يأتي احتفال المصريين بعيد “وفاء النيل” كل عام ليجدد الارتباط التاريخي والوجداني مع شريان الحياة، ويُعيد إلى الأذهان تلك الطقوس الشعبية التي امتدت عبر القرون من “جبر الخليج” وحتى الاحتفال الرسمي بعيد النهر الخالد. غير أن هذه الذكرى لم تعد مجرد طقس احتفالي، بل صارت فرصة للتحذير من المخاطر المتزايدة التي تهدد نهر النيل، وفي مقدمتها تلوث مياهه بالعناصر الثقيلة وتأثير بناء السدود على التوازن البيئي والصحي في دلتا النيل.
◼️ من “جبر الخليج” إلى عيد وفاء النيل
كان المصريون ينتظرون في شهر أغسطس من كل عام منسوب مياه النيل، ليبدأ “جبر الخليج” كطقس احتفالي يشارك فيه المجتمع بأكمله تمجيدًا لدور النهر في حياة الوطن، قبل أن يتحول لاحقًا إلى عيد “وفاء النيل” مع التوسع العمراني وردم أجزاء من مجرى الخليج.
◼️ مصر الأكثر تأثرًا بتلوث النيل في حوض النهر
اليوم، وبينما تُعد مصر أكثر دول حوض النيل اكتظاظًا بالسكان وأشدها جفافًا وتعتمد كليًا على النهر كمصدر لمياه الشرب والري، تتصدر تحديات تلوث النيل جدول أولويات الأمن القومي، خاصةً في ظل تصاعد العجز المائي المستمر منذ مطلع القرن الحالي ومحاولات تعويضه بإعادة استخدام مياه الصرف دون معالجة كافية.
◼️ دراسة مصرية – أمريكية تكشف خطورة العناصر الثقيلة
كشفت دراسة حديثة قادها العالم المصري د. عصام حجي – ونُشرت في مارس 2023 بدورية Earth’s Future – عن مستويات غير مسبوقة من التلوث بالعناصر الثقيلة في دلتا النيل. الدراسة اعتمدت على تحليل 20 عينة من قاع فرعي رشيد ودمياط، وتبيّن أن التلوث يتفاقم شمالًا بفعل إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والبلدي والصناعي دون معالجة، إلى جانب تأثير بناء السدود الجديدة.
◼️ تهديد مباشر لأمن مصر الغذائي وصحة 60 مليون مواطن
أكدت الدراسة أن تراكم الكادميوم والنيكل والنحاس والرصاص والزنك في طمي النهر يشكل خطرًا صامتًا على صحة أكثر من نصف سكان مصر، كما يُضعف إنتاجية المحاصيل في الأجل القصير، ويتسبب في تدهور بيئي واسع المدى على المدى الطويل.
◼️ سدود أعالي النيل.. تأثير خطير على التوازن البيئي
حذّرت الدراسة من أن استمرار بناء السدود الكبرى – وفي مقدمتها سد النهضة – سيُضاعف من تركيز الملوثات في الدلتا، نتيجة تعطّل حركة الرواسب وعدم قدرة النهر على طرد الملوثات بشكل طبيعي إلى البحر المتوسط.
◼️ ماذا يجب أن نفعل؟
يقترح الباحثون ضرورة التوسع في معالجة مياه الصرف قبل إعادة استخدامها، والتنسيق المشترك بين دول حوض النيل لإدارة تدفقات المياه والسدود، إضافة إلى استبدال المحاصيل شديدة الاستهلاك للمياه بمحاصيل أقل احتياجًا.
كما تؤكد الدراسة أهمية إصدار تشريعات دولية للحد من التلوث والصراعات البيئية، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي والمنظمات المتخصصة.
🟦 ندق ناقوس الخطر
إن الهدف من دق ناقوس الخطر ليس إثارة المخاوف، بل توجيه الأنظار إلى ضرورة التعامل العلمي مع ظاهرة التلوث، بما يحفظ مياه النيل ويدعم استدامة دلتا النهر التي تعد ركيزة الأمن الغذائي المصري.
حفظ الله مصر قيادة وشعبًا، ووقاها شرّ كل ما يهدد نهرها الخالد.



