مع قيام دولة محمد على «1805» بمصر، ولد نظام الباشوات، وصك الباشوية كان يأتى لصاحب النصيب من إسطنبول رأسا، وباشوات مصر فى البداية لم يكونوا مصريين بل كانوا خليطا من الأتراك والشراكسة، والأكراد، والروم، والمغاربة، يعنى كلهم أجانب ولم يكن من حظ المصريين فى ذلك العهد أن يتوجوا باشوات من إسطنبول مدعية الخلافة، والمصريون هم أصحاب البلد!
لكن مع تولى الخديو سعيد بدأ الباشوات المصريون فى الظهور، ثم تزايد عددهم حتى أصبحوا طبقة تتصارع مع الباشوات الأجانب أيام إسماعيل (1863-1879)، ومع إنشاء مجلس شورى النواب (1866) بدأ ظهور الباشوات المصريين الوطنيين الذين يقودون الحركة القومية، وكان لابد من وقوع الصراع بين الباشوات المصريين والباشوات الأجانب، واستمر الصراع متعادلا حتى نهاية أيام الملك فؤاد، وبمرور الوقت استطاع الباشوات المصريين أن يسيطروا أيام الملك فاروق.
على أى الحالات لم يكن الباشوات سوى حاشية للملك، حتى الباشوات المصريين الذين ظهروا وتولوا قيادة الشعب والحركة الوطنية من أيام مجلس شورى النواب من 1866 ثم أيام الثورة العرابية، ثم قادوا بعد ذلك ثورة 1919 حتى هؤلاء انتهى بهم الأمر بأن أصبحوا حاشية للنظام الملكى رغم ما كان بينهم من صراعات وخصومات على المغانم وحزبيات، وهم أيضا مرتبطون بالسفارة البريطانية ارتباطا وثيقا، والملك ينقل الحكم من طائفة من الباشوات إلى طائفة أخرى…!
وعندما كانت تسقط وزارة، وتقوم وزارة أخرى يذهب الجميع ليوقعوا فى دفتر التشريفات، والملك لا يستطيع أن يعهد إلى أحد فى تأليف الوزارة إلا بإذن الإنجليز، وعندما أراد فاروق أن يتجاهل حق الإنجليز فى هذه الناحية لطموه على وجهه، وأرغموه مثلا فى حادث 4 فبراير الشهير على قبول مصطفى النحاس باشا رئيسا للوزراء.
وما حدث فى 4 فبراير هو أن الملك ورجاله أرادوا مخالفة القواعد ويختاروا الوزارة بأنفسهم فأرغموا تغييرها على حسب رغبة المندوب السامى الإنجليزي، وبعد قيام وزارة النحاس التى رضى عنها الإنجليز عادوا جميعا على مائدة «السير مايلز لامبسون» فلم يكن من الممكن أن يعين رجل وزيرا أيا كان مركزه وانتماؤه الحزبى إلا إذا كان على علاقة طيبة بالسراي.
وبدا واضحا أن ما جعل الشعب لا يتباكى على مجتمع الباشوات بعد قيام ثورة يوليو أن مجتمع الباشوات كان على صلة وثيقة بالملك والسراى أكثر من صلته بالشعب، فكانوا جزءا من القصر وحواشيه، وقد وهنت الصلة التى تربطهم بالشعب وقضاياه، وسبب آخر أهم، هى صلة هذا المجتمع الباشواتى بالإنجليز، ودار المندوب السامي، فلم يكن من الممكن أن يدخل رجل الوزارة إذا كان للإنجليز عليه اعتراض، مما يعنى أن رضاء الملك والإنجليز أهم عند الباشوات من رضا الشعب وقضاياه ومصيره.
كل ذلك جعل مجتمع الباشوات هشا، ومكن ثورة 52 من القضاء عليهم نهائيا وتسريحهم وسلبهم كل ما اكتسبوه ظلما وعدوانا وتحديد ملكياتهم الزراعية وإبعادهم تماما عن الحياة السياسية.. وإلغاء لقب الباشوية وجميع الألقاب الملكية فى محاولة للقضاء على ما يفصل بين الشعب وحكامه، وبذلك لم يعد للباشوات غير تذكر الأيام الخوالى.



