أخباراتصالات وتكنولوجيابأقلامهم

” سعيد جمال الدين ” يكتب : حريق سنترال رمسيس… حين كشفت النيران هشاشة الشبكة الرقمية لمصر !!

في يوم 8 يوليو، 2025 | بتوقيت 3:23 مساءً

في صباحٍ لم يكن ككل صباح، اندلع حريق هائل في مبنى سنترال رمسيس، واحد من أهم مراكز الاتصالات في البلاد، ليصيب قلب الشبكة الرقمية المصرية بالشلل. لم يكن مجرد حادث عرضي في مبنى إداري تابع للمصرية للاتصالات، بل لحظة كاشفة خلخلت ثقة المجتمع في بنية رقمية كان يُفترض أنها عماد التحول الرقمي الذي ترفعه الدولة شعارًا وتوجهًا.

فالانقطاع المفاجئ في الإنترنت والمكالمات والبنوك، ووصول التأثير إلى خدمات الطوارئ والمرافق الحيوية، يضعنا أمام سؤال صارخ: هل يمكن أن تنهار الدولة رقمياً بسبب نقطة فشل واحدة؟

السبب الحقيقي ليس الحريق… بل التصميم

الحريق لم يكن سوى العامل المُفجِّر، لكن الكارثة لم تكن نيرانًا فقط، بل ما كشفته من اعتمادنا الكامل على ما يُعرف في هندسة الشبكات بـ نقطة الفشل الوحيدة (Single Point of Failure). وهو مصطلح يستخدم لوصف أنظمة تعتمد على نقطة مركزية واحدة، إذا تعطلت، تعطلت المنظومة بأكملها. وهذا، ببساطة، ما حدث.

لقد سقط سنترال رمسيس، فسقطت معه المنظومة. وهذا يعني شيئًا واحدًا: أن الشبكة لا تزال مصمّمة وفق نموذج تقليدي متهالك، يسمى “الشبكة النجمية” (Star Network)، حيث تتفرع جميع نقاط الخدمة من مركز رئيسي واحد، بلا أي مسارات بديلة فعّالة.

حريق سنترال رمسيس الرئيسى

الشبكات الحديثة: درع الأمان في العصر الرقمي

الدول التي تعي قيمة البنية الرقمية، تبني شبكاتها وفق تصميم حديث يُسمى Mesh Architecture، وهو نظام يربط كل نقطة (Node) بالأخرى، مما يسمح بمرونة كاملة في توجيه البيانات عبر عدة مسارات تلقائيًا، دون الحاجة لتدخل بشري، وبذلك تتجاوز الأعطال دون أن يشعر المستخدم.

أنواع الشبكات المعتمدة في الدول المتقدمة:

  • Full Mesh Network: كل نقطة متصلة مباشرة بكل النقاط الأخرى، وهو النظام الأعلى في الحماية.
  • Partial Mesh Network: ربط النقاط الأساسية ببعضها، بينما تتصل النقاط الفرعية جزئيًا، لتحقيق توازن بين الاعتمادية والتكلفة، خاصة في المدن والمحافظات.

وبينما يتحدث المسؤولون عن التحول الرقمي و”مصر الرقمية”، نكتشف أننا لا نملك البنية التحتية التي تواكب حتى أساسيات هذا التحول.

من الحريق إلى الحل: ماذا يجب أن نفعل الآن؟

علينا أن نقرّ أن إعادة بناء ما احترق ليست نهاية القصة، بل بدايتها. فالواجب الآن هو:

1. إعادة تصميم البنية التحتية للشبكات القومية بالكامل وفق نموذج التوزيع (Mesh).

2. إزالة الاعتماد على نقطة مركزية واحدة، عبر إنشاء مسارات احتياطية متكافئة في الكفاءة.

3. تطوير نظم التشغيل الذكية التي تكشف الأعطال وتحوّل المسارات تلقائيًا.

4. توسيع الاستثمار في مراكز البيانات (Data Centers) وربطها بنظام لامركزي فعّال.

التحول الرقمي بدون شبكة مرنة… سراب

نحن نعيش في زمن أصبحت فيه البنية الرقمية ليست فقط مسألة تكنولوجية، بل قضية أمن قومي واقتصاد واستقرار اجتماعي. ومن غير المقبول أن تتوقف دولة بأكملها بسبب خلل في سنترال واحد. التخطيط الشبكي لم يعد من اختصاص شركات الاتصالات فقط، بل جزء من بنية الدولة الحديثة.

رسالة للمسئولين: التكنولوجيا بلا استراتيجية أمنية… خطر داهم

إذا كانت الحكومة المصرية جادة في سعيها نحو التحول الرقمي، فالأولوية القصوى الآن هي بناء شبكة ذكية، متعددة المسارات، مرنة، قابلة للصمود أمام الأزمات. ما عدا ذلك، مجرد ديكور على واجهة مشروخة.

رؤية نقدية نطرحها اليوم، لا لتصيد الأخطاء، بل لتحفيز المؤسسات على أن تواكب الواقع وتتجاوز منطق “الترقيع” إلى “إعادة البناء”. لأن في زمن الاقتصاد الرقمي، ثبات الشبكة = ثبات الدولة.

🟨 معلومة إضافية:

وفقًا لتقديرات مؤسسات تكنولوجية عالمية، فإن كل دقيقة من انقطاع الإنترنت على نطاق واسع في دولة متوسطة الحجم، قد تُكلف الاقتصاد المحلي أكثر من 100 ألف دولار.

واعتمدت دول مثل سنغافورة وهولندا واليابان بالكامل على تصميم Mesh في شبكاتها الوطنية منذ أكثر من عشر سنوات، لتأمين خدماتها المالية والصحية والتعليمية.

🌐 روابط مرجعية