أخباربأقلامهم

اللواء الدكتور ” سمير فرج ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : أزمة الحريديم … كرة أخرى!

في يوم 18 يوليو، 2025 | بتوقيت 7:35 صباحًا

بعد سنوات، من الشد والجذب، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه بصدد إرسال استدعاءات التجنيد إلى الآلاف من يهود “الحرَيديم”، المتشددين دينياً، الذين أعفاهم القانون من الخدمة العسكرية، منذ تأسيس دولة إسرائيل. وقال الجيش في بيانه أنه “سيبدأ خلال الأسبوع الجاري، في إرسال الاستدعاءات، لاستكمال إجراءات التجنيد للمتشددين دينياً، الذين لم تعد صفتهم، كطلاب في المدارس الدينية، صالحة بعد انتهاء العمل بالقانون”.

تشكل تلك خطوة تهديداً لمستقبل الائتلاف الحاكم بزعامة بنيامين نتانياهو، لما تشمله قضية تجنيد اليهود المتشددين من حساسية مفرطة. فعندما تشكلت حكومة نتنياهو، في ديسمبر 2022، كان عمادها تحالف بين حزب رئيس الوزراء الليكود، اليميني، وأحزاب يمينية متطرفة، ودينية يهودية متشددة، عازمة على الحفاظ على مميزات “الحرَيديم”، ومنها الإعفاء من الخدمة العسكرية، الذي يرفضه المجتمع الإسرائيلي، وتزايد رفضه، بعد 22 شهراً من بدء الحرب في غزة، مع حركة حماس الفلسطينية. بينما يرى الحاخامات المتشددين أن دراسة نصوص التوراة، والحفاظ على الهوية الدينية لإسرائيل لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية، بل يتساوى معها في حماية البلاد.

يُشكل “الحرَيديم” حالياً، نحو 14% من سكان إسرائيل، أي نحو 1,3 مليون نسمة، بينهم 66 ألف رجل، في سن الخدمة العسكرية، وينطبق عليهم شروط الانضمام للجيش الإسرائيلي. وقد أضاف بيان الجيش عزمه على مواصلة الجهود لتوسيع نطاق تجنيد أفراد المجتمع من المتشددين دينياً، “الحرَيديم”، من خلال إرسال أوامر الاستدعاءات على دفعات خلال شهر يوليو، وصولاً إلى إجمالي 54 ألف أمر استدعاء، مع التأكيد على ضمان توفير أفضل الظروف للحفاظ على أسلوب حياتهم الخاص.

اشتُق اسم “الحرَيديم” من كلمة “الحرَيدي”، التي تعني “التقيّ” بالعبرية. يعتبر “الحرَيديم” أنفسهم من الأصوليين المحافظين على الديانة اليهودية، من خلال التزامهم بتعاليم التوراة، وتطبيق الطقوس الدينية في حياتهم اليومية. فينتظم الذكور في المدارس الدينية حتى سن الأربعين، ولا يشاركون ضمن القوى العاملة في المجتمع الإسرائيلي، ولا يخدمون في الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن أن أسلوب حياتهم المتشدد، الذي يمنع الاختلاط بين الجنسين، يتعارض مع الأعراف العسكرية الإسرائيلية، التي يتم فيها تجنيد الذكور والإناث، لمدة ثلاثة أعوام وعامين، بالترتيب. كما يُعرفون برفضهم الانفتاح على الثقافة الغربية، وقيم العلمانية، والنظم الديمقراطية كأساس للحياة السياسية والاجتماعية، استناداً على أن التوراة هي المصدر الوحيد للتشريع، وإدارة الحياة العامة للشعب اليهودي، لذا تجدهم يوظفون نفوذهم السياسي من أجل فرض التعاليم الدينية على الحياة اليومية للإسرائيليين.

بدأت فكرة إعفاء “الحرَيديم” من التجنيد، منذ قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، عندما أصدر بن جوريون قراره باعتبارهم الحافظين للديانة اليهودية، وهو ما خولهم الاكتفاء بالوجود في المعابد اليهودية، وقصر مهمتهم على التفرغ لدراسة التوراة، كأساس لاستمرار الديانة اليهودية، مما يحول بينهم وبين أداء الخدمة العسكرية، خاصة مع التزامهم بعدم العمل أيام السبت، وتخصيصه لزيارة المعابد، وقراءة التوراة، التي يعتبرونها “السلاح الروحاني” لحماية إسرائيل.

واستمر تمتعهم بتلك الميزة حتى عام 2018، عندما أبطلت المحكمة الدستورية العليا الإسرائيلية قانون إعفاء هذه الطبقة من الخدمة العسكرية، إعمالاً لمبدأ المساواة، وأتاحت مهلة محددة لتوفيق الأوضاع. ومع انتهاء تلك المهلة، أعلن النائب العام الإسرائيلي، التزام الجيش بتجنيد رجال “الحرَيديم” اعتباراً من يوم 1 أبريل، الماضي، مما أدى لاندلاع مظاهرات كبيرة، في تل أبيب، مطالبة باستمرار إعفائهم من التجنيد.

ولقد تأججت تلك الأزمة مع تصاعد أعمال القتال في غزة، التي أظهرت حاجة الجيش الإسرائيلي لدعم صفوفه بعناصر جديدة من الشباب، ومطالبات المعارضة، وعدد من نواب الائتلاف الحاكم، بضرورة تجنيد “الحرَيديم”، إعمالاً لمبدأ المساواة في توزيع الأعباء، بدلاً من إضافته إلى أولئك الذين يخدمون بالفعل. خاصة أن عناصر الاحتياط، التي تم استدعاؤها مع إعلان الحرب، وصاروا يشكلون قوام الجيش الإسرائيلي، أصبح من الضروري عودتهم لأشغالهم المدنية، للحد من نزيف الخسائر الاقتصادية التي خلفتها الحرب على الموازنة الإسرائيلية.

وفي مارس الماضي، أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، العبرية، بأن الخلافات داخل الائتلاف الحاكم بلغت ذروتها، وهدّد نواب “الحرَيديم” بإسقاط الحكومة، ليواجه نتنياهو مشكلة، فمن ناحية وافق على مطالب اليمين المتطرف باستمرار الحرب على غزة، ومن ناحية أخرى عجز عن سد الاحتياجات الإضافية للجيش للاستمرار في تلك الحرب، وهو ما دفعه، حينها، لاستمالتهم في محاولة لإنقاذ حكومته. وبالفعل، أبدت الأحزاب الحريدية استعدادها، المبدئي، للموافقة على مشروع قانون تجنيد، شريطة أن يتم التوصل إلى صيغة توافقية، بما يتماشى مع مصالحهم، على أن تُطرح لاحقاً، للتصويت في الكنيست الإسرائيلي. وبالفعل تمت صياغة مسودة مشروع قانون لتقديمه للكنيست، لاستصدار القرار من السلطة التشريعية، بدلاً من السلطة التنفيذية، إدراكاً من نتنياهو لما يمثله الأمر، برمته، من تهديد لكيان الدولة الإسرائيلية.

ووفقاً لما كشفت عنه القناة السابعة الإسرائيلية، فبعد انتهاء المهلة المحددة لتوفيق الأوضاع، التالية لقرار المحكمة الدستورية العليا بإبطال قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، تستعد، حالياً، لتنفيذ خطة إنفاذ قانونية، وُصفت بأنها غير مسبوقة، لملاحقة شباب “الحرَيديم” الرافضون للتجنيد، استعداداً لاستدعائهم في الشهر المقبل، سيتم، خلالها، محاصرة المدن الحريدية الكبرى، عبر نقاط التفتيش، لتحديد المتهربين من الخدمة العسكرية، مع إجراء مداهمات لاعتقالهم.

وهكذا، أثبتت حرب غزة هشاشة الائتلاف الحاكم، واتساع الفجوة بين الأحزاب الدينية والقاعدة العلمانية، وتصدر موضوع تجنيد “الحرَيديم” عناوين الأخبار والمناقشات داخل المجتمع الإسرائيلي، المنتظر للقرار النهائي، الذي سيحدد موقف حكومة نتنياهو مستقبلاً

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

Email: [email protected]

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخبار اليوم.