بينما العالم يأمل، في كل يوم، أن يشهد انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، التي أحدثت دماراً لطرفي النزاع المباشرين، وخلفت العديد من المشاكل الاقتصادية، بكل دول العالم، في صورة تضخم، وزيادة الأسعار، وارتفاع معدلات البطالة، فضلاً عن نقص السلع، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية، فإن تلك الحرب تأخذ كل فترة شكلاً جديداً من أشكال الصراع. فخلال الشتاء الماضي، عملت روسيا على تعزيز خطوطها الدفاعية، في المناطق التي ضمتها إليها، والتي تمثل نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، وهي لوهانسك، ودونيتسك، وزابورجيا، وخيرسون، وتمكنت من بناء نظام دفاعي متميز.
وعلى الصعيد المقابل، بدأت أوكرانيا استعداداتها لشن ما أسمته “هجوم الربيع”، بهدف استعادة أراضيها، وحل الربيع، وأعقبه الصيف، ولم ينجح هجوم أوكرانيا المضاد، تماماً مثلما توقعت في كل مقالاتي، وحواراتي التليفزيونية؛ إذ أنه من البديهي، ألا تقوم أوكرانيا بهجوم مضاد، وعدوها الروسي، يمتلك كامل السيطرة الجوية على ميدان المعركة، فضلاً عن عدم كفاية مدة التدريب المتاحة لجنودها، لاستخدام الأسلحة الجديدة التي تسلمتها من أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وخاصة الدبابات، بالإضافة إلى تعديل أمريكا لموعد تسليمها للطائرات المقاتلة F16 إلى آخر العام الجاري.
وأمام تلك المعطيات والتطورات، كان لزاماً على أوكرانيا تأخير موعد هجومها المضاد، للحد من حجم الخسائر التي لحقت بها، أمام شدة الدفاعات الروسية، وذلك باعتراف مدير المخابرات الأوكرانية. وللتغطية على فشل الهجوم المضاد، لجأت أوكرانيا لأسلوب آخر من أعمال القتال، بالقيام بضرب العاصمة الروسية، موسكو، بالمسيرات، كما بدأت بمهاجمة السفن الروسية، في البحر الأسود، وأهدافاً روسية، أخرى، في شبه جزيرة القرم، وبالفعل حققت هذه الهجمات تأثيراً معنوياً، وإن لم يكن له تأثيراً مباشراً على نتائج القتال.
ففي مقابل رفع الروح المعنوية لجنود وشعب أوكرانيا، ودول حلف الناتو، كان الرد الروسي أكثر عنفاً، وشراسة، ضد ميناء أوديسا، ومخازن الحبوب فيه، فحرمت أوكرانيا من تصدير الحبوب، وأوقفت اتفاقية مرور الحبوب، عبر البحر الأسود، إلى باقي دول العالم، رغم تعهدها بإمداد عدد من الدول الإفريقية بكميات من القمح، بدون مقابل، تعويضاً لها على إيقاف هذا الاتفاق.
وهكذا تحولت أعمال القتال، في الفترة الحالية، بين الروس والأوكرانيين، إلى حرب مسيرات بالطائرات والقوارب الصغيرة، بهدف إحداث نصر دعائي، لتغطية فشل الهجوم، وهو ما يتوقع معه استمرار انحدار تلك الحرب في النفق المظلم، التي تسير فيه، ولا نعرف له نهاية.