كنت على موعد مع محافظة الإسكندرية، كعضو لجنة مناقشة رسالة دكتوراه في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، تحت رعاية عميد الكلية، الأستاذ الدكتور هاني خميس، ورئيس لجنة المناقشة، الأستاذ الدكتور عبد الرحمن عبد الله عبد الرحمن، رئيس قسم الاجتماع بالكلية. كان موضوع الرسالة للباحثة ابتهال فاروق، عن “الدراما الوثائقية وعلاقاتها بتعزيز الهوية المصرية”، الذي أراه أحد أهم موضوعات الساعة، في مصر، بعدما أصبحنا نخاف على طمس هويتنا بواسطة الغزو الفضائي الخارجي، من السماوات المفتوحة.
وتصادف موعد ذهابي للإسكندرية مع توقيت نوة قاسم، فنصحني المقربين بضرورة المبيت في الإسكندرية قبل الموعد بيومين، عل الأقل، لتجنب السفر خلال النوة، المعروفة بشدة أمطارها، وما سيسببه ذلك من مشكلات مرورية، مرددين جملة “الإسكندرية بتغرق في كل نوة”، إلا أن ارتباطاتي المسبقة، بالقاهرة، حالت دون الأخذ بالنصيحة، وسافرت إلى الإسكندرية، في الموعد المقرر، فوجدت جوها صحواً، وشمسها ساطعة، وعلمت أن النوة انتهت في اليوم السابق، بعدما غسلت أمطارها الأشجار والشوارع.
فدفعني فضولي لسؤال صديقي السكندري عما إن كانت النوة قد جاءتهم ضعيفة، في هذا العام، خاصة وأنني لم ألمح لها آثار سلبية، على عكس التحذيرات التي تلقيتها، والمشاهد التي كنا نطالعها سابقاً،
فأكد لي أن العكس هو الصحيح، إذ جاءت النوة بنفس قوتها المعتادة، التي طالما أربكت الحياة في المحافظة، بتعطيل المصالح والأعمال والمدارس، نتيجة ارتفاع منسوب المياه في الشوارع، وكأنها شوارع مدينة فينسيا، في الشكل فقط، دون الاستعدادات والتجهيزات المتاحة للمدينة الإيطالية.
فسألته، بنفس الفضول، عن السبب وراء الفرق بين هذا العام والأعوام السابقة، فأجابني، ببساطة، قائلاً “جالنا محافظ كويس”، هو الفريق أحمد خالد، الذي كان يتابع، بنفسه، لمدة ثلاثة أيام، قبل موعد النوة، الاستعدادات لها، فكان يمر على مختلف الأحياء، لمتابعة قيام كل فرد بعمله، سواء فيما يخص نظافة البالوعات أو الشوارع، للتأكد من الاستعداد لاستقبال الأمطار، وتفادي مشكلات الماضي، بل وكان يقف مع عمال النظافة للحديث معهم عن أهمية دورهم في حماية المحافظة بأكملها، وتشجيعهم على القيام به على أكمل وجه.
ولما دخلت قاعة مناقشة رسالة الدكتوراه، رحب بي من فيها، قائلين الحمد لله حظك حلو، “جالنا محافظ كويس“.
نفس العبارة سمعتها قبلها بأسبوع في بلدي الحبيبة، بورسعيد، أثناء مشاركتي في احتفالات عيد النصر، الذي استعدت له المحافظة باحتفال كبير، حضره أكثر من ألف من أبناء بورسعيد، بما يليق بذكرى أغلى الانتصارات على إنجلترا وفرنسا في عام 1956.
وقبل إلقاء كلمتي، افتتح محافظ بورسعيد، اللواء محب حبشي، الاحتفال بكلمة، لخص فيها أهم أعماله، بعد ستة أشهر من توليه المسئولية، بدأها بأنه أنصت لشكاوى أبناء المحافظة، ومنها ما يرسلونه من خلال صفحات المحافظة على مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفاً أنه أحزنه أن قال أحدهم أن المحافظ لم يحل أي من مشكلات المحافظة منذ قدومه، إلا أنه فضل أن يكون رده على ذلك بالأفعال، لا بالكلمات.
فقد استطاع المحافظ حل واحدة من أكبر المشكلات التي تعاني منها بورسعيد، وهي الإسكان، إذ أن بورسعيد عبارة عن شبه جزيرة، ليس لها ظهير صحراوي، مما يشكل تحدياً أمام التوسع في الرقعة السكنية، إلا أن المحافظ نجح في وضع خطة متكاملة، لمدة ثلاثة سنوات، للتصدي لتلك المشكلة، وقد وافق عليها السيد رئيس الوزراء، خلال زيارته الأخيرة للمحافظة.
وقد عرض السيد المحافظ أركان تلك الخطة، وأعداد وأسعار ومساحات الوحدات السكنية التي ستضاف للمدينة. كما أعلن اللواء محب عن عودة تمثال دليسبس إلى بورسعيد، وهو القرار الذي أسعد قلوب كل أهالي بورسعيد، لأن التاريخ يكتب بالحقائق وليس بالأهواء.
كما تناول مشكلة النظافة، إحدى المشكلات التي تؤرق أبناء المحافظة، رغم رفضهم، الدائم، لفرص العمل المتاحة في هذا المجال، ومثلها مشكلة الردم، الذي تعاني المدينة من تراكم كمياته، بسبب عدم تخصيص أماكن لتجميعه، ولم يغفل مشكلات الصرف الصحي، خاصة في حي العرب، وهو ما يجري العمل على حلها، بعد رئيس الوزراء. كما أكد المحافظ العمل على استكمال أعمال منظومة التأمين الصحي، وغيرها من التطورات الواجب استكمالها في المحافظة.
انطلقت بعد الاحتفال للقاء عدد من أفراد عائلتي، في بورسعيد، الذين استقبلوني بوجبة رائعة من السمك البوري المشوي، الذي تتميز به مدينتي الجميلة، خاصة في هذا التوقيت من العام، وأثناء العشاء لم يكن للعائلة، التي اجتمع منها أكثر من ثلاثين فرداً، حديثاً إلا عن سعادتهم بتولي المحافظ محب الحبشي المسئولية، وما لمسوه من نهجه في استكمال ما بدأه المحافظ السابق عادل الغضبان، الذي قدم الكثير لبورسعيد، والحقيقة أنها سمة حميدة أن أي يتم البناء على الصالح مما سبق، لضمان الاستدامة والتطور.
ومن خبرتي الشخصية، كمحافظ للأقصر، لمدة 7 سنوات، أؤكد أن نجاح المحافظ في عمله، يعتمد، بالأساس، على تواجده في الشارع، واحتكاكه المباشر بأبناء المحافظة، والاستماع إلى مشاكلهم، ومقترحاتهم لحلها، وهو ما يعد النواة العملية لوضع خطة تطوير وتنمية المحافظة، والنهوض بها، بما يخدم أبناءها. وبالتدقيق فيما سمعته من أبناء محافظتي الإسكندرية وبورسعيد، أؤكد أن الشعب المصري ذكي، لا تخدعه الكلمات الرنانة، وإنما تهمه الأفعال، والنتائج، ليطمئن على حل المشاكل، وهو ما دفعهم لقول “جالنا محافظ كويس“.