انتهت الحرب العالمية الثانية في الثاني من سبتمبر 1945، بهزيمة قوات المحور؛ ألمانيا واليابان وإيطاليا، بعدما أودت بحياة 85 مليون شخص، وبعدما ألقي قنبلتان ذريتان على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتان. وبانتهاء الحرب، غزت قوات الحلفاء؛ بقيادة بريطانيا العظمى والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ألمانيا، وسيطر الاتحاد السوفيتي على الجزء الشرقي منها، بينما استسلم الجزء الغربي منها، استسلاماً غير مشروط، للولايات المتحدة والقوات الأوروبية، في الثامن من مايو 1945.
أحدثت تلك الحرب، تغييراً شاملاً في الخريطة السياسية، والعسكرية، في العالم، ونشأت منظمة الأمم المتحدة، التي يعتبر مجلس الأمن أحد أهم أذرعها، بتشكيله القائم على عضوية دائمة للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والصين وإنجلترا وفرنسا، والتي تتمتع، دون غيرها، بحق النقض، المعروف باسم “الفيتو”، أما باقي أعضاء مجلس الأمن، وعددهم 11 عضواً، فيتم اختيارهم عن طريق الانتخاب، ويشغلون مقاعدهم لمدة عامين.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، دخل العالم في مرحلة جديدة، والتي عُرفت باسم “الحرب الباردة”، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وتراجعت خلالها مكانة القارة الأوروبية، فلم تعد لفرنسا وبريطانيا هيمنتهما على معظم دول العالم، فضلاً عما طال ألمانيا من فرقة وتمزق، بين ألمانيا الشرقية تحت سيطرة السوفييت، وألمانيا الغربية تحت سيطرة أمريكا والحلفاء، حتى هدم السور الفاصل بين الألمانيتين، في 13 يونيو من عام 1990، وتوحيدهما في 13 أكتوبر من نفس العام.
وأمام هزيمة ألمانيا، خلال الحرب العالمية الثانية، ووقوعها تحت السيطرة الأمريكية، انتشرت القوات العسكرية الأمريكية داخل الأراضي الألمانية، بل أن القيادة العسكرية الأمريكية للقوات في أوروبا (EUCOM)، كان موقعها في القاعدة العسكرية جنوب مدينة شتوتجارت الألمانية، وتم تنظيم تواجد القوات الأمريكية على الأراضي الألمانية، طبقاً لاتفاق بين البلدين، عُرف باتفاق وجود القوات الأجنبية في ألمانيا عام 54، والذي قضى بالسماح لثمانية من أعضاء حلف الناتو بنشر قواتهم العسكرية في ألمانيا.
كان الهدف، بطبيعة الحال، التصدي للاتحاد السوفيتي، وحلف وارسو، باعتباره العدو الجديد، مع التأكيد على ألا يكون لألمانيا جيش قوي، يعيد أمجاد النازية السابقة. ووصل الحال اليوم لتواجد 21 قاعدة عسكرية أمريكية، في ألمانيا، قوامها 34,500 جندي، أو 50,000، باحتساب الإداريين والمدنيين، ولعل أهمها “قاعدة رامشتاين الجوية”، أكبر القواعد العسكرية الأمريكية، خارج الولايات المتحدة، والتي تعتبر مقر عمليات القوات الجوية الأمريكية، خارج البلاد؛ فمنها تنطلق العمليات في الشرق الأوسط، والتي تتحكم فيها أمريكا باستخدام الطائرات المسيرة ضد التنظيمات الإرهابية، سواء في الشرق الأوسط أو أفريقيا.
ورغم عدم السماح لألمانيا بامتلاك الأسلحة النووية، عند هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، إلا أن أمريكا تخزن بها، حالياً، ما يقرب من 20 قنبلة نووية، في “قاعدة يوشيل الجوية”، وكان “البوندستاج”، أو البرلمان الألماني، قد أقر، في مارس 2010، مطالبة أمريكا والحلفاء بسحب كافة الأسلحة النووية من ألمانيا، إلا أن الطلب لم يُنفذ، وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، رأت قوات الحلفاء أهمية، وضرورة، للإبقاء على الأسلحة النووية، للتصدي للتهديدات الروسية لأوروبا.
وفي عام 2020، أمر الرئيس الأمريكي، السابق، دونالد ترامب، بسحب حوالي 12 ألف من جنود بلاده من ألمانيا، نظراً لعدم رفع ألمانيا لمساهماتها في ميزانية حلف شمال الأطلنطي، ورداً على تمسكها بمشروع خط نورد ستريم2 مع روسيا، إلا أن الرئيس الحالي، جو بايدن، أوقف سحب القوات، بل وقرر وزير دفاعه، لويد أوستن، تعزيزها بعدد 500 جندي. وهكذا ظلت ألمانيا، تعتمد في دفاعها، وأمنها القومي، على التواجد العسكري الأمريكي، وقوات حلف الناتو، على أراضيها.
وفجأة اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، لتغير الأوضاع والمفاهيم، ولتجد ألمانيا نفسها عُرضة لغزو روسيا، في يوم من الأيام، فقرر مستشارها، أولاف شولتس، تطوير القوة العسكرية للجيش الألماني، ببناء جيش تقليدي، قوي، بكافة أفرعه، البرية، والبحرية، والجوية، ليصبح، في المستقبل القريب، قادراً على حماية أمن واستقلال ألمانيا، دون الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية وقوات الناتو. جدير بالذكر أن القوات الألمانية تحتل المرتبة السادسة عشرة ضمن قائمة أفضل جيوش العالم، وفقاً لتصنيف مؤسسة جلوبال فاير باور، بقوات تبلغ 185 ألف جندي، علاوة على ألفين يعملون في مهام خارجية، وتمتلك القوات الجوية الألمانية 640 طائرة، منهم 134 مقاتلة، و287 هيلوكوبتر، أما قواتها البرية فقوامها حوالي 266 دبابة، ونحو 9200 مدرعة، 38 قاذفة صواريخ، أما القوات البحرية فتمتلك 80 قطعة بحرية، بينهم 12 فرقاطة، و12 كاسحة ألغام، و6 غواصات.
كانت ميزانية الدفاع الألمانية تبلغ نحو 50 مليار يورو، تم مضاعفتها، مع بداية العام الحالي، بتخصيص 100 مليار يورو إضافية، لدعم الجيش، ورفع كفاءته، بشراء مقاتلات إف 16 الجديدة، وتطوير كافة الأسلحة والمعدات في الجيش الألماني، وهو ما يُنتظر معه أن تشهد القوات العسكرية الألمانية طفرة كبيرة في المستقبل، في ظل ما تمتلكه ألمانيا من صناعات عسكرية متطورة، منها الدبابة “ليوبارد”، التي تعد من أكثر الدبابات تطوراً في الترسانة العسكرية العالمية، وكذلك الغواصات والفرقاطات، الأحدث في العالم، الذين قامت مصر بشرائهم في عام 2015.
وهكذا، تصبح الحرب الروسية الأوكرانية، مصحوبة بتطور الصناعات الحربية في ألمانيا، سبباً وأساساً لرفع كفاءة قواتها المسلحة، التي أتوقع أن تكون ضمن قائمة أقوى عشرة جيوش على مستوى العالم، في القريب العاجل.