بأقلامهم

” اللواء الدكتور سمير فرج ” يكتب لـ” المحروسة نيوز ” : وثائق حرب أكتوبر بين الإفراج والمنع !!

في يوم 1 أكتوبر، 2025 | بتوقيت 9:21 مساءً

كانت الدول في الماضي عادة ما تتبع قواعد الإفراج عن الوثائق السرية بعد 25-30 عامًا، ولكن تبين أن مرور هذه الفترة غير كافٍ، لأنه خلال هذه المدة قد تكون بعض الأنظمة ما تزال قائمة، وبعض الرؤساء والملوك ما يزالون في الحكم مما قد يضع بعض الحكومات في مشاكل عديدة. تبنت الدول فكرًا جديدًا بالإفراج عن هذه الوثائق السرية وخاصة السياسية بعد مرور 50 عامًا أو أكثر، بحيث تكون كل الأمور قد تبدلت والأنظمة قد تغيرت، والأسرار لم تعد أسرارا.

انطلاقًا من ذلك، وبعد مرور 50 عامًا على حرب أكتوبر، بدأت إسرائيل بالإعلان عن الإفراج عن بعض وثائق حرب أكتوبر 73، ولكن بالطبع بمتابعتنا ما نشرته إسرائيل عن وثائق حرب أكتوبر 73، ظهر أن جل هدفهم هو ترسيخ الاعتقاد الكاذب بأنهم “تفوّقوا” في هذه الحرب، والدليل على ذلك، أنهم لم ينشروا النتائج النهائية لتقرير لجنة “أجرانات” القضائية والتي سميت لجنة التقصير التي شكلتها إسرائيل في 21 نوفمبر 73 بعد انتهاء الحرب باقل من شهرين من خمسة من كبار القضاة (تاريخ إنشاءها يؤكد كم كان حجم هزيمة إسرائيل ثقيلا) وبعد شهادة 58 شاهدا وفحص عدد كبير من الشهادات الخطية والتسجيلات الصوتية فكان من اهم نتائجها المباشرة إقالة كل من رئيس أركان الجيش دافيد إليعارز ورئيس الاستخبارات العسكرية وقائد الجبهة الجنوبية وتحرجت اللجنة من إدانة رئيسة الوزراء مائير ووزير الدفاع ديان كونهما في مناصب سياسية منتخبة ولكنهما اسقطا في أول انتخابات تالية.

جاء تقرير اللجنة في 1813 صفحة، لكن تم نشر 42 صفحة فقط عبارة عن موجز التقرير، وبعدها أفرجت الحكومة الإسرائيلية عن عدد محدود من الصفحات (حوالي 48 صفحة) من المعلومات التي رفعت عنها السرية. ولكن بمداومة البحث فيما أفرجت عنه إسرائيل تبيّن أنها لم تكشف عن أي وثائق إضافية تخص تقصير قواتها خلال الحرب.

من الجدير بالذكر أن أرشيف دولة إسرائيل (ISA) والذي أنشئ عام 1949 هو المنوط به حفظ كافة وثائق الدولة وجيش دفاعها وبالرجوع اليه تبين أن ما تم نشره هو 3308 وثيقة عبارة عن 1400 وثيقة ورقية فقط والباقي صور وتحرير لنصوص منقولة عن تسجيلات ومحاضر اجتماعات.

وبالنسبة للقوات المسلحة المصرية، فإنه بعد مرور 50 عامًا على حرب أكتوبر، أصدرت القيادة العامة قرارًا بتشكيل لجنة من قدامى القادة لمراجعة وثائق الحرب المتحفظ عليها في مكتبة الحفظ المركزي بهيئة البحوث العسكرية وبصفتي عضوًا في هذه اللجنة، فإنني قلت للجميع ومن اليوم الأول لاجتماعات اللجنة في أغسطس 2023 إن من اختار هذه الكوكبة يستحق ارفع الأوسمة، لأنهم جميعا على أعلى مستوى من الفكر العلمي والعسكري، وجميعهم شاركوا في حرب أكتوبر 73 ويمثلون كافة التخصصات القتالية في القوات المسلحة. فعلى مدار عامين تم مراجعة غالبية الوثائق عن هذه الحرب، بالغوص والتدقيق في كل تفصيل: الاتصالات، البيانات، الخرائط، الأوامر، تقديرات الموقف، خطط العمليات.

ولقد قامت لجنة مراجعة وثائق حرب أكتوبر بفحص 37667 وثيقة الى جانب 5000 صورة (حتى الآن) وقد تم تصنيف هذه الوثائق إلى 3 مجموعات، كل مجموعة حسب درجة سريتها وأهميتها ومدى تأثيرها على الأوضاع الحالية والمستقبلية للدولة والقوات المسلحة المصرية. حيث يجب أن ندرك أن نفس العدو ما يزال موجودًا ومتربصا بنا، لذلك كان حرص اللجنة دائمًا على عدم نشر أي معلومات يمكن أن تؤثر على الأمن القومي المصري في الحاضر أو في المستقبل؛ وقد تم تقسيم ما يسمح بنشره في الإعلام الى ثمان مراحل رئيسية تبدأ المرحلة الأولى من نهاية حرب 1967 والمرحلة الثامنة الدروس المستفادة من الحروب المصرية 1967-1973 وتم تقسيم هذه الملفات بدورها الى 39 ملف فرعي ليسهل استعراضها واستيعابها للمواطن المصري ليزداد فخرا ببلده وجيشه وليزداد علما ووعيا.

لكن الحق يُقال إنه خلال السنتين الماضيتين، ونحن نتعرض كل أسبوع لاجتماعات اللجنة لمراجعة هذه الوثائق، يزداد جميع أعضاؤها فخرا وعزة لما قامت به القوات المسلحة منذ 50 عامًا، وكيف كان الجندي المصري عظيما وهو يقتحم قناة السويس – أكبر مانع مائي في التاريخ الحديث – ويدمر خط بارليف الحصين، الذي كان أكثر منعة وتحصينا من خط “ماجينو” الفرنسي الذي يعتبرونه معجزة الغرب. أما الجندي المصري فقد اقتحم خط بارليف في 6 ساعات ليسجل أسطورة جديدة في التاريخ العسكري ليس فقط بعبور المانع المائي والخط الحصين وإنما ولأول مرة يواجه الجندي المشاة (بلا درع يحميه) دبابات العدو وينتصر عليها.

وفي هذه الوثائق التي سيتم نشرها تباعا على موقع القوات المسلحة، سيمكن متابعة سير المعارك مع ما فيها من العزة والفخار والكرامة من واقع الوثائق المعروضة. كما استمعت اللجنة أيضًا لتسجيلات صوتية لاستغاثات قادة مواقع خط بارليف، وهم يصرخون طلبًا للنجدة، وقياداتهم تأمرهم بالانسحاب أو بالاستسلام بينما كانت القوات المصرية تقتحم مواقعهم.

عندما يتم نشر أجزاء من هذه الوثائق التي تم الموافقة على نشرها وتبلغ 2898 حتى الآن في احتفالات أكتوبر القادمة، سيشعر الشعب المصري بالفخر العميق بجيشه العظيم، ولسوف يتأكد مرة أخرى من عظمة جيشه الوطني، الذي صنع هذه الأسطورة في ست ساعات في 6 أكتوبر 1973.

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

Email: [email protected]

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة المصرى اليوم.