مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، اجتمعت 51 دولة لإنشاء منظمة الأمم المتحدة، ثم ارتفع عدد الدول الأعضاء، ليصل، في يومنا هذا، إلى 193 دولة، يجمعهم ميثاق واحد يعد بمثابة قانون دولي، مُلزم للدول الأعضاء، لتقنين المبادئ الرئيسية للعلاقات الدولية، من المساواة في السيادة بين الدول، إلى حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية.
ولعل من أهم أذرع الأمم المتحدة، منذ نشأتها، هو مجلس الأمن، صاحب السلطة النافذة في قراراته، والذي تأسس، في البداية، من خمس دول، يشكلون الأعضاء الدائمين، وأصحاب “حق الاعتراض”، أو “الفيتو”، على أي قرار يناقش في المجلس، وهم أمريكا، وإنجلترا، وفرنسا، وروسيا، والصين،
كما يضم عشر دول، كأعضاء غير دائمين، يتم تعيينهم بالانتخاب، ويتناوبون على المقعد كل عامين. ومن البديهي، أن لم يكن لألمانيا وإيطاليا واليابان أي دور عند إنشاء منظمة الأمم المتحدة، باعتبارهم قادة تحالف المحور، الذي حارب ضد الولايات المتحدة، وإنجلترا، وفرنسا، أثناء الحرب العالمية الثانية، وانتهت الحرب بخسارتهم.
وبعد مرور السنين، واستعادة الكثير من الدول لقوتها، مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان، بدأت التحركات للبحث عن أماكن لها في مجلس الأمن، أو بالأحرى المطالبة بمقاعد دائمة في ذلك المجلس الهام. وتعالت أصوات دول أخرى مُطالبة بضرورة إحداث تغيير جذري في تلك المؤسسة العالمية، التي لم يطلها التغيير منذ عام 1945، فنادت دول أمريكا الجنوبية، مثل البرازيل والأرجنتين وأوروغواي، بضرورة تمثيل قارتهم في مجلس الأمن.
ومثلها نادت الدول الأفريقية، فكيف يكون بينها دولة كبرى مثل مصر، بثقلها التاريخي والسكاني، وأهميتها الجيوسياسية، أو دولة مثل جنوب أفريقيا، التي تعد البوابة الجنوبية للقارة، أو دولة مثل نيجيريا بحجمها السكاني والاقتصادي، ولا يمثلون قارتهم في مجلس الأمن.
وكذلك فعلت الهند، وباكستان، وإيران، وتركيا، التي رأت كل منهم في نفسها القدرة والأحقية في تمثيل قارة آسيا في مجلس الأمن، بينما ترى اليابان أنها الأجدر بذلك المقعد، خاصة بعد أن صارت واحدة من الدول السبع الكبرى، المعروفين باسم (G7)، هذا فضلاً عن الكوريتين، اللتان تطمع كل منهما في أن يكون لهما مكان في مجلس الأمن.
ومع تعالي تلك الأصوات، بضرورة إحداث تغيير في هذه المنظمة، التي لم يطرأ على نظامها أي تغيير جذري، منذ عام 1945، وحتى اليوم، سوى في زيادة عدد أعضائها، ومع تزايد المطالبات بوجوب إعادة تشكيل مجلس الأمن، بدأ التفكير في تصور، أو مقترح، لإعادة تشكيل مجلس الأمن بصورة جديدة، يتم عرضه في عام 2024، يقوم على أساس اعتبارات الوزن النسبي للقاراتبأن يتاح، مقعدين لدولتين من دول أمريكا الجنوبية، ومثلهما لدولتين من القارة الأفريقية، ومقعدين آخرين لدولتين من دول أوروبا الجديدة.
أما بالنسبة لقارة آسيا، ومع اتساع مساحتها، وشمولها لعدد كبير من الدول ذات الأثر، سواء من حيث أعداد السكان، أو من حيث الأثر الاقتصادي، فيقترح أن يتاح لها مقعدين لتمثيل دولها الشمالية، على أن يتاح مقعدين آخرين لدول جنوب شرق آسيا، سواء اليابان، أو الكوريتين.
وإذا ما تم إقرار هذا المقترح فسيصل عدد الأعضاء الدائمين، في مجلس الأمن، إلى 15 عضواً، ولكن تبقى مشكلة من سيكون له الحق في استخدام “الفيتو”؛ وهو ما اختُلف فيه الرأي،
فطالبت الدول الخمس الأساسية، بأن يظل حق الفيتو حصرياً عليها، بينما رأي كثيرون ضرورة التطوير، مقترحين إضافة أربعة، من العشر أعضاء الجدد، بواقع صوت واحد عن كل قارة من القارات الممثلة، وهم أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وآسيا، وأوروبا، بحيث يصبح أصحاب الحق في استخدام “الفيتو”، تسعة فقط، وهو رقم فردي، كما هو معمول به.
وفي حال اعتماد المقترح، سيتعين الاتفاق على آليات تنفيذه، اعتباراً من العام القادم 2024، وهو ما يُتوقع أن يواجه بعض العقبات، منها اختيار ممثلي القارات، فها سيكون اختيارهم بالتعيين، أم بالانتخاب؟ وإن كان بالانتخاب، فهل سيكون التصويت بين كل أعضاء المنظمة، أم بين دول القارة المعنية، على أساس أن تختار دولها من سيمثلها في مجلس الأمن.
والحقيقة أن لكل اتجاه مزاياه، ونقائصه، ففي حال التصويت الجماعي، ترى تخوفاً من سيطرة الدول الكبرى على أصوات الدول الصغرى، كأن تؤثر الصين، مثلاً، على العديد من الدول الصغرى، استناداً على نفوذها الاقتصادي الواسع بين هذه الدول.
وفي حال قصر التصويت على دول القارات المعنية، فيبقى التخوف من استغلال نفوذ الدول الكبرى، لترجيح كافة دولة على أخرى، ولتوضيح الصورة، فقد تستغل الولايات المتحدة، مثلاً، تقاربها الحالي مع دول الخليج، ودول منطقة الشرق الأوسط، للحيلولة دون السماح لإيران، بالجلوس على مقعد دائم في مجلس الأمن.
وهو ما يفسر الكثير من التحركات السياسية، التي تشهدها الساحة الدولية، حالياً، لتقارب الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، لاحتواء الدول الصغرى، للسيطرة على انتخابات الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
أما بالنسبة لمصر، فأرى أن فرصتها كبيرة، في الجلوس على مقعد دائم، ممثلة لأفريقيا، اعتماداً على ثقلها السياسي والتاريخي والسكاني، بالإضافة إلى تاريخها الدبلوماسي في القارة، كمؤسس للاتحاد الأفريقي، في بداية تكوينه، فضلاً عن نشاط القيادة السياسية في إعادة بناء جسور التقارب، والتعاون، بين مصر والدول الإفريقية، وهو ما سيؤتي ثماره عن انتخاب الممثل الدائم للقارة الأفريقية في مجلس الأمن.