في مثل هذا اليوم، السبت 26 يوليو، تحل ذكرى رحيل أحد عمالقة الأدب والفكر العربي، الأديب والمفكر توفيق الحكيم، الذي غاب عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 1987، بعدما ترك إرثًا أدبيًا وفكريًا لا تزال أصداؤه تُسمع وتُدرس في الجامعات والمنتديات الأدبية والثقافية في مصر والعالم العربي.
ولد الحكيم في 9 أكتوبر 1898، في زمن كانت مصر تبحث فيه عن هويتها الحديثة، فكان هو أحد الذين أسهموا بقوة في تشكيل هذه الهوية، من خلال أعماله التي مزجت بين الفلسفة والفن، وجعلت من المسرح العربي منصة للتفكير والتأمل، وليس فقط للترفيه أو التسلية.
رائد المسرح الذهنى
حين نُشرت مسرحيته الخالدة “أهل الكهف” عام 1933، لم تكن مجرد عمل فني، بل كانت لحظة فاصلة في تاريخ المسرح العربي، إذ دشّنت ما عُرف لاحقًا بـ”المسرح الذهني”، الذي يعتمد على الفكرة والرمز والجدل العقلي، في وقت كانت فيه الكلمة تُحاصر بالشكل أكثر من المضمون.
ولم يكن المسرح هو الميدان الوحيد الذي برع فيه الحكيم، بل امتد أثره إلى الرواية والمقال والسيرة الذاتية والدراسات الفكرية، وجاءت أعماله مرآة عاكسة لتحولات المجتمع المصري ما بين الاستعمار والثورة، وبين الطموح القومي والانكسارات السياسية.
شاهد على زمن من التحولات
عاصر الحكيم أبرز المحطات التاريخية في مصر: من ثورة 1919 إلى قيام ثورة 1952، ومن الاحتلال البريطاني إلى بزوغ نجم جمال عبد الناصر، فكان شاهدًا ومشاركًا ومؤثرًا في هذه التحولات، بأعماله وكتاباته الجريئة.

وقد وصف بنفسه مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بـ”العصر الشكوكي”، إشارة رمزية إلى ما اعتبره تراجعًا في الذوق العام، والتباسًا في القيم الثقافية، مؤكدًا أن الأدب لا بد أن ينهض بدوره التنويري.
من “عودة الروح” إلى “عودة الوعي”
عُرفت رواية “عودة الروح” التي كتبها عام 1928، بأنها إحدى أبرز الروايات التي مهّدت نفسيًا وفكريًا لثورة يوليو، حتى أن الرئيس عبد الناصر كان يحتفظ بنسخة منها، ويرى فيها روحًا وطنية تتجاوز حدود الأدب إلى السياسة والمصير.
أما روايته “عودة الوعي” التي صدرت بعد نكسة 1967، فقد فجّرت جدلًا كبيرًا بمراجعتها الجريئة للتجربة الناصرية، واعتُبرت شهادة مهمة من أديب كان من المحيطين بالحكم، لكنه لم يهادن أو يجامل حين رأى انحراف البوصلة.

تكريم وطني مستحق
نال توفيق الحكيم قلادة الجمهورية من الرئيس جمال عبد الناصر، وجائزة الدولة التقديرية، واحتل مكانة خاصة في وجدان الدولة والمجتمع، ليس فقط بفضل إنتاجه الغزير، بل أيضًا لالتزامه بقضايا الوطن، وحرصه الدائم على أن يكون الأدب في خدمة الإنسان والحرية والعدل.
تراث لا يُنسى
من أبرز أعماله الروائية: يوميات نائب في الأرياف، عصفور من الشرق، حمار الحكيم، أشعب، راقصة المعبد، الرباط المقدس.
ومن مسرحياته: أهل الكهف، شهرزاد، الأيدي الناعمة، الملك أوديب، براكسا، سليمان الحكيم، بجماليون.
أما مقالاته ودراساته، فتمثل وثائق فكرية لمرحلة شديدة الثراء والتعقيد، تناولت قضايا الحكم، والدين، والعقل، والفن، والحرية.

في الذاكرة دائمًا
في ذكرى رحيله، لا نقف أمام رحيل جسد، بل أمام أدبٍ حيّ لا يموت، وشاهد على عصر، وصوت ظل يصدح بالحكمة والفكر حتى آخر لحظة.
إنه توفيق الحكيم، الذي وإن غاب عن دنيانا، إلا أنه باقٍ في ضمائر الأجيال، وحيّ في كل سطر من كتاب، وكل مسرحية تُعرض، وكل عقل يُفكّر.
رحم الله الحكيم… ودام أثره نبراسًا لكل من يكتب، ولكل من يقرأ.



