بأقلامهم

“الدكتور إبراهيم العسال” يكتب لـ “المحروسة نيوز” : مصر وإسبانيا.. تاريخ مشترك وآفاق تعاون في السياسة والاقتصاد والسياحة

في يوم 23 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 6:05 مساءً

جاءت زيارة ملك إسبانيا وقرينته إلى القاهرة وتجولهما في عدد من المناطق السياحية والأثرية الكبرى – من أهرامات الجيزة إلى المتحف المصري ومواقع القاهرة التاريخية  والأقصر – لتجسد بوضوح عمق العلاقات المصرية الإسبانية وثراء مساراتها. لم تكن الزيارة مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل رسالة قوية تؤكد أن الروابط بين البلدين تتجاوز حدود السياسة والاقتصاد، لتصل إلى عمق التاريخ والوجدان المشترك.

الجذور التاريخية والتأثير الأندلسي

العلاقات المصرية الإسبانية ليست وليدة اللحظة، بل تمتد بجذورها إلى عصور بعيدة. فقد لعبت مصر دورًا بارزًا في تشكيل الحضارة الإسلامية التي ازدهرت في الأندلس، حيث انتقلت منها العلوم والفنون والآداب إلى إسبانيا ومنها إلى أوروبا كلها.

كانت مصر محطة رئيسية للحجاج والتجار المتجهين إلى الأندلس، ما أسهم في إثراء التبادل الحضاري. ولا تزال بصمات هذا التفاعل واضحة في معمار قرطبة وإشبيلية وغرناطة، كما وصلت لمسات أندلسية إلى مصر في فترات لاحقة.

التراجع ثم إعادة الاكتشاف

بعد سقوط الأندلس، تراجعت العلاقات المباشرة بين مصر وإسبانيا بفعل التحولات السياسية والجغرافية. لكن القرن التاسع عشر شهد عودة الاهتمام الإسباني بمصر من خلال المستشرقين والرحالة الذين أعادوا اكتشافها وكتبوا عنها، فساهموا في بناء جسور جديدة من التواصل الثقافي.

تأسيس العلاقات الحديثة

في القرن العشرين، اكتسبت العلاقات بين القاهرة ومدريد طابعًا مؤسسيًا. تأسست معاهد ومراكز ثقافية متبادلة، أبرزها معهد ثربانتس في القاهرة، إلى جانب أقسام اللغة الإسبانية في الجامعات المصرية وأقسام اللغة العربية في الجامعات الإسبانية، مما عزز التبادل الأكاديمي.
كما شاركت بعثات إسبانية في التنقيب والترميم الأثري داخل مصر، وهو ما يعكس اهتمامًا متبادلًا بالحفاظ على التراث الإنساني. سياسيًا، عمل البلدان على تنسيق مواقفهما في قضايا المتوسط والأمن والهجرة.

الاقتصاد والسياحة كدعائم أساسية

لم تعد العلاقات المصرية الإسبانية مقصورة على الثقافة، بل امتدت لتشمل الاقتصاد والسياحة:

إسبانيا أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر في الاتحاد الأوروبي، حيث تشمل الصادرات المصرية الغاز الطبيعي والمنتجات الزراعية، فيما تستورد مصر السيارات والمعدات الصناعية الإسبانية.

شركات إسبانية تشارك في مشروعات استراتيجية للبنية التحتية والطاقة.

السياحة تظل أحد أبرز محاور العلاقة، إذ يزور آلاف الإسبان مصر سنويًا للاستمتاع بآثارها وشواطئها، فيما ينجذب المصريون إلى إسبانيا وخاصة الأندلس، بما تحمله من إرث إسلامي وجمال طبيعي.

رؤية استراتيجية وزيارات قمة

الزيارات رفيعة المستوى، مثل زيارة ملك إسبانيا إلى القاهرة، تؤكد عمق الروابط وحرص الطرفين على تعزيز التعاون في مختلف المجالات. فمصر تمثل بوابة إفريقيا والعالم العربي، بينما تعد إسبانيا بوابة أوروبا وأمريكا اللاتينية، ما يجعل من التنسيق بينهما خيارًا استراتيجيًا لمواجهة تحديات الأمن والطاقة والتنمية.

خاتمة وتوصيات

إن العلاقات المصرية الإسبانية هي نتاج تاريخ مشترك طويل ورغبة متجددة في بناء مستقبل قائم على التعاون. ومن أجل تعظيم الاستفادة من هذا الإرث الحضاري والفرص المتاحة، أرى أن هناك عدة خطوات يمكن أن تسهم في تعزيز هذه العلاقات:

1. توسيع التبادل الأكاديمي والثقافي عبر برامج مشتركة بين الجامعات المصرية والإسبانية، بما يشمل تبادل الأساتذة والطلاب.

2. تنشيط السياحة المتبادلة من خلال حملات ترويجية تستثمر في الإرث الأندلسي والفرعوني والإسلامي، وتقديم برامج سياحية متكاملة.

3. تعميق الشراكات الاقتصادية في مجالات الطاقة المتجددة، والموانئ، والنقل البحري، بما يعزز مكانة البلدين كمراكز استراتيجية في المتوسط.

4. تشجيع التعاون الشبابي عبر مبادرات ثقافية ورياضية وفنية، لإعداد جيل جديد يواصل مسيرة التواصل بين الشعبين.

5. تفعيل الحوار السياسي المنتظم لمواجهة التحديات الإقليمية المشتركة مثل الأمن والهجرة ومكافحة الإرهاب.

بهذه الخطوات، يمكن للعلاقات المصرية الإسبانية أن تتحول من روابط تاريخية وثقافية إلى شراكة استراتيجية متكاملة، تعكس عمق الماضي وتستجيب لتحديات الحاضر وتطلعات المستقبل.

كاتب المقال

الدكتور إبراهيم العسال

استاذ مساعد التاريخ والاثار والفنون الإٍسلامية بقسم الإرشاد السياحي المعهد العالي للسياحة بسيناء رأس سدر

وكيل المعهد لخدمة المجتمع وشئون البيئة ومدير ادارة الخدمات الإلكترونية

نائب رئيس مجلس إدارة المعهد العالي للسياحة بسيناء،

المستشار الفخرى  لسفارة جمهورية فنزويلا البوليفارية بالقاهرة

 شخصية أكاديمية بارزة، 

عضو في لجنة التراث الثقافي بالاتحاد الأندلسي في إسبانيا،

وأستاذ في علم الآثار والإرشاد السياحي بجامعتي حلوان ومصر للعلوم والتكنولوجيا، 

 استاذ زائر في عدد من الجامعات الإسبانية كجامعة سالامانكا وقرطبة

يشغل عضوية المجلس الأعلى للتراث الثقافي باسبانيا وعضوية الفريق العلمي للتراث الإٍسلامي بجامعة قرطبة

عضو الهيئة العلمية العليا للمجلس الأوروبي للعوم الإجتماعية ببروكسل

عضو مجلس ادارة منظمة السياحة الالكترونية باسبانيا، 

حصل الدكتور العسال على درجتين للدكتوراة

الاولى  من كلية السياحة والفنادق جامعة حلوان عام 2013

الثانية  من كلية الاداب والفلسفة بجامعة قرطبة في اسبانيا عام 2017

 فضلا عن حصوله على درجة استاذ مساعد من المجلس الأعلى للجامعات، ودرجة الماجستير من قسم الإرشاد السياحي بجامعة حلوان عام 2008

محاضر جامعات كبملتوسينه بمدريد ومالقا وكوميبرا بالبرتغال 

له بحاث علمية منشورة في العديد من الدوريات الاوروربية والاقليمية والمصرية في مجال التاريخ والاثار والفنون الإٍسلامية

يشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة

يتواجد ضمن الهيئة التحريرية والمحكمين الدوليين في مجالات الاثار والتراث الإسلامي في انجلترا واسبانيا