“إنا كل شيء خلقناه بقدر” – صدق الله العظيم (القمر: 49)
في عمق الغابات الاستوائية يدور صراع صامت لكنه مذهل بين كائنين لا يلفتان الأنظار ظاهريًا: دبور الجوهرة (Jewel Wasp) والصرصور. غير أن ما يحدث بينهما ليس مجرد افتراس، بل عملية سيطرة ذكية ومعقدة، تُحوِّل الصرصور إلى كائن فاقد الإرادة، ليكون حضانة حية للدبور ونسله القادم.
🐝 دبور الجوهرة.. الفارس الماكر
المعروف أيضًا باسم “دبور الصراصير الزمردي”، ينتمي إلى شعبة المفصليات، ويعيش منفردًا. تتغذى الحشرات البالغة على سوائل أجسام فرائسها، بينما تعتمد اليرقات على صراصير مشلولة توفرها الإناث بطريقة مذهلة. تلسع أنثى الدبور الصرصور وتحقنه بسم خاص، ثم تجره إلى جحرها، وتضع عليه بيضة واحدة. وما إن تفقس، تبدأ اليرقة في التهام الصرصور من الداخل دون قتله سريعًا، فيبقى حيًّا لفترة تسمح لها بالنمو الكامل حتى تتحول إلى دبور بالغ.
🧠 كيف يتحول الصرصور إلى “عبد مطيع”؟
بمجرد أن يعثر الدبور على فريسته، يقوم بلسعتين:
الأولى تصيب الصدر وتحدث شللًا مؤقتًا.
الثانية تستهدف مباشرة مركز الأعصاب في الدماغ، وتحقن مزيجًا من:
- GABA (جاما بيوتريك أسيد): لتثبيط النشاط العصبي.
- الدوبامين: لتغيير السلوك.
- التاورين: لتهدئة الجهاز العصبي.
بهذا المزيج يصبح الصرصور أداة طيعة، يُقاد بخضوع إلى الجحر كما يُقاد الحصان باللجام.
🐛 الحضانة الحيّة
بعد وضع البيضة، يغادر الدبور ويغلق الجحر. تفقس البيضة خلال يومين، وتبدأ اليرقة في التغذي على الأنسجة غير الحيوية أولًا، لتُبقي الصرصور حيًا أطول فترة ممكنة. بعد أيام، تتشرنق وتتحول إلى دبور بالغ، وتبدأ دورة حياة جديدة.
🔬 العلم والتأمل في مشهد قاسٍ
رغم قسوة المشهد، يرى العلماء فيه مثالًا مذهلًا على:
- التحكم في السلوك
- الطفيلية السلوكية
- الابتكار التطوري
ويتم حاليًا دراسة هذا السلوك لتطوير تقنيات طبية وعصبية دقيقة، وحتى أنظمة تحكم في الروبوتات والذكاء الحيوي.
🧪 إسقاط رمزي على واقع الشرق الأوسط
الحياة لا تسير دائمًا وفق المبادئ المثالية، بل تحكمها أحيانًا قوانين الصراع والبقاء. وما يفعله دبور الجوهرة لا يختلف كثيرًا عن ما يمارسه “الدبور الأمريكي” لحماية “يرقته الصهيونية” في الشرق الأوسط.
تمامًا كما يفقد الصرصور إرادته تحت تأثير مزيج كيميائي، تُمارس قوى الهيمنة أدواتها السياسية والإعلامية والاقتصادية لتغييب وعي الشعوب، وتمرير مشاريع التفتيت والتقسيم والهيمنة، كما حدث في العراق وسوريا وليبيا والسودان وفلسطين.
كل ذلك لحماية الكيان الصهيوني وتغذيته، على حساب الشعوب العربية ومقدراتها، في مشهد لا يقل قسوة عن ذاك الذي يحدث في جحر دبور الجوهرة.
“أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون” – صدق الله العظيم (المؤمنون: 115)
“وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم…” – صدق الله العظيم (الأنعام: 38)



