (إناء فخاري)، نُونو (طفل حديث الولادة)، وغيرها المئات مما يشهد على استمرارية اللغة المصرية القديمة في الوجدان الشعبي.
▪️ أسماء مدن مصرية تحتفظ بجذورها القديمة
بقيت أسماء مدن وقرى مصرية كثيرة على أصلها المصري القديم أو بتحريف طفيف، مثل:
أبنوب، أرمنت، إسنا، أسوان، أسيوط، إطسا، أوسيم، بهبيت، رشيد (رُوشِيت)، سمنود، شبرا، طنطا، قنا، قوص، منفلوط، مريوط، ملوي، منوف وغيرها.

▪️ تأثير اللغة المصرية القديمة على العربية في مصر
يؤكد الباحث أن اللهجة المصرية تحمل في تراكيبها ونغماتها أثرًا مصريًا خالصًا، فيقول: نلاحظ في العامية المصرية تراكيب لا وجود لها في لهجات الجزيرة العربية، مثل: (الكتاب ده) بدلًا من (ذا الكتاب)، واستخدام الشين في النفي مثل: ما كتبش وما تِكْتِبْش، وهي سمات صوتية ونحوية متوارثة من اللغة المصرية القديمة.
▪️ خلاصة القول
يختم الأديب سامي أبو بدر قائلاً: إن العامية المصرية ليست عامية فُصحى منحرفة، بل هي امتداد طبيعي للغة مصر القديمة، التي لم تمت، بل تسللت عبر القرون إلى حديث الناس اليوم، لتبقى شاهدًا حيًا على عبقرية الهوية المصرية واستمراريتها اللغوية.



