تعقيبًا على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتـيناهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، فإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أكد أن الموقف التاريخي للمحكمة يضع الدول الأعضاء أمام واجب قانوني يلزمها بإنفاذ ما جاء في المذكرة، وتنفيذ ما صدر من أوامر اعتقال بحقهما بعد المجـازر وجرائم الحرب وأعمال الإبادة في قطاع غزة وغيرها على مدار الساعة، تفنن خلالها في ابتكار أساليب تعذيب وانتهاك لكسر عزيمة الفلسطينيين وإنهاء صمودهم أمام آلته العسكرية التي أتت على الأخضر واليابس ولم تترك مكانًا داخل القطاع إلا واستهدفته ضمن استراتيجيته “لحرق الأرض” وإنهاء أي مظهر للحياة يسمح بعودة الفلسطينيين لمنازلهم ومناطق سكناهم في خطة ممنهجة لتهجير أصحاب الأرض والاستيلاء على حقوقهم، غير مبالٍ بما يمثله ذلك من نكبة جديدة تزيد في معاناة الشعب الفلسطيني الذي لمّا يبرأ من نكبته الأولى بعد – بل ما زال يكابد تبعاتها الإنسانية والحقوقية حتى يومنا هذا
إن المرصد إذ يتابع ما صدر عن المحكمة الجنائية الدولية فإنه يؤكد أهمية التعامل مع قرارها انطلاقًا من اعتبارات أخلاقية وإنسانية إلى جانب الاعتبارات القانونية الأصيلة فيها، إذ لما كانت عضوية المحكمة لا تشمل كل دول العالم فإن تنفيذ المذكرة يتطلب تضافر الجهود الدولية والانصياع لما جاء بها لمنع تكرار تلك الجرائم والإبادة التي تتقاصر الكلمات عن وصف بشاعتها، فالتضامن الدولي لا يقوم على شعارات مزينة بعبارات الشجب والتنديد فحسب؛ بل يحتاج إلى رؤية وبصيرة تحول تلك العبارات إلى واقع ملموس حقيقي تجد فيه الشعوب المهضومة حقوقها أملًا في مستقبل أفضل وأكثر أمنًا وعدلًا، ويعطي الأجيال القادمة بصيصًا من نور، فقرار الجنائية الدولية يأتي بعد أيام قليلة من احتفال العالم بيوم الطفل في حين يعاني الطفل الفلسطيني من انتهاكات جسيمة تنزع منه طفولته وحلمه في غد أفضل، ليجد نفسه يصارع تارة آليات الاحـتلال في شوارع وطنه وتارة أخرى ينازع لنيل أبسط حقوقه في التعليم والصحة والأمن – بل في الحياة
إن قرار المحكمة رهن بالتنفيذ، والتنفيذ رهن بالإرادة الدولية، والإرادة الدولية رهن بإيمانها بالمبادئ التي توافقت عليها الأديان وسطرتها المواثيق… فبإنفاذ القرار يتسنى صون ما تبقى من شرعة القانون في النظام الدولي، ليعلم الإرهابيون المحتلون أن جرائمهم لن تمر بلا حساب، وأن واحدهم سيظل حبيس جدران لا يبارحها خوفًا من توقيفه دوليًا.
إن عالمنا اليوم على مفترق طرق بين المضي في سياسة الإفلات من العقاب، أو انتشال ما تبقى من أسس القانون من وَحْل التعالي، وتغليب المصالح، وإعلاء شرعة الإرهاب