لفظة ” الاسرة ” من المفاهيم الاجتماعية الحديثة والتي لم تستخدم قديماً والتي وردت لها معان عدة في المعاجم والقواميس اللغوية أهمها: الأسرة: الشد والعصب وشدة الخلق والخلق والجماعة يربط بينها أمر مشترك، وأهل المرء وعشيرته وأهله الأدنون؛ لأنه يتقوى بهم، والأسير: المحبوس، والأسر: الشد وثاقاً، فهو مأسور والقيد والحبس، وإحكام الخلق، والدرع الحصينة، والأسر: قوة المفاصل والأوصال، ونبت أسير: أي ملتف، والدرع الحصينة وأهل الرجل وعشيرته والجماعة يربطها أمر مشترك.
والملاحظ في هذه المعاني أنها تشترك في معني الشد والربط والإحكام، وكأن الأسرة في معناها اللغوي العام تعني الرابطة القوية الحصينة التي تمتاز بالقوة وسيادة مشاعر الألفة والرحمة، ولذلك جاء في معانيها الدرع الحصينة، والنبت الملتف وقوة المفاصل والأوصال، وفي المجال البشري جاء من معانيها: أهل المرء وعشيرته.
رغما عن هذا فقد شهد العالم في ظل متغيرات الحداثة والعولمة والتداخل الثقافي والانفتاح المعلوماتي عبر شبكات الانترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي تغيرات واسعة في مجال العلاقات بين مكونات الأسرة في كثير من المجتمعات الغربية والشرقية – بدرجات متفاوتة – عن مفهومها في الطبيعة الفطرية، ومقوماتها في البناء الاجتماعي، ووظيفتها في التنشئة والتربية، كل ذلك لصالح اتجاهات فردانية تعلي من قيمة الفرد وتجعله بؤرة الاهتمام بنوازعه ورغباته الشخصية المتجردة بتحرر مطلق الى حد ما لا يكترث بمحيطه الاجتماعي بدءا من نواته المكونة له ” الاسرة “، وتحد من دور الأسرة في تشكيل بنيته النفسية والعقلية.
وفي سياق هذا التغيير كثقافة عالمية تتنامى يوماً بعد يوم؛ فقد طرأ علي مفهوم الأسرة تحريفاً في المعاجم العلمية ﺍلاجنبية، فنلمح التغير في ﺘﻌﺭﻴﻔﻬﺎ ﻤﻊ ﺘﻨﺎﻤﻲ ﻭﺘﺒﻠﻭﺭ ﺍﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﺨﺼﻭﻤﺔ الفكرية ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻊ العديد من المفاهيم الفطرية السليمية ﻓﻲ الغرب والعديد من ثقافات العالم ﺤﻴﺙ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﻅﺎﻫﺭﺓ ﻨﺯﻉ ﺍﻟﻘﺩﺍﺴﺔ ﻋﻥ كل شئ، ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻭﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻙ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﻴﻙ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻴل منهجاً رائجا ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻭﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ،
ﻭﻟﻡ ﺘﻜﻥ ﺍﻷﺴﺭﺓ ﺒﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺎل ﺒﻤﻌﺯل ﻋﻥ ظاهرة ﻨﺯﻉ القداسة هذه، فاقتصر مفهوم الأسرة وتكونها بأنهاثمرة تطورتاريخى، فقد ذكر ﻤﻌﺠﻡ” ﻻﺭﻭﺱ ﺍﻟﺼﻐﻴﺭ” ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ(ﺴﻨﺔ1971 م) أﻥ ﺍﻷﺴﺭﺓ: هي ﺍلأﺏ ﻭﺍﻷﻡ ﻭﺍﻷﻭﻻﺩ، وجاء ﻓﻲ ﻤﻭﺴﻭﻋﺔ ” ﻻﺭﻭﺱ ﺍﻟﻜﺒﺭﻯ ” ﺍﻟﻁﺒﻌﺔ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﺘﻌﺭﻴﻑ الأسرة: هي ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﺸﺨﺼﻴﻥ او أكثر ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻗﺭﺍﺒﺔ ﺴﻭاء ﻀﺎﻗﺕ ﺃﻭ ﺍﺘﺴﻌﺕ، وفي ذلك يتضح عدم وضع الضوابط والمعايير في كيفية تكوين الاسرة وطبيعة العلاقة بين الشخصين وعدم توضيح نوعهما (الذكر والانثى).!
ولم تكن الأسرة الشرقية العربية بمنأى عن هذه التغيرات؛ إذ شهدت الأسرة نسباً متنامية في حالات الطلاق وارتفاع سن الزواج، وقيام أنواع من الزواج لا تحقق هدفها السامي في بناء الأسرة، وبذلك اضطرب مفهوم الأسرة فشاع مصطلح الشريك والقرين، ووصف الزواج الطبيعي بأنه (تقليدي ونمطي) وظهرت دعوات إلي بناء الأسرة اللانمطية وهى خارج سياق العلاقة الشرعية وتحت مسمى العلاقات الحرة، وغدت العلاقة بين أفراد الأسر علاقة اقتصادية استهلاكية مرتبطة بالتمويل والمنفعة والمصلحة لا بالانتماء إلي المنظومة القيمية للمجتمع الإنساني.
أصبحت القيم الفردية الانانية المنظمة للحياة الأسرية تحكم التفاعل الأسري، ولم تعد الأسرة تقوم بوظائفها على اكمل وجه؛ الفكرية والنفسية من صحة نفسية وأمن اجتماعي وهوية فكرية و ثقافية، ولا الوظائف الاجتماعية من حضانة ورعاية وتربية، ولا الوظائف البيولوجية من إشباع غريزي وتناسل طبيعي، ولا الوظائف الاقتصادية من تدبير المأكل والمسكن والملبس.
فقد تشكل مفهوم الأسرة بملامح جديدة في المجتمع الإنساني المعاصر بصورة عامة، وتأثرت المجتمعات الشرقية العربية المعاصرة بهذه التغيرات في مفهوم الأسرة وبنائها ووظائفها.