هو شاعر متنوع لم يقف عند نوع معين من الشعر فقد كتب الشعر الكلاسيكي والرومانسي والواقعي والعامي والزجل وكان له تجارب غنائية لكبار المطربين ولحن أشعاره الملحنين محمد الموجي وعبد العظيم عويضة وإبراهيم رجب وغني كلماته الفنان الراحل عبد اللطيف التلباني وعلياء التونسية ومحمد حمام وغيرهم ،
ويرجع ذلك لعشقة للموسيقى العربية ،والتى إستهوته قصار عازفاً جيداً لعدد من الآلات الموسيقية ، وكما برع فى تأليف للشعر والتى تُعد أحد مواهبه فضم إليها موهبة واجادة العزف علي الالات الموسيقية وتخصص في عزف العود والناي ، ومن ثم تجد موسيقى شعره مؤسسة على دراية عميقة بعلم الموسيقي
فهو ” الخال والعم ، كما يحلو أصدقائه وأحبابه وتلاميذه أن بنادوه أو كما يحب أن يداعبوه .. نموذج وكتله من المشاعر والأحاسيس التى تسير على الأرض .. بإبتسانة رقيقة من وجهه البشوش يدخل قلبك من أول لحظة دون إستئذان ولا ىتكفى بالدخول ، وإنما يحتله بالحب .. ويتربع فيه بعدما سيطر بأدبه وأخلاقياته على القلب وتمتد سيطرته إيضاً عبر سربانها فى شريان عشاقه إلى العقل ، والذى يتغذى من أشعاره البديعة والتى تكون معبره عن حياه الإنسان وظروفه وملامحه .
بإختصار شديد هو واحد من الرجالة الجدعان.. – يمتلك ملامح بيئته وأرضه الطيبة، بنخلها وخيرها وحكمتها- الذى لا تندم فى يوماً ما إنك قابلته .. فما بالك بإحبابه الذين لا يتيقون بعده عنهم ولو لساعات ..فهو كما إحتل قلوبهم وعقولهم .. فهم فى صراع ومنافسة شديدة فيما بينهم للفوز بحبه والبقاء معه لساعات طويلة يفتح خزائن عقله وينهل منها ليمتعهم بأحدث مؤلفاته الشعرية والتى تميز بها وأصبح أحد أشهر وأكبر شعراء ( الواو ) وإن كان عميدهم .
الشاعر الكبير والأديب الرائع ” عبد الستار سليم ” واحد من الأحفاد الشرعيين لابن عروس، ويرى أن الجينات الوراثية لهذا الفن تسرى فى عروق المبدعين من أبناء الصعيد
الشاعر الكبير عبد الستار سليم يقف في الصف الأول من شعراء مصر الكبار فهو شاعر رائد لفن الواو وهو شاعر الفصحي والعامية والزجل والأغنية الأصيلة
ولد الشاعر الكبير ” عبد الستار سليم ” في قرية الرحمانية مركز نجع حمادي عام1940وحصل علي بكالوريوس العلوم قسم الرياضيات البحتة والتطبيقبة ، وبدا حياته العملية مدرساً للرياضيات بمصر واُعير إلي ليبياوعاد الي مصر حتي تقلد منصب مدير عام الإدارة التعليمية بنجع حمادي.
شهرة الشاعر الكبير عبد الستار سليم ، لم تكن من كونه مدرساً عبقريا أو من خلال إدارته الحكيمة ، وإنما ذاعت شهرته كشاعر كبير وأستمر يواصل إبداعاته وعطاءه ليكون فى الطليعة من شعراء مصر في العصر الحديث، ونجح ” عبد الستار سليم ” بأن بحجز لنفسه مقعداً متقدما تفوق على نفسه أقرانه فى فن ( الواو )
” عبد الستار سليم ” أحد الشعراء المعاصرين الذين تضمنهم معجم البابطين..قدم للتليفزيون المصري أعمالا عديدة منها برامج رمضانية (قول زمان . حلاوة روح . شعبيات) أول من قام بجمع وتحليل أشعار فن الواو القديم من أفواه وصدور الحفظة القدامي كان له عمود ثابت في جريدة أخبار الأدب.
أخلص لتجربته الشعرية فلم تبخل عليه ورزقته «من وسع» فمنحته أسرارها وكنوزها. فكتب فيها ما أضاف لها قيمة وغني، حتى أصبح رائدا من رواد هذا الفن الثرى العميق،
هذا الفن الذى يحمل بين جمله ومفرداته خبرات من رحلوا ومن لحقوا بالركب واستخلص عصارة حكمتهم وجمال نظمهم .. إنه «فن الواو» بكل ما فيه من روعة وجمال واختزال.
ذلك الفن الذي لا يميل للثرثرة والصخب، ورغم هذا يدخلك فى دهشة من روعة المعانى وحنكة صاحبه فى غزل قطع شعرية مجدولة بخيوط من ذهب تم استخراجه من طينة هذه الأرض الطيبة.
عبد الستار سليم ” كان ضيف صالون السبت الثقافى بنقابة الصحفيين الذى يديره الكاتب الصحفى والفنان محمود الشيخ ولم تكن الندوة مجرد عرض لإصدار بعينه، بقدر ما كانت تفاعل حي بين الحضور وبين الشاعر عبد الستار سليم، ولإلقاء الضوء على فن تراثي عظيم كفن الواو، والتعريف بأهم ما يميزه، وكيفية التفرقة بينه وبين فنون أدبية وشعرية أخرى قد تلتبس على المتلقي.
عبد الستار سليم كشف فى الندوة ، عن تاريخ فن الواو وأبرز الأزمات التي واجهها في جمع وتوثيق هذا الفن الذي توارثناه عن الأجداد قال أن “فن الواو “بدأت وأنا فى سن مبكرة، وكان السبب فى ذلك هو ، وجود شاعر القرية فى الأمسيات القروية البسيطة، فقد كان فى قريتى، رجل يحكى السيرة الهلالية، بواسطة كلام موقّع – أى منغّم – وكان هذا الرجل الأمّى، ليس “شاعر ربابة “- كما جرت العادة على تسميته – فهو كان يقوم بإلقاء ما لديه، حين يستضيفه أحد أقربائى فى “الساحة اللى قدّام المندرة “، مساء الخميس من كل أسبوع (فى الليلة اللى تكون صابحة يوم الجمعة).
فى تلك السن المبكرة، لم أكن أدرى أن هذا شعر، إلا من خلال ما أسمعه من الحاضرين، الذين كانوا يقولون إنه “يُشعُر”، وليس قصدهم بالفعل “يشعر”من الشعور والإحساس، ولكن قصدهم يقول “شِعرا “، وكان يؤدى ما يقول وهو واقف – وبيده عصاه التى يتوكّأ عليها – والتى يستخدمها أحيانا و كأنها “سيف باتر “فى القتال بين الشخصيات التى كان يحكى عنها ، مثل أبو زيد الهلالى، والزناتى خليفة و دياب بن غانم، و العلّام، وأحيانا يستخدمها كأنها حربة، “يطعن بيها “الخصم خصمه.
كل هذا عرفته من مداومتى على حضور سامر هذا القوّال، وعرفته أكثر عندما كبرت، وتعرفت على الفرق بين قوله، وبين ما تقوله والدتى من بكائيات على من رحلوا عن دنيانا من “الغوالى “من الأهل والأقارب، كما عرفت أن رغبتى هذه، هى ما تسمّى-عند الكبار-(الموهبة التى تولد مع الإنسان)، أى ميل الطفل -منذ الصغر – إلى هواية ما أكثر من غيرها.
وعن إرتباط ” الواو” بأهل الصعيد.. قال سليم من الناحية التاريخية فإنه منذ فترة حكم المماليك والأتراك لمصر ، كان الصعيد يشكو من الإهمال، والفقر ، والجهل، والمرض، ولكن لم يكن محروما من تواجد “المحتسب “، تلك الشخصية البغيضة لأهالى قرى صعيد مصر ، فهو الشخص المسئول من قِبَل الحاكم المملوكى أو التركى آنذاك -والمقيم فى قصره الكائن هناك فى مصر المحروسة – أقصد الحاكم، الذى لا يعلم شيئا عن معاناة الناس الفقراء والغلابة والمُعْدَمين، والذى لا يهمه إلا أن يجمع الضرائب لبناء القصور، وإقامة الحدائق الغنّاء، فى (القاهرة ، مصر المحروسة)، ويشترى المماليك والعبيد والجوارى، فكان أهل هذا الصعيد -فى مثل هذا المناخ، وعلى طريقة “الحاجة أُم الاختراع “-ابتدعوا هذا الفن القولى، وكانت أغراضه تنحصر فى الشكوى من الزمان، وغدر الخلّان، وبعض الحِكَم، وبعض الغزليات.
كان “الشاعر التلقائى “، و أنا أحبّ أن أسمى شاعر “الواو”بـ “القوّال” لأنه يقول هذا “الفن القولى” بالفطرة والسليقة، و لأن الشاعر – فى عُرف الجماعة الشعبية هو ابن المدارس – ونظرا لأنهم لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، اعتمدوا على الحفظ والذاكرة (على غرار الرواة فى العصر الجاهلى ، فقد كان لكل شاعر كبير ، راوية أو أكثر يحفظون عنه شعره) قالوه على نسق موسيقى معين وثابت لا يخلطون بينه وبين نغم موسيقى آخر ، وكان هذا النسق قصيرا، ونظرا لأنهم كانوا أميين ، ولا توجد وسائل للتدوين أو للتسجيل – كما هو الآن – فجعلوا هذا الفن على شكل “مقطّعات “أو مقطوعات ، “مقطوعات” قصيرة ، ولها قافية داخلية ، وأخرى خارجية ، لتسهيل الحفظ ، و كل مقطوعة تتكون من بيتين شعريين (بالمفهوم التقليدى للبيت الشعرى الذى يتكون من شطرتين) فتصبح المقطوعة مكونة من أربع شطرات، ولذا أطلقوا عليه اسم (المربّع)،
والمربع يكون بمثابة قصيدة شعرية كاملة، ذات فكرة أو مضمون أو غرض مستقل بذاته، ولتسهيل الحفظ ، فقد أكثروا من نظام القافية (لأنالقافية تساعد على الحفظ، كما تدل على انتهاء البيت الشعرى)، فجعلوا صدور الأبيات تُقفّى معا ، وأعجاز الأبيات، تُقفّى معا، أقصد جعلوا الشطرة الأولى والشطرة الثانية تتفقان فى القافية، كما جعلوا الشطرة الثانية والشطرة الرابعة تتفقان فى القافية مثل قول يُنسب لابن عروس يقول (النّدْل ميّت. وهُوْ حَى.. ما حَدّ يحسب حسابّه و هّوَّ كالتُّرْمُس النَّى.. حُضُورُه يشبِه غِيابُه).
ويستطرد “فن الواو ” هو فن سماعى، وليس فن كتابة، وجمالياته أيضا جماليات كتابة – كما يقولون -، ونحن نؤمن بأن لغة “فن الواو”هى لغة قادمة من أزمنة بعيدة عبْر تاريخ الفقراء – شعراء كانوا أم جمهورا – وهذه اللغة تحولت بفعل المحاورات وتفاصيل الحياة اليومية ، إلى تعابير مكثفة المعانى ، وتحمل مضامين ورؤى أبعد من ألفاظها ، وهذا هو الشعر ، وقدرة لغة الشاعر على القرب من نبض العامّية فى مفرداتها وتعابيرها وبلاغتها.
وكأن الشاعر واحد من أبناء الشعب العاديين الذين يحتفظ وجدانهم بقاموس العامية ومعجمها ، وتوظيفها التوظبف الأمثل ، هذه القدرة على تمثل البيئة الشعبية ، وتقمص نماذجها وشخصياتها ، ومستويات لغة التعبير فيها و كثيرا ما يلجأ إلى التورية والكلام غير المباشر (عن طريق جناسات القوافى )، وتتردد حِكَم وأشعار “فن الواو “على ألسنة البسطاء لأنه ما هو إلّا نتاج ثقافة خاصة ضاربة فى أعماق الأرض المصرية.
وتتسم صياغته نصوصه بالسهولة واليسر، والبعد عن ادّعاء الحكمة ، وافتعال الفلسفة، والصياغة تشرح نفسها، والتظهير (أو الإبانة بالشرح )يكون فقط فى توضيح القافية وليس فى شرح المربع، وإلا فإن الشاعر تكون صياغته ضعيفة، وهو وعاء للحكمة، وتلخيص، وتلخيص المعانى الكبيرة ذات الطابع الفلسفى للموروث، والشعر -بصفة عامة -هو ما أطرب، وهزّ النفس، و حرّك الطباع.
لذا فإن الحكم عليه يكون بمقدار ما فى مضمونه من قِيَم، وما فى صياغته من فن، فأفضله أقدره على استثارة المشاعر، وفن الواو لعبة قولية بارعة نبتت بين أهل الصعيد، وتربت وترعرت هناك، و تتولّى اللغة والقافية فيه ناصية الدور، فالأدب يصبح أدبا لطبيعة البناء لا بنوع المضمون، وعلى الرغم من وضوح المعانى التى تتضمنها الأشعار فى هذا الفن، فقد استمدت هذه الأشعار جاذبيتها، ومقومات خلودها من صياغتها الشعرية والمربع المُحكَم يجئ بمثابة ومضة متألقة، تكمن قيمته فى الاختزال – أى فى قلّة الحجم مع ضخامة التجربة -فهى إذن قدرة خاصة على التجريد، مع امتلاك، ثروة لغوية هائلة من مفردات البيئة المبدعة.
وأيضا كل “فن واو ” مربع، ولكن ليس كل مربع “فن واو “، وفن الواو باعتباره جنسا أدبيا، لابد أن ينسحب عليه ما ينسحب على أى فن أدبى آخر من الجودة والرداءة، وتلك هى طبيعة الأمور.
وحول نجوميته وهل تشغله عن إنتاجه الادبى قال دعنا نتفق أولا على ماهيّة النجومية وماهيّة مقياسها ومعيارها عند الناس، فهناك نجومية حقيقية، تنشأ من التراكم الزمنى لما يقدمه المبدع للمجتمع والناس، وهناك نجومية تصنعها الظروف الطارئة (مثل الصحافة والإعلام غير الملتزم، والمشجعين غير الواعين لبواطن الأمور.. وتلك هى الكارثة )
، أنا مثلا ممن يرون أن المعيار يجب أن يتم بناءً على البعد عن الأنانية من المبدع، فلا يصنع النجومية لنفسه فقط -بطريقة أو بأخرى، وما أكثر هذه الطرق -وكذلك بحجم ما يقدمه المبدع للناس، أنا أعتقد أن النجومية أنانية،
بل هى قمة النرجسية والإيغال فى حب الذات، والانبهار بالنفس، وتطلق النجومية على أولئك الذين يحبون أنفسهم فقط، ويحاولون أن يصنعوا مجدا شخصيا على حساب كل من الفن والإبداع والناس البسطاء، والنجم هو الذى لا يرى إلا مصلحته،
ولا يطرب إلا بما يصنع، وبما يسمع من المديح، أنا أرفضه، فأنا ممن يحبون أن ينفعوا الناس، وأرى أن تلك هى النجومية الحقيقية، وإلا فقل لى: ما هى الفائدة التى تعود على الناس من هؤلاء النجوم.
وحول مشروعه توثيق فن الواو، قال عبد الستار يتكون من شقين، الشق الأول خاص بى أنا، وهذا ما أقوم به على أكمل وجه، أكتب “فن الواو” الذي أبدعه أنا، أى من إبداعى الذاتى، كما أكتب عن”فن الواو” – يوميا – لمحاولة التعريف بهذا الفن، و كيف نحافظ على هذا الفن ونطوره، وعما قريب سيصدر لى كتاب بعنوان (ماذا تعرف عن فن الواو )- أصدره على نفقتى الخاصة – بعد أن انصرفت مؤسسات الدولة عن رعاية ما أكتبه، والمساعدة على إخراجه للناس.
أما الشق الثانى فهو خاص بالدولة – المتمثلة فى وزارة الثقافة بالتحديد -فبعد أن قمت بجمع هذا الكمّ الهائل من نصوص هذا الفن، من أفواه الحفَظَة، المتناثرين فى النجوع والقرى والدساكر -فى جنوب مصر موطن هذا الفن -فى أربع مجلدات -وذلك بجهد فردى، ودون مساعدة من الجهات المختصة بجمع التراث.
لقد تقدمت بكل هذا إلى سلسلة مكتبة الدراسات الشعبية لدى الهيئة العام لقصور الثقافة، ولشديد الأسف، قوبل ذلك بالتعالى والجحود والنكران، فلم يتم الا إصدار مجلد واحد فقط (وأعتقد أن ذلك كان ذرًّا للرماد فى الأعين، وليس خدمة للقضية الأدبية) هو المجلد الأول منها، وكان ذلك من ذو عام 2003 م، والى الآن لم يصدرلا المجلد الثانى ولا الثالث ولا الرابع) ألم أقل لكم أنه ذرّ للرماد فى الأعين، وليس هناك جدّية حقيقية)والمجلدات الثلاثة الباقية لا أدرى ما هو مصيرها.
وعندما أعدت الكرّة، وذهبت بنسخ أخرى -كنت أحتفظ بها -إلى كل من هيئة الكتاب، والمجلس الأعلى للثقافة، تم رفض مطلبى – حجة غريبة وغير مسئولة – بحجّة أن الجهة التى قامت بطبع المجلد الأول هى الملزَمة بطبع باقى المجلدات، وللأسف القائمون على الأمر فى الجهة التى طبعت المجلد الأول، اكتفت بإصدار مجلد واحد، (قال ايه علشان الآخرون يأخذون نصيبهم فى الطبع، وعجبى ..!)
وأخشى أن يكون المثل الذى يقول: “البعيد عن العين بعيد عن القلب” تمت صياغته خصّيصا لنا -نحن الذين نقيم فى الصعيد، أى البعيدين عن عيون أهل الحل والربط فى القاهرة، وكأن مسألة الطبع عندهم هى “كعكة “، يجب أن توزع على كل الناس بصرف النظر عن ماهية وقيمة ما يُطبع من مادة، مع العلم بأننى تقدمت بكل هذا متبرعا بكل ذلك ودون أى مقابل مادى.
مستطردا: هذا الفن تكوت أبياته على وزن مستفعل فاعلات، مستفعل فاعلات، مستخدما “بحر مجزوء” الذي لا يحتاج إلى نفس طويل لذلك استسهلوه لقصره، وسموه وتد مجموع.
كما قال ابن عروس:
لا بد من يوم معلوم
تترد فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم
أسود على كل ظالم.
وكتبت أنا على نفس وزن البحر:
أول كلامي حاصلي
على اللي الغزالة مشت له
وأحكي على اللي حصلي
وازرع همومي في مشاتله.
وهناك مربعات على شكل فن الواو لكنها ليست منه، وكتبت فيها
يوم ما نابليون أتانا
قوم عشان يبلفنا أسلم
واشترى من السوق “اتانا”
وقال أهو نركبها أسلم.
بمعنى أنه أراد ركوب الحمير ليكون قريبا من الناس، وهذا ليس من فن الواو رغم تشابهما، لأنه ليس على نفس البحر.
وقد انتقد سليم محدودية جوائز الشعر مقارنة بجوائز الأعمال السردية والنقدية.
وأكد أن من أهم مواصفات فن الواو أنه تراثي، لا يصح استخدام كلمات حديثة فيه، كما أنه فن شفاهي، لذا لم يكن يقبل أن يقوله شاعر متعلم، فكان شعراء الواو أميين لا يقرأون ولا يكتبون.
مضيفا: بيرم التونسي كان يكتب مربعات تنتمي للمربع الزجلي، لكنها ليست من فن الواو حيث كان لا يستخدم الكلمات الجنوبية الخالصة.
ومن الجناس التام في فن الواو:
طبيب الطبابة أسال مان
والعقل مني جناين
شوف سقع طوبة أسلمان
تلف تمرها والجناين.
وأشار إلى أن فن الواو لم يخرج هكذا شيطانيا لكنه تواتر على ألسنة “القوالين” متأثرا باللغة العربية الأم، مثل:
ولا حد خالي من الهم
حتى قلوع المراكب
اوعاك تقول للندل يا عم
لو كان على السرج راكب.
ولهذا المربع صيغة أخرى هي:
ولا حد خالي من الهم
حتى السعف في جريده
أوعى تقول للندل يا عم
لو كان روحك في إيده.
وصيغة ثالثة تقول:
ولا حد خالي من الهم
حتى الحصى في الأراضي
لا له مصارين ولا دم
ولا هو من الهم فاضي.
وانتقد سليم تقاعس نوادي الأدب بقصور الثقافة عن تنفيذ مشروع توثيق فن الواو، وتجاهل قطاعات الوزارة لهذا الفن الجنوبي القديم، فهذا الفن إن لم يحفظه مشروع قومي وينقله لذاكرة الأجيال القادمة فإنه سيندثر.
ويقول هناك أسماء جديدة من الشباب، تجتهد، بشرط ألا يقحموا عليه ما ليس منه من ألفاظ وتركيبات قولية غريبة عنه، ولأن لكل أدب بيئته التى لا يمكن فصله عنها، وعليه فإن هؤلاء لا بد لهم من دراية واسعة بالمأثور الشعبي، بالمعايشة وليس بالقراءة، كما كان يفعل الشعراء القدامى الذين كانوا يسكنون المدن،
فقد كانوا يذهبون الى البادية لكى يكتسبون اللغة النقية، فعلى المهتمين بهذا الفن أن يذهبوا إلى موطنه الأصلي، لاكتساب الخبرة الواسعة، وسماع نصوص الشعر الشعبى المختلفة والمتباينة، ولسماع لهجة نطق أصحابه بالسليقة، وإلا أصبحوا كممثلى المسلسلات التليفزيونية عن الصعيد، الذين يتحدثون بلهجة أناس لم يروهم قط، ولم يعايشوهم، فقط هم يرتدون «جلاليبهم «، ويلفّون عمائمهم، ولكن ينطقون كلامهم بطريقة مخلوقات فضائية، تلك اللهجة غريبة الشكل، التى تشوّه التراث وتكاد تقضى عليه، مع سبق الإصرار
وفي مداخلته وصف الكاتب الصحفي الأديب عادل سعد مؤسس مركز التراث بدار الهلال، ورئيس تحرير جريدة “الصباح” حالة شعرية شديدة الصلة بالصعيد المصري وهي فن العديد، فالعدودة فن منزه عن الأغراض وبلا أهداف لرثاء ميت، يتصف بالصدق، ويختلف تماما عن شعر المديح.
فذكر حادثة موت أمه شابة وجاءت “الشريفة أم محمود” لترثي أمه “شربات” قائلة: الدود يقول للدود تأكل الحواجب ولا العيون السود.
وفي مداخلة للكاتب الصحفي جمال أبوعليوة أوضح تشابه فن الواو كشعر مصري أصيل مع الشعر العراقي الجنوبي، في حين شرح الشاعر عبدالستار سليم أن هذا الفن في العراق يسمى “الأبوزية”، وفي فلسطين “العتابة”، لكنها ليست واوا كما شعرنا الجنوبي الخاص بمصر، فهذا الفن بعبقريته ذكر أسماء القرى في مصر في تضفيرة رائعة قلما تجدها فن آخر، وذكر الكثير من أحوال الناس في الصعيد.
وذكر سليم أن “فن الواو” بدأ بوجود شاعر القرية فى الأمسيات القروية البسيطة، يحكي السيرة الهلالية، بكلام منغّم وكان هذا الرجل الأمّى.
وكان في بداياته شكوى من الحكام والمحتسبين ورجال الحاكم وجامعي الضرائب، فهو يبدأ الكلام بمقولته الشهيرة “يقول الشاعر” ليضع على لسان هذا الشاعر المجهول ما يريد أن ينتقد به الحاكم، وجاءت كلمة الواو من كثرة واوات العطف من القوالين الذين يبدأون الكلام (وقال الشاعر).
وهذا ما عرفته من مداومتي على حضور سامر القوّال، وعرفته أكثر عندما كبرت، وتعرفت على الفرق بين قوله، وبين ما تقوله والدتي من بكائيات عل الراحلين الغوالي من الأهل والأقارب.
وطالب سليم قائلاً: هذا ليس شعر عبد الستار سليم، هو شعر مصر، شعر المصريين القدماء، وإن لم تبادروا برعايته، سوف يندثر، وتُحرمون الأجيال الجديدة القادمة من الاطلاع على تراث أجدادهم.
وجدير بالذكر أن الصالون الثقافي بنقابة الصحفيين يدير نقاشاته الكاتب الصحفي محمود الشيخ، وحضره كل من الكتاب الصحفيين، عادل سعد، أحمد نجيب، جمال أبو عليوة، أحمد نجيب، ومجموعة كبيرة من شباب الصحفيين.