بأقلامهم

” فضيلة الدكتور أحمد كريمه ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : القومية المصرية بين الانتماء الديني والهوية الوطنية

في يوم 6 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 4:00 مساءً

تمهيد

هذا البحث ليس دعوة شعوبية – والشعوبية نزعة ظهرت في العصر العباسي تنكر تفضيل العرب على غيرهم – وليس دعوة لانتزاع مصر من محيطها العربي أو من انتمائها إلى الأمة الإسلامية.
إنما هو رؤية اجتهادية لدفع الطائفيات العرقية وتلك المنسوبة إلى التراث الديني التي تشهدها الدولة المصرية.

أولاً: اصطلاحات ذات صلة

  • الشعب: جماعة كبيرة ترجع إلى أب واحد، أوسع من القبيلة، تخضع لنظام اجتماعي واحد وتتحدث لساناً واحداً. جمعه شعوب.

  • الوطن: مكان إقامة الإنسان ومقره، إليه انتماؤه سواء وُلد فيه أو لم يولد. جمعه أوطان.

  • العرب: أمة سامية الأصل، منشؤها شبه الجزيرة العربية، ويقال: لسان عربي، لغة عربية.

  • الدولة: مجموع كبير من الأفراد يقطنون بصفة دائمة إقليماً معيناً، ويتمتعون بالشخصية المعنوية وبنظام حكومي وبالاستقلال السياسي.

  • الأمة: جماعة يربط بين أفرادها رباط؛ دين، أو زمان، أو مكان.

  • القومية: صلة اجتماعية عاطفية تنشأ من الاشتراك في الوطن والجنس واللغة والمنافع، وقد تنتهي بالتضامن والتعاون إلى الوحدة، مثل القومية العربية.

ثانياً: فلسفة الدولة باختصار

الدولة جهاز فعال ذو طبيعة خاصة، مؤسسة لها شكلها ووظائفها المتميزة لجميع المواطنين. ومن أبرز وظائفها:

  1. حفظ الأمن الداخلي.

  2. تأمين مصالح الناس والخدمات العامة.

  3. رفع المستوى العلمي والمعيشي، والعناية بالمرافق الاقتصادية.

  4. حماية الدولة من العدوان الخارجي.

  5. إقامة العدل بين أفراد المجتمع.

ثالثاً: الإسلام والقومية

لا يمنع الإسلام انتساب الناس إلى أقوامهم، بل وجّه إلى التعارف والتعاون، قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].

إذا كانت القومية تعني الانتماء للوطن والمصالح المشتركة فهي جائزة، أما إذا تحولت إلى عصبية واستعلاء فهي مرفوضة، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

وقال ﷺ:

  • «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية».

  • «دعُوها فإنها منتنة».

  • «من قاتل تحت راية عمّية يغضب لعصبة أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية».

كما أبطل الإسلام التفاخر بالآباء:
«لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم… إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب».

رابعاً: العرب ليسوا هم الإسلام

يخطئ من يخلط بين “العرب” و”الإسلام”، فهناك قوميات مسلمة احتفظت بخصوصيتها مثل: إيران الفارسية، ماليزيا، إندونيسيا.
ومن الصحابة: سلمان الفارسي، بلال الحبشي، صهيب الرومي، مارية القبطية المصرية.

والنموذج الأوضح هو وثيقة المدينة، التي نظمت العلاقة بين المسلمين واليهود في يثرب، وأقامت أساساً للمواطنة المشتركة.

خامساً: القومية المصرية.. فخر وشرف

لقد أفرد المؤرخ ابن زولاق كتابه “فضائل مصر وأخبارها وخواصها”، مبرزاً ما ورد عن مصر في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وآثار الصحابة والعلماء، بل وكتب أهل الكتاب.

مصر في القرآن

ذكرت مصر في 28 موضعاً بالقرآن، منها:

  • {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ}.

  • {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ}.

  • {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}.

  • {اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ}.

مصر في السنة النبوية

قال ﷺ:

  • «ستفتح عليكم مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لكم منهم رحماً وذمة».

  • «اتخذوا منها جنداً كثيفاً، فذلك الجند خير أجناد الأرض».

  • «مصر أطيب الأرضين تراباً وعجمها أكرم العجم أنساباً».

  • «أهل مصر في رباط إلى يوم القيامة».

دعاء الأنبياء لمصر

  • دعا آدم عليه السلام لها بالبركة والخصب.

  • دعا نوح عليه السلام لابنه “بيصر بن حام” الذي استوطنها بالرحمة والخصوبة.

مصر في كتب أهل الكتاب

  • في التوراة: «مصر خزائن الأرض كلها».

  • وذُكر نزول إبراهيم ويوسف ويعقوب وبني إسرائيل إلى مصر.

  • وورد ذكر لجوء المسيح عليه السلام وأمه مريم ويوسف النجار إلى مصر.

شهادات العلماء

  • قال عبد الله بن عمرو: «أهل مصر أكرم الأعاجم وأقربهم رحماً بالعرب».

  • وقال كعب الأحبار: «مصر بلد معافى من الفتن، من أرادها بسوء قصمه الله».

  • وقال عمرو بن العاص: «ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة».

النسل البشري وأصل المصريين

جميع البشر من نسل نوح عليه السلام وأبنائه الثلاثة: سام، حام، يافث.
وقد سكن حام الأرض الأفريقية، ومن نسله جاء “مصر بن بيصر بن حام” الذي نسبت البلاد إليه.

خلاصة

إن القومية المصرية لا تعني الانعزال عن الأمة العربية أو الإسلامية، بل هي هوية وطنية تفتخر بتاريخها وجغرافيتها ودورها الديني والحضاري.
مصر – كما وصفها القرآن والحديث – خزائن الأرض، وأرض الرباط، وبركة الله في الأرض، فلتكن قوميتنا المصرية جسراً للتكامل مع عروبتنا وإسلامنا، لا سبيلاً للتفرقة أو العصبية.

كاتب المقال 

فضيلة الشيخ الدكتور أحمد كريمه 

أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف