أخبار عاجلةالمنطقة الحرةسلايدر

” الكاتب الصحفى الدكتور محمود عطية “يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : متعة التسول!!!

في يوم 30 يوليو، 2024 | بتوقيت 5:00 مساءً

علماء النفس يدركون مدى تعقد النفس الإنسانية ويؤكدون أنه لا شيء يخلو من متعة في حياة الإنسان .. ولذلك لم يستشعروا حرجا في القول بأن البني آدم يجد متعه أحيانا في تلقى العذاب من الآخرين ويرغب في المزيد منه.. وحالة التمتع بالعذاب مرصودة في كتب الأمراض النفسية تحت اسم المازوشية، والمتابع البسيط لأحوال ومستجدات الشارع المصري لا يجد صعوبة في رصد هجمة تسوليه “شحاته” مستعرة وسط لهيب الحر الذى يكاد يشوى الوجوه مما يجعلنا نجزم بأن التسول فى هذه الحالة هو إحد تجليات المازوشية..

كما أن المتسول لايجد غضاضة فى التعرض لازدراء الآخرين وتلقى الاهانة..وتجده يستعذب ما يحدث له بصدر رحب وكأنه يتلذذ باسقاط “برقع الحياء” كما يردد التعبير الشعبى.. ويتفنن فى استعمال أدوات بدائية يشوه بها وجهه ويرتدى ملابس رثة وممزقة لإتقان تسوله.. ومنهم من يظل بملابسه الأنيقة حتى يبدو كأنه يجابه ضيقا ماليا حديثا..ومن يرفع روشتات دوائية ادّعاء بأنه مريض..ولا يجدون حرجا فى استغلال الأطفال وذوى الهمم في التسول لمزيد من الابتزاز العاطفى.

حلوان المرج

غالبا ما استخدم مترو الأنفاق فى تنقلاتى نظرا لسرعته وانضباطه ..لكن ما ينغص عليا ارتياده أن عربات مترو الأنفاق باتت مكانا مفضلا لأرباب التسول والباعة الجائلين وخاصة “خط حلوان المرج” فى الفترة المسائية والأشد غرابة أن عدد المتسولين والباعة فى ازدياد لا ينقطع يكاد يفوق عدد الركاب ..وتتنوع طرق التسول والشحاته مما يقطع بأنها تجارة رائجة وممتعة.. والا ما كان ذلك الإقبال عليها رغم الحر الشديد والعرق والاجهاد.. وتجد كل الأعمار والأجناس من بداية الطفولة حتى الكهولة تشارك فيما يمكن أن نطلق عليه مهرجان “التسول للجميع” ويستعدون له بارتداء أزياء تسولية متباينة فتشعر كأنك وسط أحد كرنفالات أمريكا اللاتينية داخل عربات المترو..!

وليس مستغربا أن ترى داخل عربة المترو “متسول شاب” ممسكا بروشته فى الغالب مضروبة ويتدلى منه كيس دم مربوط بجزء حساس من جسده وهو يردد انه فى حاجة لمجموعة أدوية وعملية سريعا.. ولا تتعجب كيف خرج من المستشفى بهذه الهيئة.. ثم ينتقل لعربة أخرى بالمترو بمنتهى السلاسة والخفة ليفسح المجال لامرأة تحمل طفلا وتبكى بحرقة لأنها تريد شراء لبن لطفلها وزوجها عاجز بالمنزل وصغارها ينتظرونها لتحضر لهم الطعام..ومن بعد يأتى طفل دون العاشرة ومعه عدة مصاحف بحجم اصبع اليد وبحركة منتظمة مستقيمة يبدأ فى توزيع المصاحف على حجر الجالسين بالمترو دون التفوه بأى كلمة.. ثم يدور عليهم ليجمعها أو يأخذ وهبتها كما يردد.. ثم تصعد امرأة أو رجل يسير ببطء داخل عربات المترو بملابس رثة بلون تراب الأرض الممزج بالماء وتفوح منه رائحة تزكم الأنوف ويردد عبارات تسوليه مليئة بالتهديد والوعيد لنا إن لم نعطه “..يارب ما يحرمك من عينك وعفيتك.. يارب ما تشوفش حاجة وحشه فى اولادك.. مايحرمك من نظرك..يرجعك لبيتك سليم لأولادك..يبعد عنك ولاد الحرام..ما يشمت فيك العدوين” وبالطبع يقشعر بدنك وتطلب النجاة بما تجود به..!

وتجد صورة مستحدثة من التسول على باب محطات المترو تصطدم بطفل أو طفلة منكبة على كراسة وبجانبها علبة مناديل وكتاب وكأنها تكتب الواجب المدرسى.. صورة تبتزك عاطفيا بهذا التسول الحضارى..ثم هناك المتسول الجالس على قارعة الطريق ومن تجلس على الرصيف وتسلط عليك ابنتها الصغيرة – متسولة تحت التمرين غالبا- والبنت لازقه فى رجلك ولن تتركك حتى تبعد عنك رزالتها بأى فكه ،وتحاول الفرار منها لكنها فى كعبك..واشكال التسول متعددة ويجرى تحديثها بشكل يكاد يومي..ويبدو انه لا كساد للتسول كحرفة فى القريب لانه متعة بما يحققه من اللف كسياحة داخلية والمكاسب المالية الوفيرة بلا عناء..وحين تخرج من محطة المترو تصادف نوعا آخر من التسول وهو “تسول المقشة” وهم بعض من كناسى الميادين والشوارع ببدلهم الزرقاء ينظرون إليك بصعبانية مرددين كود التسول الخاص بهم “كل سنة وانت طيب”وهى عبارة يفهمها كل لبيب بالاشارة.

التسول إلكترونيا

وكنت اظن _ وليت ظنى كان إثما _ أن التسول مجاله الحيوى الطرقات ووسائل المواصلات لكنه ولج عصر الفضاء الإلكترونى بكل اخلاص من خلال شبكات التواصل الاجتماعى..واحدث تسول تم رصده وضبطه كان بطله نصاب “أراى” يملك خبرة مزدوجه فى التسول والنصب..فقد قام بإنشاء موقع إلكترونى لتسويق منتجات دوائية وتلقى ثمنها مسبقا من ضحاياه واستولى على أموالهم، وعلى شبكة أخرى قام بدعاء مرضه الشديد وحاجته الماسة لإجراء عمليات جراحية ويستجدى مساعدات إنسانية..وبالفعل انهالت عليه تبرعات..وحين فاحت رائحته تم تقنين الاجراءات القانونية من قبل الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة، بالتنسيق مع قطاع الأمن الوطنى وامكن تحديد موقعه..وضبط بحوزته 17 شهادة طبية “مزورة” باسمه تفيد بإصابته بالعديد من الأمراض منسوبة لعدد من المستشفيات ممهورة بخاتم مزور لشعار الجمهورية ، وتبين أن ما تحصل عليه من التسول بلغ حـوالى 6 ملايين جنيه..وامرأة أخرى تم ضبطها تستخدم رسائل واتس اب وماسنجر” لجمع أموال لعلاج أمها المريضة بالسرطان وتبين أن أمها ليست على قيدالحياة..!

المستريح متسولا

وترتقى حرفة التسول لتجد أرضا بكرا وضحايا جددا وتتخفى تحت اسم “المستريح” وهى طريقة تسوليه لجمع الأموال وتوظيفها تستغل الجشع والجهل .. وتسعى إلى الأموال دون استجداء وبكل لهفة تضع تحويشة العمر بين يديه ما بين راغب فى جنى مزيد من المال أو خائف من فتاوى أموال البنوك..ويجهر المتسول أى المستريح بإعلانه عن أرباح تفوق التجارة والبنوك..فيضع الجميع أمواله وهم على قلب رجل واحد داخل “عب المستريح”..وببساطة كأى متسول جاءه المال دون كد أو عمل.. وخلال شهور قليلة نسمع صرخات الضحايا..والمثير ان “مستريح جديد” يظهر كل فترة.. وينسب لقب المستريح لأول متسول ظهر باسم “احمد المستريح” وكان قد استولى على 30 مليون جنيه..ثم تكاثر المستريح فى قرى وصعيد مصر ..فمستريح بالمنوفية تمكن من حصد 200 مليون جنيه..

وآخر بالسويس تمكن من الاستيلاء على 40 مليون جنيه ..وكأننا مخدرون ولانتابع قصص نصبهم عبر أجهزة الإعلام للتصدى لظاهرة المستريح المبطنة بغلاف توظيف الأموال فى مشاريع تدر أرباحا خيالية..لكن النهاية مع المستريح دائما محزنة..!

وعلى حد معلوماتى فإن قانون التسول صدر فى القرن الماضى وتحديدا عام 1933 ولم يظهر تعديل له أو قانون جديد يواكب الأشكال الجديدة للتسول ولتتدخل الحكومة لردع من تسول له نفسه النصب على المواطنين بالتسول خاصة أن آثاره سلبية على الاقتصاد القومي ويضعف الثقة بالمحتاج الحقيقي، ويقلل من التكافل الاجتماعي، كما يخلق فئة خاملة عاطلة عن العمل مما يمثل عبئا على المجتمع وزيادة معدلات الجريمة ..لماذا لا تخصص شرطة لمكافة تلك الظاهرة وتقوم بضبط أى متسول وتتحقق هل له مصدر دخل.. وإذا كان بلا دخل ومحتاج فعلى الحكومة ان توفر عملا له اذا كان قادرا أودخلا إذا كان غير قادر.

وعلى كل لون

وعبر الإنترنت فى “بوابة دار المعارف” قرأت ملخص دراسة حديثة ترصد الوانا للتسول منها ثمانية أشكال: التسول الصريح وفيه يستجدى المتسول المال، ويتم عن طريق ارتداء ملابس رثة ومتسخة أو مد اليد للناس المارة في الشوارع أو إظهارِ عاهة مستديمة لدى المتسول.. تسول غير المباشر وفيه يتستر المتسول خلف خدمات رمزية يقدمها للناس؛ كدعوتهم واستجدائهم لشراء بعض السلع الخفيفة كالمناديل الورقية أو مُمسح زجاج السيارات أو الأحذية وغيرها.. التسول الإجباري وفيه يجبر المتسول على ممارسة هذا الفعل كحالات إجبار الأطفال على ذلك بأنواع ضغوط مرفوضة إنسانيا تسوقهم إلى القيام بالتسول الاختياري وهو بالرغبة وليس بالاجبار وفيه يكون المتسول يسير وراء رغبته في كسب المال..

ثم هناك التسول الموسمى ويزدهر فى الأعياد والمواسم وشهر رمضان.. وهناك تسول عارض ويكون لظروف طارئة حلت بالشخص؛ كمن ضل طريقه أو أضاع أمواله في الغربة.. و”تسول الجانح” ، وهو المصحوب بأفعال إجرامية كالسرقة لتغطية التسول، فضلاً عن وجود أسباب لتزايد الظاهرة منها زيادة معدلات الفقر والبطالة..والرغبة فى متعة التسول.

بعض مما قيل:

جيفارا

  • الذي قال إن الفقر ليس عيبًا كان يريد أن يكملها ويقول : بل جريمة ، لكن الأغنياء قاطعوه بالتصفيق الحار.

مارك توين

  • الأغنياء الذين يعتقدون الفقراء سعداء ليسوا أكثر غباء من الفقراء الذين يعتقدون أن الأغنياء سعداء.”

توفيق الحكيم

  • قالت العصا : إن لمصر ثلاثة أعداء .. قلت : أعرف الجهل والفقر والمرض .. قالت : لا بل الدجل والتهريج والنفاق

كاتب المقال

الدكتور محمود عطية

الكاتب الصحفى

مدير تحرير جريدة الأخبار 

عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين

[email protected]

مقالات ذات صلة