بأقلامهم

اللواء الدكتور ” سمير فرج ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : من الأقصر إلى الساحل الشمالي (1)

في يوم 29 أغسطس، 2025 | بتوقيت 3:00 مساءً

عندما كنت محافظًا للأقصر، وخلال زيارة السيد رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، جاء من يبلغه أن رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار موجود في الفندق، ويرغب في مقابلة سيادته. وعلى الفور كان رد دكتور أحمد نظيف: “يتفضل”، وأشار لي سيادته قائلاً: “تعالَ أحضر معنا اللقاء”.

كان لقاءً سريعًا، بروتوكوليًّا، استمر لمدة 15 دقيقة. ونحن نغادر التفت إليّ رجل الأعمال محمد العبار، وقال: “أنا بقالي ثلاث أيام في الأقصر ولا أصدق ما أراه… ممكن نلتقي وأريد ان أسمع خطتك لمشروعات تطوير الأقصر؟”

كان ردي: “تفضل في مكتبي غدًا صباحًا”. حتى هذه اللحظة، لم أكن أعلم قيمة هذا الرجل ومكانته أحد اكبر رجال الأعمال البارزين في دولة الإمارات والخليج العربي. وفي صباح اليوم التالي حضر محمد العبار، الى مكتبي واستمع الى خطة تطوير الأقصر برؤية لمدة 30 عامًا.

كان رده سريعًا: “حقيقي، أنا منبهر بالفكر والتخطيط. وأنا هنا ثلاثة أيام لزيارة الأقصر، ولا أصدق كل ما يجري على أرض الواقع. حيث إنك هدمت منازل وفتحت شوارع وتقوم بانشاء بنية أساسية جديدة للمدينة، ثم تطور المناطق السياحية. ولذلك، أريد أن أفعل شيئًا من أجل الأقصر، وأريد أن أساهم في هذا المشروع من جيبي الخاص”.

وقال لي: “أتعلم أنني أبني الآن أكبر ناطحة سحاب في العالم، وهو برج خليفة في دبي؟ أريد أن أقدم أي شيء للأقصر، وأريد أن أشارك في هذه الملحمة”.

كنت في تلك الفترة أعاني من أكبر مشكلة في الاقصر، وهي انهيار مباني الأهالي المصنوعة من الطوب اللبن بسبب المياه الجوفية لان الأقصر تزرع معظم مساحتها بالقصب وهذا يجعل المياه الجوفية عالية في كل انحاء المحافظة.

كل يوم عندما أصل الى ديوان المحافظة صباحًا لأجد عائلة (الأب والأم والأطفال) أمام باب ديوان المحافظة فيقول لي رب الأسرة، لقد انهار البيت، يا سيادة المحافظ اروح فين وبالطبع عندما كنت أتصل بوكيل الوزارة للشؤون الاجتماعية في المحافظة، لأسئلة، “ماذا نفعل مع هذه العائلات؟” فيكون رده: “نعطيهم خيمة ومبلغ من المال”. هذه إمكانيات الوزارة.

لذلك قررت أن أطلب من رجل الأعمال من العبار بناء مجموعة من البيوت لتسكين مثل هذه الحالات. وعلى الفور قال: “عندك المكان؟”

في دقائق، وصلنا إلى قرية الطود بالأقصر، حيث تم معاينة الموقع على الطبيعة وبعدها قام بإرسال أطقم مهندسين تابعين له وبدأ العمل وبالفعل، في ستة شهور تم بناء 80 منزل، ومسجد، ومدرسة، ذات الفصل الواحد. والأهم أنها بنيت بأسلوب القباب الذي صممه المهندس المصري الرائع حسن فتحي، وبدون حديد تسليح، وهي مضاءة بنور رب العباد، وهواء نقي، ودفء في الشتاء، وبرودة في الصيف. إنها عمارة حسن فتحي التي يطلق عليها في العالم “عمارة الفقراء”.

لدرجة انه أقيمت ندوة لمدة ثلاث أيام في الأقصر نظمتها اليونسكو حول عمارة حسن فتحي حضرها جميع مهندسي العمارة في العالم المتخصصين. في عمارة حسن فتحي للتعرف على الطبيعة بزيارة قرية حسن فتحي في الأقصر.

منذ ذلك اليوم أصبحت أنا ومحمد العبار أصدقاء. وحكى لي تفاصيل قصة كفاحه، وأن والده ووالدته وإخوته كانوا يعيشون في غرفة واحدة، في دبي حتى حصل على بعثة في الولايات المتحدة من حكيم العرب الشيخ زايد رحمه الله ومن يومها بدأ المشوار .

عاد محمد العبار من بعثته ليؤسس أكبر شركة تطوير عقاري في الشرق الأوسط وهي “إعمار”، ويصبح رئيس مجلس إدارتها، وينفذ العديد من المشروعات في مختلف دول العالم وليس في الإمارات فقط. وفي مصر نفذت شركته العديد من المشروعات الرائعة داخل مصر.

كانت قصة كفاحه من أهم ما أثر فيّ، فهو إنسان بسيط، مكافح، يفتخر بتاريخه والاهم من ذلك اصبح يحب مصر اكثر من المصريين.

ومرت الأيام والسنين، ورغم المشغوليات، بقيت الصداقة موجودة. حتى جاء صيف قبل عدة سنوات، وشاهدت محمد العبار يتحدث في وسائل الإعلام أنه يبني أكبر منتجع سياحي في الساحل الشمالي في منطقة العلمين، وهي من اجمل مناطق الساحل الشمالي وأخذ يتحدث بحماس أن هذه المنطقة لا مثيل لها في البحر المتوسط، من روعة ألوان مياه البحر، وصفاء القاع، وجمال الحياة فيها.

شعرت بحب هذا الرجل لمصر، وهو الذي بنى برج خليفة في دبي، وأصبح من أوائل المطورين العقاريين في العالم العربي.

شاهدت يومها محمد العبار على شاشات التليفزيون وهو يقول: “تعالوا شوفوا أجمل شواطئ الدنيا في مصر”. ومن يراه سيقول إنه يتحدث بكل هذا الحب عن مصر.

وخلال هذا الشهر، تواجدت في مارينا (ميناء) منتجع المراسي، لليخوت والمراكب الشراعية وهذه قصة أخرى سأقوم بسردها الأسبوع القادم، والتي نجح فيها محمد العبار في جذب أبناء الإمارات المقيمين لقضاء عطلاتهم هنا بدلاً من أوروبا.

في الساحل الشمالي حتى انك في شوارع مارينا منتجع مراسي ستشعر الان انك في دبي وليس في مصر، وهذه ستكون مقالة الأسبوع القادم.

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

Email: [email protected]

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخبار اليوم.

للإطلاع على المزيد من مقالات الكاتب  أضغط على الرابط التالى :

الرئيسية