فرضت الأحداث المُندلعة في غزة، منذ أكتوبر 2023، من قيام إسرائيل بمجازر ضد الشعب الفلسطيني، وتطور أعمال القتال إلى الضفة الغربية، وجنوب لبنان، وحتى إيران، انشغالاً عن المتابعة الحثيثة لأخبار الحرب الروسية الأوكرانية، التي أوشكت على بدء عامها الثالث، وأحدثت تأثيراً كبيراً على كل دول العالم.
إلا أن أوكرانيا فاجأت الجميع، في الأسابيع الماضية، بهجوم خاطف، على منطقة كورسك، وتوغلت لعمق 20 كيلو متر، داخل الأراضي الروسية، مستغلة غياب الدفاعات الروسية، المتمثلة في القوات المقاتلة، وقوات حرس الحدود، عن تلك المنطقة، مما كان سبباً في نجاح الاختراق الأوكراني. وبالطبع، لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي، وإنما سارعت في توجيه ضربات قوية، بالطائرات المسيرة، في عمق أوكرانيا، مستهدفة بنيتها الأساسية، سواء محطات الكهرباء أو المياه.
وأمام ذلك طلبت أوكرانيا، من أمريكا وإنجلترا، رفع القيود المفروضة عليها في استخدام الأسلحة لضرب عمق روسيا، وتحديداً عن الصواريخ طويلة المدى، من طراز ستورم شادو، تلك الصواريخ الفرنسية الصنع، التي تبلغ تكلفة الواحد منه مليون دولار أمريكي، ويصل مداه إلى 250 كيلومتر، ويتم إطلاقه بواسطة الطائرات المسيرة، باعتباره السلاح المثالي لاختراق التحصينات ومخازن الذخيرة الروسية، وإحداث تأثيراً شديداً عليها. إلا أن روسيا أعلنت، بوضوح، أن سماح أمريكا وإنجلترا والدول الأوروبية باستخدام أي من أسلحتهم في ضرب العمق الروسي، يعد بمثابة اشتراكاً مباشراً في الحرب، وهو ما سيؤدي لإعلانها حرباً عالمية.
وفي حين أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا تفهمهما لطلب أوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية والأوروبية للدفاع عن نفسها، وهو ما قد يستلزم ضرب العمق الروسي، إلا أنهما رأتا أن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد للصراع، الذي استمر، لعامين ونصف العام، حتى الآن. وهو ما تم الإعلان عنه خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى كييف خلال الأسبوع الماضي، من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أيد ذلك الأمر مع رئيس الوزراء البريطاني، الذي سيزور واشنطن لاحقاً.
وعلى صعيد متصل، أفادت التقارير بأن مهاجمة العمق الروسي، سيؤدي، حتماً، لتغيير قواعد الاشتباك الروسية، والتي ستعتمد، حينئذ، على حقها في استخدام السلاح النووي، باعتبارها دولة نووية تتعرض لهجوم على أراضيها. وفي هذه الحالة، سيحق لروسيا استخدام السلاح النووي سواء الاستراتيجي، أو التكتيكي ذو التأثير الأقل، نسبياً، لتدمير العاصمة كييف، مثلما استخدمته أمريكا، خلال الحرب العالمية الثانية، ضد نجازاكي وهيروشيما اليابانية.
ورغم إعلان وزير الخارجية الروسي من عدم ضرورة استخدام الأسلحة النووية، إلا أن ذلك لن يمنع بلاده من تحويل كييف إلى كتلة ملتهبة، لن يستطيع أحد إطفائها، ليزداد الموقف اشتعالاً، في منطقة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بينما الولايات المتحدة منشغلة بسباق الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 5 نوفمبر القادم، ووسط تطلعات العالم بتهدئة الأوضاع، لحين وصول الرئيس الأمريكي الجديد للحكم، أملاً في الاتجاه إلى حل سياسي للحرب.