في عام 1999، سُئل رئيس الوزراء الياباني، في أحد المؤتمرات الصحفية، عن استعدادات اليابان لدخول القرن الحادي والعشرين، والسياسات التي اتبعتها لضمان استمرار تفوقها الصناعي والسياسي، كأحد الدول السبع الكبار في العالم، فكان رده بسيطاً في الكلمات، ومعقداً في التنفيذ، لمن يعي؛ إذ قال، أن خطة اليابان معتمدة على حُسن إعداد الشباب، الذي سيتولى مسئولية القيادة، سياسياً واقتصادياً وعلمياً، للحفاظ على مكانة اليابان، وتطويرها.
والحقيقة أن رده يمثل قناعاتي؛ فشباب مصر هم حملة راية مستقبلها، وكُتّاب تاريخها الجدد، فمن بينهم سيخرج السياسيون والاقتصاديون والعلماء والمحاربون والعمال، وغيرهم من الفئات، الذين سيتولون القيادة، وسيتحملون مسئولية التقدم، وسيكون لكل منهم دوره الفاعل في بناء المستقبل. وإيماناً مني بضرورة إعداد الشباب، وبمناسبة مرور 50 عاماً، على نصر حرب أكتوبر المجيدة، فقد قررت زيارة عدد كبير من الجامعات المصرية لتوعية الشباب المصري بالأخطار التي تواجهها مصر، حالياً، وحجم المتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية، التي تمر بها المنطقة العربية والشرق الأوسط.
والحقيقة أنني سعدت للغاية بتلك الزيارات، بل وعادت عليّ بالنفع؛ سواء بما أمدتني به من طاقة إيجابية استلهمتها من روح هؤلاء الشباب، الذين شرُفت بلقائهم، أو بما شهدته من تطور واضح، وملموس، في الجامعات المصرية، والذي سينعكس إيجاباً على جدارة، وكفاءة، الأجيال الجديدة التي ستتخرج منها، لقيادة مستقبل مصرنا الحبيبة. فوجدت أن أستعرض، مع حضراتكم، نموذج مشرف لأحد تلك الجامعات المصرية، التي تقود مرحلة تنوير الشباب المصري، وهي “جامعة الجلالة”، التي ستُخرج أولى دفعاتها، في العام الدراسي الجاري، لتضخ دماء جديدة، مسلحة بأعلى درجات العلم، وأحدث التكنولوجيات الموجودة في دول العالم المتقدمة.
في البداية، اسمحوا لي أن أوضح أن مصر اتبعت أسلوب جديد في التعليم العالي، بأن أصبح لدينا، الآن، أربعة أنواع من الجامعات؛ أولها الجامعات الحكومية مثل القاهرة، وعين شمس والإسكندرية وغيرهم من الجامعات العريقة، ثم الجامعات الخاصة، والجامعات الأهلية، وأخيراً الجامعات التكنولوجية، التي يعد بعضها أفرع لجامعات أجنبية قائمة في الخارج. وللتوضيح، ببساطة، في عام 2014، ضمت مصر 50 جامعة، أما اليوم، في عام 2024، صار لدينا 96 جامعة، أي أن عدد الجامعات تضاعف، تقريباً، في عهد الرئيس السيسي، كلها تتيح أحدث مستويات التعليم العالي، بالاستفادة من الخبرات العالمية، بما يوفر على أولياء الأمور، سفر أبنائهم للخارج، للالتحاق بالجامعات الدولية.
وعودة إلى “جامعة الجلالة” الجديدة، تجدر الإشارة إلى أن الجامعة مرتبطة، بواقع اتفاق رسمي، بجامعة أريزونا، في الولايات المتحدة الأمريكية، الحاصلة على المركز الأول، في أمريكا، في مجال الابتكارات، لمدة خمس سنوات، وواحدة من أهم مائة جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية. وبناءً على اتفاقها مع جامعة الجلالة، فإن طلاب جامعة الجلالة يدرسون نفس المناهج الدراسية المعتمدة في جامعة أريزونا، فضلاً عن أن الأخيرة توفد أساتذتها للتدريس في جامعة الجلالة، ولمراجعة سير العملية التعليمية والأكاديمية، لضمان اتساقها مع المعمول به في الجامعة الأم، بالولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك فإن خريج الجامعة المصرية، تُعتمد شهادة تخرجه من جامعة أريزونا الأمريكية، ويعتبر أحد خريجيها.
ولم تقتصر زيارتي لجامعة الجلالة على عقد ندوة مع الطلاب، بحضور أعضاء هيئة التدريس، فحسب، وإنما شملت جولة بين أركان الجامعة، شاهدت خلالها أكبر قاعة احتفالات، بسعة 1500 شخص، مزودة بأحدث تقنيات العصر، ترقى لأن يُطلق عليها أوبرا جديدة، في المنطقة. فضلاً عن منشآت الجامعة، سواء الإدارية، أو العلمية والعملية، المنفذة وفقاً لأحدث المقاييس العالمية، والمزودة بأحدث المعامل والمعدات والأدوات، اللازمة للعملية التعليمية، ومنها كلية طب الأسنان، التي بهرني زيارة عياداتها المخصصة لتدريب الطلاب، والملحقة بمستشفى لعلاج أبناء الشعب المصري. مثلها في ذلك كلية الطب، التي تعتمد على استخدامات الذكاء الاصطناعي لتدريب الطلبة، في سابقة أولى، لم يُعمل بها، بعد، في أي كلية طب في مصر، وملحق بها مستشفى تعليمي لتدريب الطلاب، وعلاج المجتمع المدني، بطاقة 600 سرير، مجهز بأحدث المعدات والأجهزة والأدوات الطبية.
وفي حديثي مع السيد الأستاذ الدكتور محمد الشناوي، رئيس جامعة الجلالة، التي تضم 14 كلية، حتى يومنا هذا، علمت من سيادته أن التدريس في الجامعة يتم على أساس ربط الخريجين بسوق العمل، وقد وصل عدد الطلبة بها، الآن، إلى 35 ألف طالب، من بينهم، بالطبع، عدداً من الوافدين من الدول العربية والإفريقية، كما تضم الجامعة دور لسكن الطلبة، لا تقل في مستواها عن الفنادق الأربعة نجوم، بالإضافة إلى عشرة مطاعم، لتقديم الوجبات الغذائية المتنوعة للطلبة. ولم تغفل الجامعة مسئوليتها المجتمعية، من خلال إرسال القوافل الطبية والاجتماعية والإنسانية لأبناء المحافظات القريبة، ومنها محافظتي السويس والبحر الأحمر.
أما عن لقائي مع طلبة الجامعة، فرغم اختلاف دراساتهم، إلا أنهم يشتركون جميعاً في الإلمام بتفاصيل ما يمر بالمنطقة من أحداث، وانعكاسات كل منها على مصر، بصفة خاصة، وآخرهم ما يدور من غزة، ورغم تعاطفهم مع أبناء الشعب الفلسطيني الأبرياء، أمام ما يتعرضون له من عدوان غاشم من قوات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنهم اتفقوا على ضرورة ألا يشمل حل القضية الفلسطينية أي مساس بالأمن القومي المصري.
وفي نهاية اليوم، غادرت جامعة الجلالة، يعلو وجهي ابتسامة مليئة بالأمل، والاطمئنان، على مستقبل مصر الغالية، بين أيدي الجيل الجديد، المسلح بأعلى درجات العلم.