في الوقت الذي تُطلق فيه وزارة السياحة والآثار أول منصة رقمية لتدريب الكوادر العاملة في القطاع السياحي والأثري تحت اسم “EGTAP.com”، تتجلى أمامنا فرصة فريدة يجب ألا تضيع بين ضجيج الاحتفال الإعلامي وضغوط العمل الروتيني.
صحيح أن إطلاق المنصة يُعد خطوة غير مسبوقة في مسار التحول الرقمي وبناء الإنسان، ولكن السؤال الأهم الآن هو: هل نكتفي بتدريب من هم داخل القطاع فقط؟ أم نستثمر هذه المنصة في صناعة جيل جديد من الكفاءات قبل دخولهم للمجال؟
تدريب حقيقي لا بروتوكولات ورقية
لقد وقّعت الغرف السياحية وعلى رأسها غرفتا المنشآت الفندقية والمطاعم بروتوكولات تعاون مع عدد من الجامعات والمعاهد السياحية العليا لتدريب الطلاب وتأهيلهم. لكنها حتى الآن، لم تتجاوز حدود التصريحات الإعلامية واللقطات التذكارية. لم تُفَعَّل تلك الاتفاقيات لأن وزارات التعليم المعنية لم تمنحها الغطاء المؤسسي اللازم. وهنا مكمن الخطر.
نحن لا نحتاج مزيدًا من البروتوكولات، بل إلى إرادة تنفيذية واضحة، تضمن التفعيل السريع والفوري لكل ما تم الاتفاق عليه بين الغرف السياحية والمؤسسات التعليمية. نريد أن يتحول التدريب من بند في ورقة إلى ساعات حقيقية من التعلم والتطبيق.
المؤسف أن بعض هذه الاتفاقيات وُقّعت منذ سنوات، دون أن ترى النور. وحتى في الحالات التي شهدت خطوات تنفيذية، فقد اقتصرت على مبادرات محدودة بلا استمرارية أو تقييم.
منصة وطنية لجميع الأنشطة السياحية
منصة “EGTAP” يجب ألا تُختزل في كونها أداة تدريب لموظفي الوزارة أو للعاملين في الفنادق، بل يجب أن تتسع لتغطي كافة الأنشطة:
- شركات السياحة والنقل السياحي
- الإرشاد السياحي
- الحرف اليدوية والتراثية
- تنظيم الفعاليات والمهرجانات
- السياحة البيئية والمستدامة
ولعل الأهم من ذلك، هو أن تقدم المنصة برامج تدريبية تراعي التدرج في المستويات: من المبتدئ حتى المحترف، بحيث تُعطي فرصة حقيقة للتدرج المهني، وتفتح أمام العاملين أبواب الترقّي داخل السوق.
وينبغي أن تعتمد المنصة على نظام تقييم دقيق، يرتبط بنتائج التدريب، ويُمنح من خلاله المتدرب شهادة موثوقة يُمكن أن يعتمد عليها في تطوير مساره المهني أو حتى عند التقدم للوظائف داخل أو خارج مصر.
نشر الوعي قبل المهارة
واحدة من أبرز مشاكل القطاع أن كثيرًا من العاملين يفتقدون للوعي بأهمية الدور الذي يقومون به. إن تدريبهم على المهارة لا يكفي، بل يجب أن نُعلِّمهم كيف يكونون سفراء حقيقيين للسياحة المصرية. كيف تكون تصرفاتهم، وابتسامتهم، وطريقتهم في التواصل، جزءًا من ذاكرة الزائر، ودافعًا لعودته.
إن السائح قد ينسى تفاصيل الفندق، لكنه لا ينسى موظف الاستقبال، أو المرشد، أو النادل الذي قابله. وعلينا أن نفهم أن العامل السياحي هو أول وآخر انطباع في رحلة السائح.
يجب أن تحتوي برامج التدريب على وحدات في:
- الثقافة السياحية وأخلاقيات المهنة
- التواصل متعدد الثقافات
- كيفية التعامل مع الشكاوى والمواقف الطارئة
- أهمية النظافة والمظهر العام واللغة غير اللفظية
- جيل جديد يبدأ من مقاعد الدراسة
ما نحتاجه فعلاً هو أن تتحول منصة EGTAP إلى مكون أساسي في العملية التعليمية داخل كليات ومعاهد السياحة والفنادق. وهذا لن يحدث إلا من خلال بروتوكول حقيقي وفاعل بين:
- وزارة السياحة والآثار
- وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
- وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني
هذا البروتوكول يجب أن يشمل الآتي:
1. تعديل المناهج التعليمية لتشمل وحدات تدريب رقمية من منصة EGTAP.
2. تدريب الأساتذة والمحاضرين أنفسهم على استخدام المنصة.
3. اعتبار الحصول على شهادة EGTAP أحد متطلبات التخرج.
4. الربط بين الطلاب المتدربين وفرص العمل أو التدريب العملي الحقيقي.
حلول واقعية قابلة للتنفيذ
1. إلزام الطلاب بالالتحاق ببرامج المنصة كشرط للتخرج في الكليات والمعاهد السياحية.
2. تحفيز القطاع الخاص لتبني المتدربين المتميزين وتقديم فرص تدريب ميداني لهم.
3. توفير حوافز للمتميزين مثل أولوية التعيين في المشروعات السياحية القومية.
4. إنشاء وحدة متابعة وتقييم لأداء المتدربين وربط نتائجهم بسوق العمل.
5. منح نقاط تأهيل مهني لكل دورة يجتازها المتدرب، تكون جزءًا من تقييمه المهني والترقي.
6. الترويج الإعلامي للقصص الناجحة في التدريب لخلق حافز مجتمعي.
منصة لتشكيل عقل العامل السياحى
منصة EGTAP ليست مجرد موقع إلكتروني جديد، بل يمكن أن تكون حجر الأساس لمنظومة وطنية حقيقية تُعيد تشكيل عقل العامل السياحي وتُؤسس لجيل واعٍ، مدرب، ومتمكن.
إننا لا نملك رفاهية الانتظار، ولا نتحمل تكرار أخطاء الماضي. فالعالم يتحرك بسرعة، والسياحة اليوم لا تعترف إلا بالجودة والتخصص.
فلنُحسن استثمار هذه المنصة، ونجعل منها نقطة تحول في مسيرة السياحة المصرية.
لنجعل من كل عامل في القطاع سفيرًا لبلده، لا بالشعارات، بل بالكفاءة والوعي والانضباط.
فالسائح قد يأتي مرة بدافع الفضول، لكنه لا يعود إلا بدافع الإعجاب والانبهار.
إن أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، وعلى الله العلى القدير قصد السبيل



